الأستاذ محمود الشبعان رحمه الله: تجربة تربوية كبيرة وآثار علمية فقهية جادة

الأستاذ محمود الشبعان رحمه الله: تجربة تربوية كبيرة وآثار علمية فقهية جادة


طوى الموت في السنوات الأخيرة العديد من رجالات العلم والفكر والثقافة والتربية رحلوا ولكنهم تركوا من بعدهم ذكرا لا ينتهي وذلك لما عاشوا له وفي سبيله من القيم والمثل الخالدة التي لا تزيد الايام الناس الا تعلقا وتمسّكا بها. وهؤلاء الرجال كثيرون والحمد لله أنجبت منهم هذه الربوع العشرات إن لم نقل المئات ويكفي أن يعود الواحد منا الى مكتبته الخاصة أو المكتبات العامة بما تحتويه من كتب ومجلات ودوريات ليرى أثار هؤلاء التي تدل عليهم. والعَلَم الذي أتوقّف مع القراء عنده هذه المرة هو المربي والاستاذ المبدع والمحقق المدقق محمود الشبعان رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه ولد في نهاية العشرينات من القرن الماضي (1928/4/15) وفي (1983/11/03) رحل الى دار البقاء على عجل وهو في أوج العطاء التربوي والعلمي. تدرّج في سلم التحصيل العلمي مبتدئا بكتاب ومدرسة طبلبة (إحدى مدن الساحل التونسي) ثم الصادقية ثم مدرسة ترشيح المعلمين ثم جامعة ساذرون بالولايات المتحدة ودار المعلمين العليا بتونس، مسيرة حافلة بالجد والكد بتفان واجتهاد دخل على اثرها ميدان الحياة العملية كمربّ معلّم ثم مدير مدرسة فمتفقد جهوي ومدير تربص الى جانب الاشراف على البحوث البيداغوجية ورئاسة تحرير مجلات النشرة التربوية و“الرياض” و“المدرسة المفتوحة” للأستاذ محمود الشبعان رحمه الله مؤلفات تربوية وبيداغوجية مختصة لمختلف المستويات المدرسية لا يتسع المجال لاستعراضها وهي لا شك ثروة تربوية أنجزها رحمه الله في خضم انصرافه الى ما هو موكول اليه من عمل يومي مما ينمّ عن قدرات خلاقة لدى الرجل يعجب لها الدارس المتابع لمسيرة حياته المليئة بالعطاء العلمي والفكري والثقافي والصحفي ولكن العجب يزول عندما نعلم أن محمود الشبعان رحمه الله من أجيال مضت كان كل واحد منهم أمة برأسه يصح فيهم وفيه قول من قال (لقد ملأ الدنيا وشغل الناس) في عمر قصير لم يصل الستين وفي ظروف ليست بالسهلة ولا الميسورة. لا نستطيع في مقال مثل هذا أن نأتي على عناوين ما خطه قلم الاستاذ محمود الشبعان رحمه الله حقا إن الرجل قامة من القامات العالية ومفخرة من مفاخر هذه البلاد. إن أهل الذكر من رجال التربية والتعليم الذين جاؤوا من بعده لينبهروا بالثروة العلمية التي تركها وإنهم لواجدون فيها لاشك الكثير الكثير مما هو ثمرة تجربة يبدو فيها جليا التفاني والحب الشديد لمهنة وحرفة التعليم وهي من أشرف المهن ألم يقل عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت معلما) وإن الملائكة لتستغفر لمعلم الناس الخير، ولله درّ شوقي في ما قال: قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا. كان الاستاذ محمود الشبعان رحمه الله مغرما بالكتابة والتأليف والعلم والكتابة فكان حاضرا بقلمه على صفحات المجلات والجرائد (الفكر، جوهر الاسلام، الصباح، العمل..) عرفته من بعيد عندما كنت ألقاه في مطبعة الشركة