الاستغفار علامة لصدق العبودية ومظهر للرحمة الإلهية

الاستغفار علامة لصدق العبودية ومظهر للرحمة الإلهية


الاستغفار هو طلب المغفرة من الله العظيم على ما وقع فيه الإنسان المؤمن من الخطايا والذنوب وهو مظهر من مظاهر صدق العبودية لله سبحانه وتعالى وهو علامة على الثقة والرجاء في الله عز وجل وعدم اليأس والقنوط من رحمته الواسعة. وقد أمر الله عباده المسلمين بمداومة الاستغفار وطلب العفو والصفح منه سبحانه وتعالى، والآيات القرآنية التي تطرقت إلى الاستغفار وردت بصيغة الأمر الفردي والأمر الجماعي. ففي قوله تعالى (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) أمر بتجاوز طلب الغفران للزلات والخطايا للنفس إلى طلبه للمؤمنين والمؤمنات وقد أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفا وتعظيما وبرهانا على محبته التي لا توصف لأمته وإشفاقه عليها وطلبه الدائم من ربه لها الصفح والتجاوز والزحزحة عن النار والأمن من العذاب والفزع وعلو الدرجة وإبدال السيئات حسنات وذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لا يستغرب ولا يدعو إلى العجب أليس هو من قال فيه ربه (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)؟ فمن تمام حرصه ومن كمال رحمته ورأفته بالمؤمنين أن يداوم الاستغفار لهم والدعاء وهو استغفار ودعاء ليس بينهما وبين الله حجاب. كما وردت الدعوة إلى الاستغفار في صيغة الجمع حيث يقول جل من قائل (واستغفروا الله إن الله كان غفورا رحيما) وهذه الكينونة دائمة مستمرة وهي كرامة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وخاصية خصت بها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. كما ورد الاستغفار في القرآن الكريم في موطن المدح لعباد الله المتقين عندما عدد صفاتهم وابرز أعمالهم التي استحقوا عليها الشكر والثناء ووافر الثواب والجزاء، هذه الصفة هي أن ألسنتهم لا تفتا تذكر الله فتستغفره خصوصا في الأوقات التي هي غالبا أوقات غفلة وخلود إلى النوم والدعة حيث قال تعالى (وبالأسحار هم يستغفرون) وقال (والمستغفرين بالأسحار) ومن المعلوم أن الأسحار هي الثلث الأخير من الليل ومن يقومون للاستغفار بالأسحار ويهجرون المضاجع هم أيضا أولئك الذين يقرأون كلام الله القرآن الكريم وهي قراءة تشهدها ملائكة الرحمان وتكتبها في صحائف الحسنات (وقرآن الفجر إن القرآن كان مشهودا) فمن كانوا بالأسحار يستغفرون ومن كانوا لكلام الله يرددون عند الفجر أولئك هم الفائزون المستجاب لهم الذين يعلي الله درجاتهم ويمحو خطاياهم وسيئاتهم بوعده الحق الذي نطق به الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام الوارد في البشرى المتجددة في كل ليلة حيث يتنزل ذو الجلال والإكرام في الثلث الأخير من الليل فينادي (هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فاغفر له هل من صاحب حاجة فأعطيه؟). والعلاقة بين العبد وربه في الإسلام علاقة عجيبة مليئة باللطائف موحية بالحب والرحمة ذلك أن الله تبارك وتعالى غفور رحيم لا تضره السيئات ولا تنفعه الحسنات، رب قريب من عباده (وإذا سالك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني). ليس بينهم واسطة من كهان وسدنة (وقال ربكم ادعوني استجب لكم). وكلما كانت الدعوة حارة، دعوة مكلوم مضطر كانت الإجابة سريعة قريبة وكان الفرج اقرب إلى الإنسان من نفسه التي بين جنبيه (امن يجيب المضطر إذا دعاه). إن العلاقة بين العبد وربه في دين الإسلام أساسها التجاوز والصفح والعفو من الله سبحانه وتعالى والإقبال بإنابة واعتراف وخضوع وإسقاط تدبير من العبد عندئذ يأتي الفرج وتبدل السيئات حسنات وتمحى الخطايا ولو كانت كزبد البحر ولو بلغت عنان السماء لأن العبد المؤمن قال لربه بلسانه وحاله: (لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين استغفرك وأتوب إليك). وما دام لم يتزلزل ولم يتخلخل في قلبه شعار الإسلام وعماده شهادة التوحيد لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله فان ما سواها في دين الإسلام عند رب العالمين اللطيف الخبير العفو الكريم قابل للغفران (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). إن المؤمن في دين الإسلام لا ييأس ولا يقنط من روح الله ورحمته وتجاوزه وصفحه لأن اليأس والقنوط من صفات من كفروا بالله (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم). إن أهل المعصية هم أهل مغفرة الله لا يقنطهم من رحمته التي وسعت كل شيء. وإذا لم يغفر الله للمذنبين المخطئين الذين يستغفرون فلمن سيغفر؟! فعلم الله بضعف الإنسان أمام نفسه وشهواته وأمام زخارف الدنيا وفتنتها جعله يفتح أبواب توبته وتجاوزه لعباده الضعفاء اللائذين بأعتابه القارعين لأبواب غفرانه. إن الاستغفار وصدق الإنابة وخالص التوبة إلى الله ودوام الحضور معه يجعل العبد المؤمن لا يطمع في غفران خطاياه وزلاته فقط بل يزيد إلى ذلك تلقي عطاءات الله والتعرض إلى نعمه الظاهرة والخفية (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا). ومن هنا فإن الاستغفار لا تمحى به الخطايا فقط بل تعلى به الدرجات وتنزل به الأمطار من بعد يأس وقنوط ويمد به الله عباده بالأموال الوافرة من حيث لا يحتسبون ويرزقهم البنين ويخرج لهم من الأرض الخيرات فتصبح جنات وانهارا كل ذلك جزاء استغفارهم وإنابتهم وصدق توكلهم وتوجههم لبارئهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم من بيده الخير وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المستغفرين المتجردين من الحول والطول اللائذين بأعتاب مولاهم بخضوع وإنابة مع انه المعصوم من الذنوب والخطايا. وليس استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذنب اقترفه أو معصية أتاها أو واجب اخل به بل هو استغفار الاستزادة من نعم الله واستغفار الشكر والحمد والاعتراف بالجميل. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والله إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) رواه البخاري فما كان لسانه عليه الصلاة والسلام ولا قلبه يغفلان عن طلب العفو والصفح يقول ابن عمر رضي الله عنهما (إنا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الرحيم) رواه أبو داود والترمذي-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) رواه أبو داود- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: (استغفر الله الذي إلا اله إلى هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف) رواه الترمذي وأبو داود والحاكم. وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا اله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت) (من قالها من النهار مؤمنا بها فمات قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو مؤمن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) رواه البخاري. وعن ثوبان رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرامقيل للأوزاعي-وهو احد رواته-كيف الاستغفار؟ قال: يقول: (استغفر الله، استغفر الله) رواه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته "سبحان الله وبحمده استغفر الله أتوب إليه) متفق عليه. وعن انس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: (يا ابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم انك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي لأتيك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) رواه مسلم.وصدق الله العظيم في كتابه العزيز (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) آل عمران الآية 135.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.