الآية الجامعة لقواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات
يقول الله تعالى: “خـذ العفـو وأمـر بالعـرف واعـرض عـن الجـاهليـن”.صدق الله العظيم الآية 199 من سورة الأعراف هذه آية من آيات كتاب الله العزيز قليلة في كلماتها غنية في معانيها ومضامينها، وذلك وجه من وجوه إعجاز القرآن، إنها أوامر ربانية ثلاثة إلى عباد الله المؤمنين جمعت كل مكارم الأخلاق، وهي مكارم وفضائل بعث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لإتمامها وقال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة فقد كان على خلق رفيع أدبه ربه فأحسن تأديبه وشهد له بالخلق العظيم فقال جل من قائل: (وانك لعلى خلق عظيم) وأمر المسلمين بإتباعه والاهتداء بهديه القويم فقال جل من قائل: (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) ومكارم أخلاق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن نأتي عليها ونحيط بها وكل الذي أردته مجرد التوطئة في فاتحة بيان بعض المعاني الواردة في هذه الآية الكريمة (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين) الآية 199 من سورة الأعراف وذلك بالاعتماد على تفسير الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي حيث قال في المسالة الأولى (هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات فقوله (خذ العفو) دخل فيه صلة القاطعين والعفو عن المذنبين والرفق بالمؤمنين وغير ذلك من أخلاق المطيعين ودخل في قوله (وأمر بالعرف) صلة الأرحام وتقوى الله في الحلال والحرام وغض الأبصار والاستعداد لدار القرار وفي قوله (واعرض عن الجاهلين) الحض على التعلق بالعلم والإعراض عن أهل الظلم والتنزه عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة انظر الصفحة 344 من الجزء السابع من تفسير الجامع لأحكام القرآن. روى البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير في قوله (خذ العفو وأمر بالعرف) قال: ما انزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس. وروى سفيان بن عيينة عن الشعبي انه قال: إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا جبريل؟ فقال: لا ادري حتى اسأل العالم في رواية لا ادري حتى اسأل ربي فذهب فمكث ساعة ثم رجع فقال “إن الله تعالى يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك”. وقال جعفر الصادق: أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية وليس في القرآن آية اجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية وقال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وقال سهل بن عبد الله: كلم الله موسى بطور سيناء، قيل له: بأي شيء أوصاك؟ قال: بتسعة أشياء، الخشية في السر والعلانية، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى وامرني أن اصل من قطعني وأعطي من حرمني وأعفو عمن ظلمني وأن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة. قال القرطبي: وقد روي عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انه قال: امرني ربي بتسع: الإخلاص في السر والعلانية والعدل في الغضب والرضا والقصد في الغنى والفقر وان أعفو عمن ظلمني واصل من قطعني وأعطي من حرمني وان يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة. وقيل المراد بقوله (خذ العفو) أي الزكاة لأنها يسير من كثير وقيل (خذ العفو) أي لا تنقص عليه وسامحه.(وأمر بالعرف) أي بالمعروف والعرف كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس. وقال عطاء (وأمر بالعرف) يعني بلا اله إلا الله.(واعرض عن الجاهلين) قال القرطبي: إذا أقمت عليهم الحجة وأمرتهم بالمعروف فجهلوا عليك فاعرض عنهم صيانة له عليهم ورفعا لقدره وهذا وان كان خطابا لنبيه عليه السلام فهو تأديب لجميع خلقه. ونظير هذه الآية (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين) في كتاب الله العزيز وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير وعديد، وفيه تفصيل لهذه المعاني من ذلك قوله جل من قائل: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه). فخلق المسلم ينبني على السماحة والفضل والعفو والإحسان والمسلم في ترقيه في هذا الطريق القويم له غاية يريد الوصول إليها ألا وهي أن يتبوأ القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حيث قال عليه الصلاة والسلام (هل أدلكم على أقربكم مني مجالس يوم القيامة: قالوا: بلى قال: أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أعناقا الذين يألفون ويؤلفون) والخلق الكريم الذي هو الاستقامة هو العلامة الحقيقية للتدين الحقيقي (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى وجوهكم لكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم من استوصاه فقال له: (قل آمنت بالله ثم استقم).
