التعايش بين الغرب والإسلام ممكن وليس مستحيلا

التعايش بين الغرب والإسلام ممكن وليس مستحيلا


يعد موضوع الغرب والإسلام من مواضيع الساعة التي ازداد الاهتمام بها في السنوات الأخيرة حيث لا يمر أسبوع دون أن يصدر في بحثه والتطرق إلى جانب من جوانبه المتعددة ملف في صحيفة أو عدد خاص من مجلة أسبوعية أو شهرية أو دورية فضلا عما لا تزال دور النشر تخرج به على الناس من عشرات الكتب بمختلف اللغات وما لا يزال ينعقد هنا وهناك من مؤتمرات وملتقيات يشارك فيها أهل الذكر من العلماء والمفكرين وحتى الساسة والمنظرين. ولهذا الاهتمام بموضوع الغرب والإسلام مبررات ازداد الاقتناع بها والتحمس لها على مر السنوات ومنذ بداية الثمانينات من القرن الماضي وبلغت أوجها في بداية هذه الألفية الثالثة ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تبعها من تداعيات. وتوفرت اليوم بين أيدي الباحثين والدارسين مادة غزيرة في موضوع الغرب والإسلام يغلب عليها التنوع الذي يصل إلى درجة التعارض الصارخ واختلفت النتائج التي انتهى إليها كل طرف باختلاف الدوافع والغايات من وراء بحث هذا الموضوع السهل والصعب في الآن نفسه. ومع ذلك –والى أن نهتدي إلى صيغة مثلى ننتهي بها إلى نتائج ايجابية بناءة ومفيدة- فإن موضوع الغرب والإسلام سيبقى محتاجا إلى مزيد البحث والدراسة وتبادل الرأي فيه من قبل أهل الذكر والمهتمين من المفكرين والساسة. وقبل أن أقدم مساهمتي المتواضعة في التطرق إلى موضوع الغرب والإسلام أود أن أستسمحكم في إبداء مجموعة من الملاحظات يمكن أن تتخذ مدخلا لبحث هذا الموضوع. * لابدّ من الاعتراف بأن علاقة الغرب بالإسلام في الوقت الحاضر ليست على الحال التي يريدها لها ذوو النوايا الصادقة من الجانبين. * وجميعنا يسلم بأن علاقة الغرب بالإسلام في وضعها الحالي تحتاج إلى جهود خيرة وكبيرة للتخلص من رواسب وتراكمات ماض مشترك يعود إلى قرون عديدة ليس من الموضوعية ولا يمكن أن نصل إلى نتيجة ايجابية إذا ما حملنا طرفا دون الآخر مسؤولية هذه العلاقة في وضعها الحالي. * وحينئذ ينبغي على الجانبين أن يكونا على أتمّ الاستعداد للمراجعة والإصلاح إذا استوجب الأمر ذلك وهو ليس بالسهل أو الهيّن لأن لكل طرف من الطرفين ممن يحيطون به من لا يريد لمثل هذه العلاقة أن تتطور نحو الأحسن وتتقدم نحو الأفضل رغم ما في ذلك من مصلحة عاجلة وآجلة نلمس آثارها حيثما التفتنا. * ولا شكّ أن الكثير من سوء الفهم المتبادل إنما يعود إلى أحكام مسبقة هي نتيجة منطقية لجهل كل طرف بالآخر. كما يعود سوء الفهم إلى الميل إلى الأسهل في اغلب الأحيان والمتمثل في التعميم والحكم من خلال تصرف فرد أو أفراد على الطرف الذي ينتمون إليه للقول باستحالة التفاهم وحتى التعايش والتعاون على الكثير مما يمكن أن يتعاون عليه الطرفان لفائدتهما معا دون أن يكون ذلك على حساب خصوصياتهما. * والباحث في علاقة الغرب بالإسلام ماضيا وحاضرا يرى أن كثيرا من التجاوزات والتصرفات التي تصدر عن هذا أو ذاك فردا أو جماعة كثيرا ما تلاقي الرفض وعدم القبول والاستنكار من قبل عقلاء الطرفين والشواهد على ذلك كثيرة لا تحصى وفيها الرد البليغ على القائلين بحتمية الصدام بين الغرب والإسلام واستحالة التعايش بينهما!!. * لا ننكر أن العلاقة بين الغرب والإسلام عبر الزمان الذي يمتد إلى أربعة عشرة قرن وعبر الحيز الجغرافي الذي توسع ليصل إلى اغلب القارات (آسيا وأوروبا وأفريقيا وحتى أمريكا) هذه العلاقة سادها الكثير من التوتر الذي بلغ في بعض الأحيان إلى حد