التونسية لفنون الرسم في مقرّها بنهج المنجي سليم بتونس العاصمة وكانت تلك المطبعة ملتقى لمديري الدوريات التي كانت تصدر في فترة السبعينات من القرن الماضي (مجلات الفكر وقصص وجوهر الاسلام والاذاعة والمجلة التاريخية وكراسات الجامعة التونسية وغيرها) كان يساهم بمقالاته التي تتسم بالجدة والجرأة والدعوة الى التجديد وتحريك السواكن وإثارة التساؤلات والاشكاليات. لا يفعل ذلك رحمه الله ابتغاء للشهرة وحبا للظهور وإنما من أجل ازالة الشبهات والشوائب، والخرافات وارساء للتفكير العلمي السليم والدقيق ويأتي كل مرّة بالمفيد. إن الأستاذ محمود الشبعان رحمه الله قارئ نهم وغواص في أمهات الكتب العلمية والدينية وهو فضلا عن كونه مؤلفا في اختصاصه الاصلي التربوي والبيداغوجي وصاحب نظرية يبشر بها بقمله وفي دروسه ومحاضراته وارشاده التربوي والبيداغوجي فهو أيضا كاتب للطفل وما أصعب وأعسر الكتابة للطفل فهي تستدعي تمكّنا ومراعاة لعالم الطفل وهو عالم دقيق لا يمكن الاستهانة به أو استسهاله. كتب الاستاذ محمود الشبعان رحمه الله للطفل في أساليب التعليم، كتب للطفل وكتب للمعلم، كتب في التاريخ والحساب واللغة. وكتب في التربية عموما في ما يتعلق بالمدرسة العصرية وصحة الطفل والتراتيب المدرسية، كل هذه المشاركات والأعمال المختصة بوأته رحمه الله ليكون عضوا ومؤسسا لهيآت ذات صلة بالتربية والتعليم على الاصعدة المغاربية والافريقية والدولية. ولأنه مربّ أصيل ومتجذّر في شخصيته وهويته وثقافته العربية الاسلامية فقد ألّف الاستاذ محمود الشبعان رحمه الله للطفل التونسي سلسلة العبادات الميسّرة وسلسلة في السيرة الميسرة (البيت الحرام وإنك لعلى خلق عظيم، في سبيل الحق، إن مع العسر يسرا، المستضعفون الاقوياء. وكتب سلاسل أخرى في كفاح الانسان والعلوم المبسّطة ومن وحي الخيال فضلا عن التآليف المدرسية (قائمة طويلة من العناوين لكل السنوات الدراسية في مختلف اختصاصاتها).وإزاء الفراغ الذي لاحظه في مجال الكتاب الديني الفقهي بالخصوص فقد أصدر الموسوعة الفقهية الميسّرة على المذهب المالكي وهو المذهب السائد في تونس. اتبع في هذه الموسوعة منهج التأصيل والتيسير والتقريب للمادة الفقية لتسهل الاستفادة منها والعودة اليها، كتب مصنفات في أحكام الطهارة والصلاة وفي الصوم والزكاة وفي الحجّ والعمرة والزكاة والاضحية والنذر واليمين كل ذلك بالعودة الى أمهات كتب المالكية (الموطأ والمدونة والرسالة بشروحها والخليل وشروحه)، وكتب «دليلا للحاج والمعتمر» وفي كل هذه التآليف الفقهية يبدو التمكّن وتظهر الامانة والدقة كل ذلك في عبارة سهلة وفي تبويب وعنونة وشكل يجعل هذه المؤلفات في المتناول. وكانت للاستاذ محمود الشبعان رحمه الله اجتهادات وتقويمات وتصويبات جاءت نتيجة تنقيب وتحقيق اختار لها عناوين تجلب الانتباه وتغري بالقراءة مثل «على التحجر والتيمم» و«أين من القرآن تراجم القرآن» كل هذه الآثار لمحمود الشبعان رحمه الله تقف خير شاهد وبرهان على رسوخ قدمه وطول باعه رحمه الله رحمة واسعة وأجزل مثوبته.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.