الدعاء سبيل القرب من الله

الدعاء سبيل القرب من الله


يقول الله وتعالى:“وإذا سالك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون” صدق الله العظيم-الآية 186 من سورة البقرة هذه الآية من سورة البقرة توسطت آيات الصيام (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) والتي تنتهي بقوله تعالى (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) وإذا كان الدعاء مرغوبا فيه في كل الأوقات والأزمان فانه في شهر رمضان وفي حال الصيام أحب وأفضل واقرب إلى الإجابة ومع ذلك فان هذه الآية الكريمة تبقى على عمومها. وقد وردت هذه الآية في شكل جواب عن سؤال يحتمل أن يلقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل المؤمنين فالسؤال عن الله من قبل العباد وارد وجاء الجواب من الله شافيا كافيا مقنعا وهو جواب يناسب الذات الإلهية التي لا يمكن تصورها ولا يمكن أن يسعها مكان وزمان، فكل ما يتصور في البال فالله سبحانه وتعالى بخلاف ذلك إن الله جل جلاله مخالف للحوادث، لا يحاط به وهو في كل مكان، انه قريب جدا من عباده، اقرب إليهم من حبل الوريد، وإذا أراد العبد أن يكون اقرب ما يكون من ربه فليتمثل لأمر ربه (فاسجد واقترب) وقد جاء في الحديث الشريف (اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وهو لا شك قرب استجابة، لان القريب بحق هو من يجيبك إذا دعوته ويعطيك إذا طلبته وينصرك إذا استنصرت به وكل ذلك حق وواقع بالنسبة لله سبحانه وتعالى. أما رفع الأيدي إلى السماء عند الدعاء وهو ما درج عليه الناس فإنما هو للدلالة على العلو وإلا فان الحيز محال في حقه جل جلاله وحتى الآيات الواردة في ظاهرها تفيد وجوده في مكان معين فإنها كلها أولها العلماء الراسخون في العلم بما يتناسب مع الذات الإلهية. والقرآن الكريم نزل منجما طيلة ثلاثة وعشرين سنة مرتبطا بمناسبات نزول بعد أن نزل دفعة واحدة من عند الله إلى السماء الدنيا وعديدة كثيرة هي الآيات التي جاءت جوابا على أسئلة توجه بها الصحابة أو من كانوا يعيشون معهم من الأقوام الآخرين (كاليهود) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الجواب على تلك الأسئلة فما لا يزال يتلى مما تضمنه المصحف بين دفتيه وذلك مثل قول تعالى (يسألونك ماذا ينفقون) (يسألونك هن الأهلة) (يسألونك عن الخمر) وهذه الآية (وإذا سالك عبادي عني فاني قريب) وقد جاء السؤال في صيغة مغايرة لما سبق ذكره (يسألونك) وفي هذه الصيغة (وإذا سالك عبادي عني) ما لا يخفى من البلاغة ومن إمكانية تكرر هذا السؤال من طرف المؤمنين وهو تكرر مشروع ومتوقع لان الحاجة إلى الله ستظل باقية دائمة لان الشأن في الإنسان بالنسبة لربه هو الافتقار والطلب والرجاء، فالله هو الملجأ وهو الملاذ. وقد جاءت الإجابة في هذه الآية مختلفة ظاهرا عن صيغة السؤال، إذا لكأن السؤال فيه ما يشير إلى المكان والحيز وذلك ما لا يتصور بالنسبة لله سبحانه وتعالى فجاء الجواب مرشدا وموجها إلى الأثر الفعلي المحسوس والملموس للوجود الإلهي والمتمثل أولا في قرب ليس دونه قرب، الله اقرب لعبده من حبل الوريد ومن نفسه التي بين جنبيه وعلامة هذا القرب الشديد هذا الثر الملموس المحسوس المتمثل في استجابة الدعاء فما على العبد المؤمن إذا ما أراد أن يدرك مدى قرب ربه منه إلا أن يطلق لسانه بالدعاء والطلب فخالا وبدون تأخير ستأتي الإجابة (فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) ومهما كان الصوت بالدعاء خافتا غير مسموع فانه بالنسبة لله تبارك وتعالى مسموع كما لو رفع به صوت الداع حتى قيل في حق الله السميع العلمي انه سبحانه وتعالى يعلم ويسمع دبيب النمل في الحجرة الصماء في الليلة الظلماء، وهو سبحانه وتعالى لا يشغله سمع عن سمع ولا تأخذه سنة ولا نوم. إن الله تعالى في صفاته مخالف في كل أحواله لكل خلقه ولكل الحوادث (وكما يقال في حق الله بأنه مخالف للحوادث) والقرآن الكريم مصدر العقيدة الإسلامية الأول المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يزخر بالآيات المبينة لما ينبغي لله من صفات الكمال وكمال الصفات وقد كان القرآن الكريم المستند والمعتمد في إثبات العقيدة الإسلامية مبنية على التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة وهو توحيد يتكرر التذكير به والتنبيه بضرورة التزامه وعدم الحياد عنه باعتبار أن ما يعارض التوحيد وهو الشرك ظلم عظيم (إن الشرك لظلم عظيم) وباعتبار أن الشرك ذنب لا يغفر (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء). والدعاء هو عبادة لا يمكن أن يكون إلا لله إذ المؤمن لا يدعو مع الله إلها آخر إن المؤمن لا يطلب إلا من الله ولا يرجو إلا الله ولا يخاف إلا من الله ذكر بكل هذه الأساسيات رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عندما قال: قال رسول الله (يا غلام تعالى أعلمك كلمات إذا طلبت فاطلب الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله لك) فالنافع والضار والمعطي والمانع المحي والمميت هو الله وحده جل جلاله تلك هي عقيدة التوحيد وهي عقيدة المسلمين لا اله إلا الله ومعها الشهادة بان محمدا هو عبد الله ورسوله بلغ عن ربه هذه العقيدة الصحيحة السليمة وترك الناس عليها، عقيدة ليلها كنهارها محجة بيضاء لا يزيع عنها ولا يحيد عن نهجها القويم السليم إلا هالك.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.