الحروب الدامية التي سقط فيها العديد من الضحايا الأبرياء والذين لا ذنب لهم وقد أتت هذه الصدامات الدموية على الكثير من المكاسب الإنسانية الحضارية وعطلت إلى حد بعيد مسيرة البشرية نحو التقدم والرقي والتمدن. * ولكن ذلك لا ينبغي أن يحجب عنا عقودا وقرونا عاش فيها الغرب والإسلام في امن وسلام وفي تعايش وفي سامح ورقي حضاري كان ذلك بين أفراد وأسر وجماعات كانت تتصرف على السجية وبتلقائية وسماحة تجلت فيها إنسانية الإنسان في أجمل مظاهرها. إن كل طرف منا تحضره عينات معبرة لهذه الإمكانية الفعلية الواقعية للتعايش والتعاون الصادق وهي التجسيم العملي للقيم الإنسانية الخالدة وهي جوهر المقاصد الشرعية التي نادت بها كل الأديان السماوية باعتبار أن الدين كله لله. والعالم اليوم أصبح قرية كونية قربت بين أفراده ومجتمعاته وسائل الاتصال المتطورة والتقدم العلمي في كل مجالاته مما يحتم على الجميع أن يراعوا هذا المعطى وينتبهوا إلى أنهم مثلما أنه يمكن أن يكون هذا التقدم المادي سببا في المزيد من الآلام والمظالم والمآسي التي عانت من ويلاتها الإنسانية جمعاء فإنه يمكن أيضا لهذا التقدم المادي أن يقرب الإنسان من أخيه الإنسان وأن يزيل الكثير من سوء التفاهم الناتج في اغلب الأحيان عن الجهل ببعضنا البعض (ومن جهل شيئا عاداه). لقد آن الأوان لكي نتصدى جميعا لكل ما من شأنه أن يباعد بيننا وكل من شأنه أن يذكي مشاعر الكراهية والعداوة والبغضاء وقد تسربت هذه الأفكار إلى المناهج الدراسية والى المنتوج الثقافي وكان ذلك في كثير من الأحيان مادة إعلامية مسموعة ومرئية، ولم ينطلق مروجو مشاعر الكراهية والعداوة من لاشيء، لقد انطلقوا من وقائع تاريخية لا ننكرها وتصرفات طائشة هي في الحقيقة والواقع لا تلزم إلا أصحابها الذين قاموا بها ولكنها بتكررها هنا وهناك أصبحت معطى كان في الإمكان تطويقه والبحث في أسبابه وإزالتها حتى يبقى الودّ والبر والتقدير والاحترام المتبادل هو القاعدة والأصل. إن المسؤولية الكبرى في هذا العمل التصحيحي للعلاقة بين الغرب والإسلام يتحملها من الجانبين قادة الرأي والفكر وأهل الذكر من العلماء والساسة وولاة الأمور فهؤلاء جميعا هم من يقتدي بهم عموم الناس المنصرفون إلى شؤون حياتهم اليومية. * والغرب-وهذه حقيقة لا ينكرها عاقل- يمثل أحدا الحضارات البشرية الكبرى، بل إنه اليوم الحضارة الفاعلة التي أثرت ولا تزال في مسار البشرية وما بلغه الغرب من رقي شامل مادي واجتماعي ليس إلا ثمرة لتضحيات جسام وجهود جبارة بذلت على كل الأصعدة وفي كل الميادين من اجل تهيئة أرضية هذا التقدم الملموس والمعيش، ونخطئ خطأ جسيما عندما نقصر هذا التقدم على الجوانب المادية والعلمية فالتقدم شامل أو لا يكون الغرب متقدم ومتطور فكريا واجتماعيا ومؤسساتيا، وهو متقدم عقلية وسلوكا سواء كان فردا مهما كان موقعه أو مجتمعا. * قد يقول قائل: هل الغرب كمال مطلق؟ هل لا توجد نقائص وسلبيات وظواهر تنخر جسم هذا الغرب؟ إلا يعبر عن هذه الظواهر السلبية الغربيون أنفسهم؟ ألا نسمع ونقرا بين الحين والآخر صيحات فزع وصفارات إنذار تنبه إلى مخاطر داهمة؟ أليس هناك اليوم في اغلب البلدان الغربية أفراد وجماعات عددها في ازدياد وثقلها يبرز أثناء الحملات الانتخابية تدعو إلى العنصرية والعنف وتنشر الكراهية والرعب؟ * نعم إن شيئا من ذلك موجود فعلا ولكن اليقيني أن مخاطر هذه الظواهر السلبية الآنفة الذكر محدودة التأثير على الأقل على المدى القريب والأوسط وذلك بفضل الحصانة التي اكتسبها الغرب والتي هي ثمرة عقد اجتماعي حضاري تعهد الجميع بالالتزام به والتقيد بما يقتضيه من انضباط. وهي ثمرة أيضا لهيكل مؤسساتي آمن به الجميع وقبلوا الانصهار فيه والعمل من خلاله بعد أن رأوا جميعا ما جره لهم من فوائد جمة. * ينبغي أن لا تحجب بعض الظواهر السلبية ايجابيات كثيرة جديرة بأن تشد انتباهنا لأنها قواسم مشتركة بين بني الإنسان مهما كانت أعراقهم ولغاتهم ومعتقداتهم. * ففي الغرب تسامح وحرية لا تعرف الحدود، * وفي الغرب مساواة وانضباط * وفي الغرب حقوق إنسان وعمل للصالح العام وتفان في آداء الواجب، * وفي الغرب انصراف إلى البذل والعطاء بجدّ وكدّ وإتقان وسعيي دائب لاكتشاف وتنمية المعارف في كل الاختصاصات وكلّ الميادين * وفي الغرب تعويل على النفس وإيمان لا حدّ له بقدرات الإنسان وإمكاناته * وفي الغرب أيضا يجد كلّ راغب في الإضافة والخلق والإبداع وإفادة الآخرين الدعم والتشجيع بقطع النظر عن أصوله ومعتقداته. * والخلاصة أن الغرب اليوم بلغ قمة النضج الإنساني والرقي الحضاري وهذه حقيقة لابدّ من التسليم بها والتعامل معها كواقع، ولن يغير من ينكرها من الأمر شيئا وهو بهذا السلوك يفوّت على نفسه فرصة ثمينة للاستفادة من هذا التقدم الشامل وهذا المناخ السليم لكل راغب صادق في التطور والنهوض. وقد يقول قائل هل الاستفادة من هذه المكاسب التي تحققت في الغرب مشاعة بين الجميع بقطع النظر عن الأعراق والمعتقدات؟ ثم ألسنا نقف في بعض الأحيان على حالات يبدو فيها جليا الكيل لمكيالين؟ * والجواب هو التسليم بأن كلّ شيء نسبي وبكل المقاييس فإن الواقع يشهد أن كل من ألزم نفسه من غير الغربيين بما التزم به الغربيون، وكل من احترم ما وقع الاصطلاح والاتفاق عليه من قبل الغربيين من قيم وضوابط وقواعد للعيش المشترك إلا وتكفلت له قوانين الغرب ومؤسساته والنشطاء في الشأن العام في الغرب أن لا يضيع له حق وأن لا يعتدي عليه أحد وأنّ من يحاول ذلك ويقوم به لا يخرج عن طائلة القانون. * ففي الغرب اليوم –فرنسا نموذج لذلك- جالية مسلمة تنحدر من أصول مغاربية وافريقية وغيرهما تقيم منذ عقود طويلة حيث تلاحقت أجيالها، إنها في اغلبها تحيا حياة طبيعة تلقائية تكاد تتساوي في الحقوق مع أهل البلاد الأصليين، إذ تجدها في كل مرافق الحياة: في المصنع والمتجر والحقل والخدمات العامة كما تجد أبناء هذه الجالية في المدارس والمعاهد والكليات. وهي في تطور مستوى عيشها تسير من حسن إلى أحسن تستفيد أيما استفادة من كل ما تخوله لها قوانين بلاد الإقامة من إمكانات وفرص للعيش الكريم وللمساهمة بقسطها في تقدم بلاد الإقامة ولكن أيضا في بلوغ ما يتمناه –ولا يصلون إليه- ملايين المسلمين في ديار الإسلام!!. ويتوفر كل هذا لهؤلاء المسلمين المقيمين في الغرب دون أن يكون ذلك مشروطا بذوبان كلي تنمحي به كل مقومات الشخصية الإسلامية، إذ أمر الشعائر والمقدسات وممارستها بكل حرية فصل الغرب فيه القول منذ عهد بعيد، حيث اعتبر ذلك الأمر من الشؤون الشخصية والخاصة للإنسان لا يمنعه من ممارستها احد وهو مما يترك للمعنيين بالأمر يدبرونه بإرادتهم ودون أدنى وصاية عليهم أو تدخل في شؤونهم، وما التمشي الذي أتبع حاليا لإنشاء هيكل ذي صيغة تمثيلية واسعة وعادلة لمسلمي فرنسا إلا اكبر دليل على إمكانية التعاون والتعامل والتكامل والتعايش والانسجام عند الالتزام من قبل الجميع بما يتم الاصطلاح والاتفاق عليه من عقد اجتماعي وقيمي ونظام مؤسساتي ينخرط فيه الجميع مهما كانت معتقداتهم من أجل ضمان حياة كريمة آمنة مطمئنة ينصرف فيها كل طرف لآداء