الأستاذ الجامعي الفرنسي الدكتور ميشال باربو (امين عبد الكريم) Pr.Dr.M.Barbot يقول العربية سيدة لغات البشر

الأستاذ الجامعي الفرنسي الدكتور ميشال باربو (امين عبد الكريم) Pr.Dr.M.Barbot يقول العربية سيدة لغات البشر


لماذا خص الله سبحانه وتعالى اللغة العربية بالذات لتكون لغة كتابه العزيز القرآن الكريم؟ يجيب على هذا السؤال المسلم الفرنسي الأستاذ الدكتور “ميشال باربو” Pr.Dr.M.Barbot (أمين عبد الكريم) مدير معهد الدراسات العربية الإسلامية بجامعة سترازبورغII بفرنسا حيث قال: (انه ليس في وسع لغة أخرى استيعاب دين بهذه العظمة والاتساع والشمول، ليس كل لغة تملك مؤهلات تخول لها السمو إلى مستوى هذا البلاغ وإيصاله إلى مفهوم مختلف طبقات البشر في أروع شكل شهده تاريخ الرسالات ولذاك اعتبر هذا الاختيار اكبر نعمة أغدقها الله على عربي اللسان. لان بفضل لغتهم يمكنهم الغوص في أعماقها واكتشاف دررها النفيسة والاستمتاع بقمة بلاغة وبيان الكتاب المقدس بالإضافة إلى فهم مضمونه، وهي نعمة محروم منها كثير من المسلمين غير العرب في العالم ونعرف أن ترجمة القرآن إلى أية لغة أخرى عاجزة في المبدأ عن الوفاء ببلاغها الكامل). وهذه الشهادة هي نتيجة انتهى إليها هذا العالم الغربي المنصف بعد بحث جاد وحياة علمية تواصلت لعدة عقود انكب فيها على اللغة العربية في مختلف عهودها منذ العصر الجاهلي يقول ميشال باربو (لقد كان تعلمي للغة العربية الفصحى سببا من الأسباب التي دفعتني إلى دراسة القرآن الكريم في أصله وفهم حقيقة المجاز مستغنيا عن كل الترجمات الموجودة وبالتالي كان إيماني بالله سبحانه وتعالى وإعلان إسلامي فمثلما حيرني وأنا طفل صغير تناسق أشياء هذا الكون وتشابكها بشكل رائع عجيب فكذلك اللغة العربية التي ما كنت لأعرف انفرادها بميزة رائعة لو لم أتعاط للغات أجنبية أخرى تعلمتها منذ الصغر جعلني هذا أقارن فاكتشف سرا جديدا من أسرار هذا الكون). ويمضي ميشال باربو قائلا (لقد كان للغة الفصحى شأن عظيم في الجاهلية فدون بها العرب أيامهم بما شهدته من جدالات وحروب وسلم وتغيرات اجتماعية ومشاعر إنسانية وشيم عربية الخ وصلنا كل ذلك في كلام فصيح بليغ موزون ومقفى كان أحسن فن تغذى به الروح والذوق وينال به المقصود انه فن قول الشعر فكان عندما ينبغ شاعر بقبيلة ما يقيم له أهلها الاحتفالات وتقدم له الهدايا لأنه صار بيده تخليد أيامها ومآثرها والدفاع عن كرامتها بأحدّ سلاح عند العرب هو سلاح فنّ القول ولا يذكر لنا تاريخ العالم أمة أنشأت أسواقا للرواية اللغوية والأدبية مثلما فعلت العرب وأشهرها سوق عكاظ). ويجيب ميشال باربو عن سر اختيار العرب للكلمة كلبنة لتشييد حضارتهم؟ يقول: يمكن القول أن العرب منذ غابر عصورها أحست أن الكلمة العربية ليست كباقي الكلمات إنها بطبيعتها كلمة نابضة خافقة وفي نفس الوقت شاملة مستوعبة لذات الأشياء فهي تارة مجنحة تطير كالفراشات النادرة تنال من القلوب الإعجاب والدهشة وتارة كنبيذ الجنة يحلو ويمتع دون أن يذهب بلباب العقول وتارة كالسهم المسموم تكفي منه خدشة ليميت. كانت العرب تعي أن الكلمة العربية عطرة تشتم من بعيد فتفهم حالا دلالاتها. ويمضي ميشال باربو قائلا (كان العربي فنانا مرهف الحس إذا سمع شعرا أدرك بسرعة مواطن الجمال فيه أو القبح وقد بلغ النظم العربي من البلاغة والبيان ذروته حتى نزول القرآن الكريم أراد له الخالق جمالا اشمل وأوسع لتصير به اللغة العربية-حقا وأبدا- سيدة لغات البشر. وإذا كانت هذه اللغة قد مرت بفترة ضعف عند فجر الإسلام فإن ذلك لم يصدر من طبيعتها وإنما مما أصاب العرب من دهشة وإذهال أمام بلاغة الكتاب المقدس وبيانه انحنى لهما الشعر صاغرا فتوقف كبار الشعراء عن قول الشعر كلبيد بن ربيعة بلغة مثلا الذي قال “ما كنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله سورة البقرة وآل عمران”. قرآن نزل بلغة قريش هذه القبيلة التي كانت تجيد انتقاء الأفصح من الألفاظ وأسلسها نطقا على اللسان وأحسنها وقعا في المسامع وأنجحها إبانة عما في النفس فكانت رسالته تعالى كلاما تستوي فيه رفعة الكلمة العربية بسمو الفكرة الإلهية هذا التوازن المعجز الذي كانت تفتقده العربية عند الجاهليين إلا نادرا... وبعد أن يستعرض ميشال باربو ما حظي به الجانب الإعجازي من اهتمام في القرون الأولى التي والت نزول القرآن الكريم متوقفا عند كتاب البيان والتبيين للجاحظ وكتاب الموازنة للآمدي وكتاب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة في علم البيان للجرجاني موردا لعينات لما انتهوا إليه كقول الجرجاني (إن اللفظة العربية كالجوهرة الثمينة لا يظهر جمالها الحقيقي إلا من خلال طريقة تنسيقها مع باقي أخواتها من الألفاظ فكلما كان التنسيق جميلا كانت أجمل ولا يقبل أن يكون الإعجاز في الكلمة المفردة أو في معنى الكلمة المفردة بل ينظر إلى باطن مجمل الكلام ولا يأخذ بمعنى ظاهره... فالألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة فالمجاز مثلا يتضح في النظم لا في ذوات الكلم وأنفس الألفاظ). يقول ميشال باربو (ليس هذا وحده الذي يعطي لهذه اللغة روعة بلاغية وبيانية بل هناك شيء آخر شكل جزءا من الإعجاز البياني في القرآن الكريم وهو ما أشار إليه بشر بن المعتمر في وصيته البلاغية التي أدرجها الجاحظ في كتابه البيان والتبيين ج1 وهو حين تقع الألفاظ في أماكنها المناسبة من الكلام وتصير إلى قرارها دون أن تكون مكرهة على احتلال أوطان غيرها من الألفاظ وان لا تكون كمثيرة لمعان قليلة أو لمعان كثيرة يقول الجاحظ “وإنما الألفاظ على أقدار المعاني فكثيرها لكثيرها وقليلها لقليلها وشريفها لشريفها وسخيفها لسخيفها”. ويعرض ميشال باربو إلى مساهمته في إجلاء وبيان بلاغة اللغة العربية وإعجاز القرآن فيقول (إن العلوم الحديثة اليوم تضع بين أيدينا مفاتيح جديدة يجب استغلالها لأنها تمكن من اكتشاف أسرار كامنة للغة الفصحى وهو الشيء الذي أسعى إليه في السنوات الأخيرة وقد أثبتت الدراسات اللغوية والسيميائية التي قمت بها أن بنية اللغة العربية تتجلى في مستويين: 1) المستوى السطحي وهو الظاهر 2) المستوى العميق وهو الباطن وهو يعرض بتوسع وبدقة للعمل الذي قام به في هذا المجال وكان من ثمرته تلك البحوث العلمية التي نشرها في حوليات الجامعات الفرنسية المحكمة. يقول ميشال باربو (إن الترابطات السيميائية بين الألفاظ الراجعة إلى توصيل التصورات والانطباعات والأحكام في الحضارة العربية القديمة المتجددة عند فجر الإسلام وازدهار العالم الإسلامي في القرون الوسطى فتنجم كثافتها عن التفاعلات المتعددة التي شهدتها لغة العرب من مطلعها حتى العصر الحديث وبفضل كثافة المبنى والمعنى اكتسبت الكلمة الفصحى قوتها الدلالية والتعبيرية لا بسبب طبيعة حروفها فحسب وإنما لأن إلقاءها يوحي في اللاشعور بكلمات ذات قيم متصلة بها فتنعكس أضواؤها الخفية على الكلمة المستعملة. لقد ارتكز الخطاب الإلهي على هذا العماد الصوتي والدلالي وهو متجل في كل لفظ من الألفاظ القرآنية... والتي معانيها تفوق بكثير مجرد المعنى السائد المعروف في خضم تلك العلاقة الصميمة اللامتناهية المتجددة بمرور الزمن الجامعة بين المضمون الصوتي والمضمون الدلالي تتجلى اللغة العربية في أعماق ألفاظها وكأنها مجرات خالدة في فضاء الكون تتفاعل معانيها فتخلق عالم الدلالات كما تحدث جاذبية الأجرام العلوية مجارات الكواكب والأفلاك. وينتهي ميشال باربو إلى القول (يجدر بنا القول بأن الاختيار الإلهي للغة العربية الفصحى لتنزيل الحق بها على المصطفى الأمين عليه الصلاة والسلام المنتمي إلى أفصح قبائل العرب من اجل تبليغ قوله العزيز لكافة البشر لآية من آيات حكمته ومشيئته سبحانه وتعالى وهو بكل شيء عليم). والعربية التي ينتصر لها ميشال باربو هي التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (يا أيها الناس إن الرب واحد وان الدين واحد وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي). ولا عجب أن يكون من انتصروا للعربية عبر التاريخ الإسلامي أسماء مثل الحلبي والسندي والشيرازي والزنجاني والجبرتي والأشموني والأفغاني والقلقشندي والصقلي والقيرواني والمراكشي والقرطبي والصنهاجي والفيروزبادي والبخاري فهي بذلك لغة كل من تكلمها.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.