دوره في المجتمع الذي يعيش فيه والبلاد التي يقيم على ترابها وتشجيع مثل هذا التمشي وتعميق الوعي به في مختلف الأوساط مسؤولية مشتركة لأنه في النهاية محقق لمصلحة الجميع. ودرء المفسدة وجلب المصلحة هي إحدى قواعد التشريع الإسلامي وهي من أهم مقاصده وغاياته وأبعاده العميقة والبعيدة وقد الفت فيها كتب لبلورتها وتقديم الحجج والبراهين المنطقية والشرعية على ضرورة اعتبارها والسعي الجاد لتحقيقها في حيز الواقع. * فسعادة الإنسان وجعله يعيش حياة كريمة لا يهدد في حياته ولا تغتصب أملاكه ولا ينتهك عرضه ولا يحد من حريته الدينية والفكرية والسياسية وغيرها لا يمنعه مانع من نيل حقه. إن هذه المنظومة من الحقوق وغيرها هي ما وقع الانتهاء إليه والاتفاق عليه في الغرب وهي جوهر ما تضمنته كل الرسالات السماوية وبدون استثناء. والإسلام كما تضمنته أصوله الثابتة من قرآن وسنة وسيرة نبوية لا تختلف مبادئه وما دعا إليه عن هذه المنظومة من القيم الاجتماعية إن لم نقل إنه يتطابق معها تطابقا كليا. * فكرامة الإنسان –أي إنسان- مهما كان معتقده أو جنسه صرحت بها آيات القرآن الكريم (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). * وتعايش الأمم والشعوب وتعاونها على الخير وما فيه مصلحة الجميع وإحلال الوئام محل الخصام نادى بذلك القرآن الذي اعتبر التمايز سبيلا للتكامل والتنافس على فعل الخير وهو وحده ما يقرب من الله (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم). * كما أن الإسلام أحاط النفس البشرية مهما كان دينها أو عرقها بحرمة تجعلها في مأمن من الإزهاق وسفك دمها معتبرا أن ذلك جرم عظيم لا يساويه أي جرم آخر (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنها أحيا الناس جميعا). * ولكي لا يكون الدين سببا في الفرقة والخلاف وداعيا إلى الظلم والعدوان اعتبر الإسلام أمر الهداية بيد الله وحده، حيث قال الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) وتبعا لذلك حرّم على المسلم الإكراه لغيره كي يدخل في الإسلام حيث يقول الله تبارك وتعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وإذا ما دعا المسلم إلى دينه وعرف به الآخرين فلا سبيل بان يكون ذلك بغير الحكمة والرفق واللين والموعظة الحسنة (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). * وهذه المجادلة بالتي هي أحسن ورد التذكير بها وضرورة توخيها والتعامل على مقتضاها مع أهل الكتاب من يهود ونصارى، حيث يقول الله تبارك وتعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) وهذا في ما يتعلق بمسائل العقيدة، أما ما يتعلق بشؤون الحياة ومعاملاتها وكل ما يختص بها –وهي مجال التعايش- فإن الإسلام ينفي الحرج عن المسلمين ويدعوهم إلى أن يتعاملوا مع من هم على غير دينهم ببر وسماحة وقسط (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم). * والسلم والأمن هما القاعدة والأصل في دين الإسلام إنه السلام في الاسم وفي التحية وفي المعاشرة وفي المنتهى والغاية، فالله هو السلام، والسلام تحية المسلمين وفي إفشاء السلام تحقيق للمحبة ولا يكون المسلم مسلما إلا متى (سلم الناس “كل الناس” من لسانه ويده). * وعكس السلم أي الحرب فإنها لا تبرر في الإسلام إلا لصدّ العدوان والظلم الذين هما حرام في كل الأديان وفي كل المواثيق والعهود يقول الله تعالى (ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين) والدخول في السلم والجنوح إليه أمر به الله المؤمنين (ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا الشيطان)(وإن جنحوا للسلم فأجنح لها). * إن في تاريخ المسلمين وفي كل ديارهم بدون استثناء صفحات مشرقة وضاءة وهي التي ينبغي أن لا نمل التذكير بها وتقديمها للمسلمين حتى يهتدوا بها في تعاملهم مع غيرهم وحيثما كانوا في ديار الإسلام أو خارج ديار الإسلام وهي أيضا ما ينبغي أن يعلمه عن الإسلام غير المسلمين. إن ما سبق أن ذكرنا بعضه من نصوص دينية هي وحدها الحجة والمرجع، وفيها وليس في ما يخالفها من تصرفات فردية واجتهادات شخصية، البرهان الصادق على التدين الصحيح والسليم. إن ما تضمنه دستور المدينة من بنود تحمي حقوق غير المسلمين من اليهود سكان المدينة وما تضمنه العهد العمري لنصارى بيت المقدس وما احتوت عليه وصايا أبي بكر للجيش وقادته من دعوة إلى عدم ترويع وقتل الآمنين من الشيوخ والنساء والأطفال والرهبان الذين انقطعوا في صوامع لعبادة الله وأمره بعدم إحراق الأشجار وقتل الحيوان في كل ذلك وغيره مما لا يتسع المجال لذكره والإتيان عليه خير شاهد ودليل على أن الإسلام وكذلك ينبغي أن يكون معتنقوه والمؤمنون به * هو أمن وسلام وطمأنينة للجميع في ديار الإسلام وخارج ديار الإسلام * إن المؤمنين بالإسلام يصلحون ولا يفسدون ويبنون ولا يهدمون. * تمتد أيدي المسلمين لكل بوادر الخير أنى كان مصدرها ولا يتأخرون عن الانخراط في أي عمل نافع غير ضار لهم ولغيرهم: يأتون ذلك عمرانا للكون وإرضاء لربهم. يوفون بعهودهم ولا ينقضون مواثيقهم يحترمون أصول الضيافة ولا يتعمدون الإخلال بنظام ارتضاه غيرهم لأنفسهم واتخذوه طريقة عيش وأسلوب حياة طالما انه ليس في ذلك ما ينال من معتقدهم أو يضايقهم في ممارسة شعائرهم. وهذه الشعائر ما فرضت إلا لتحقيق التزكية والتطهير والسلامة والاستقامة في السلوك والمعاملة والتي هي صميم الدين وعلامته الحقيقية وهي خير حافز على فعل الخير والتنافس فيه واكبر معين على اجتناب الشر والضرر بالنفس وبالناس وبالمحيط بكل مكوناته وما يحتوي عليه مما وهبه الله أو بنته يد الإنسان. * وبهذه الرؤية للدين وشعائره وما يدعو إليه من مثل وقيم سامية يمكن أن تلتقي كل النوايا الصادقة وتجتمع إلى بعضها كل المبادرات الخيّرة التي تسعى جادة على مختلف مشارب أصحابها وأجناسها ومعتقداتهم: سواء كان ذلك في المجالات الاجتماعية أو الصحية أو الحياتية بصفة عامة مثل مكافحة المخدرات والجريمة والإرهاب ومساعدة ذوي العاهات والإعاقات والتخفيف على أولئك المصابين بأمراض مزمنة وأوبئة فتاكة أو مد يد المساعدة لمن هم في حاجة إليها من الفقراء والمحتاجين والمهمشين وفاقدي السند من أطفال وشيوخ، انه التعاون على الخير مجال رحب لعمل إنساني الجميع في أمس الحاجة إليه. ولكي يزداد الوعي بهذه الإمكانية للتعايش والتعاون فيما بيننا –الغرب والإسلام- لابد من مواصلة عقد اللقاءات وتعميم تنظيمها حيثما تهيأت الظروف ووجد الاستعداد. والخلاصة أن عملا كبيرا ينتظرنا القيام به في هذا المجال (تحسين العلاقة بين الغرب والإسلام) تكون ركيزته الأساسية الانطلاق على أسس صحيحة تبدأ بالتعبير الفعلي عن النوايا الحسنة التي لا تشوبها شائبة وتعزيز الثقة المتبادلة والتحلي بالشجاعة التي تلزم كل طرف منا بأن يقوم بنقد بناء وموضوعي يعترف بالخطأ عند وجوده ويتصدى بالسرعة والحزم اللازمين لكل موقف غير مشرف ورأي متحامل وكثير من ذلك قراناه وسمعناه وشاهدناه في السنوات والأشهر الأخيرة، ولا نريد أن نكون صدى له ولا مشجعين عليه.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.