أين المسلمون من شهود منافع الحج والاستفادة مما فيه من دروس؟

أين المسلمون من شهود منافع الحج والاستفادة مما فيه من دروس؟


يقول الله تبارك وتعالى بسم الله الرحمان الرحيم (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين) آل عمران194 صدق الله العظيم. الحج إلى بيت الله الحرام، الكعبة المشرفة، قبلة المسلمين، البيت العتيق، أول بيت وضع للناس: احد أركان الإسلام الخمسة، اوجب الله أداءه مرة في العمر على المسلم القادر بدنيا وماليا. يؤديه كل عام عدد كبير من المسلمين من مختلف الأقطار والبلدان مستجيبين لنداء إبراهيم الخليل عليه السلام الذي أمره رب العالمين بالآذان في الناس بالحج (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) انه مظهر من مظاهر اتحاد الرسالات السماوية وتواصلها وترابطها وتكميلها لبعضها البعض. يظهر ذلك أجلى ظهور ويبرز في ما بين الديانتين: الإبراهيمية والمحمدية من تمازج وتوحد بين إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام لهما في دين الإسلام مكانة خاصة حيث ارتبطا بأصول الإسلام وأركانه وسننه يبدو ذلك في عقيدة التوحيد ومنهج إبراهيم الخليل عليه السلام الذي عرضه لنا القرآن الكريم بدقة وتفضيل في الاهتداء إلى فاطر السماوات والأراض ونبذ عبادة الأصنام والكواكب والأفلاك. ويظهر أيضا في إقامة أركان البيت العتيق قبلة المسلمين في صلواتهم أينما كانوا. ويظهر في سنة عيد الأضحى حيث صور لنا القرآن الكريم الامتحان الشديد الذي تعرض له إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل والابتلاء الذي أصيبا به فصبرا وصابرا واسلما وجهيهما لله رب العالمين إذ ابلغ إبراهيم لابنه ما رآه في المنام (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) وتسليم وطواعية وبر إسماعيل (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) ولما علم الله إصرار الأب وعزيمة الابن فدى إسماعيل بكبش أصبح ذبحه في يوم العيد سنة يحييها المسلمون كل عام. وعندما انتهى إبراهيم من إقامة أركان البيت في الوادي غير ذي الزرع توجه إلى ربه بالدعاء الخاشع كي يجعل أفئدة من الناس تهوى إلى ذلك المكان وكي يجعل ذلك البلد آمنا إلى يوم القيامة وكي يرزق أهله من الثمرات استجاب الله تبارك وتعالى لكل دعوات إبراهيم الخليل وتامين ابنه إسماعيل عليهما السلام وكان ذلك كله على يدي خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم المبعوث رحمة للعالمين بآخر الأديان وأكملها وأتمها واشملها الدين الذي لن يرضى بسواه من عباده بعد إنزاله (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). والناظر بروية وتدبر يرى التواصل والتكامل والترابط بين الفرع والأصل أي بين إبراهيم وإسماعيل من ناحية ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون الذين يعتنقون الإسلام ويتبعون سيد الأنام محمدا صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بإبراهيم وأقربهم إليه وأكثرهم تطابقا مع ما جاء به إبراهيم لقد كان إبراهيم حنيفا مسلما بمعنى إسلام الوجه لله رب العالمين. وهم عندما يتهيأون لأداء فريضة الحج ويدفعون من اجلها وفي سبيلها الغالي والنفيس إنما يستجيبون لنداء إبراهيم وأذانه الذي انطلق قبل آلاف السنين في ارض قفراء لا حياة فيها. فكان النداء من إبراهيم استجابة لأمر الله تعالى وكان البلاغ عبر الأزمان والأماكن القاصية على الله (إنما عليك يا إبراهيم بعد إقامة أركان البيت الآذان وعلينا البلاغ) أي على الله سبحانه وتعالى. ما كان إبراهيم عليه السلام وهو يؤذن بالحج في الخلاء وفي تلك الأرض الواسعة الأرجاء يتصور أن صوته سيسمع وان نداءه سيلبى ويستجاب له ولكن الله تبارك وتعالى الذي لا يعجزه شيء والذي أمره إذا أراد إنما يقول له كن فيكون جعل صوت إبراهيم يخترق الزمان والمكان فتقول الأرواح المسلمة وهي لم تدخل بعد أجسامها لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك. وتمر الأعوام بالعشرات بل تمر القرون تلو القرون ويتخيل ضعاف العقول أن ذلك النداء الإبراهيمي قد ذهب أدراج الرياح. ذلك ظن قصار النظر ومن خلقوا على عجل ولكن الله تبارك الذي يرتب الأمور فلا تسبق آجالها تشاء إرادته ومشيئته بعد إن يرسل الرسل وينزل الكتب الواحد بعد الآخر في بني إسرائيل أن لا يشرفهم بهذا الفضل وتلك المكرمة العظمى لأنه جربهم حين واختارهم وفضلهم على العالمين فلم يجدهم أهلا لذلك ولم يلمس منهم إلا غدرا ومكرا وكيدا وتكذيبا وكفرانا لقد آتاهم الله من كل ما سألوه وأيدهم بالرسل والآيات فلم يزدهم ذلك إلا غرورا. هنالك بعد أن أقام عليهم الحجة أبدلهم بقوم آخرين يحبهم ويحبونه شرفهم بأعظم رسالة واختارهم لتلقي خير الأديان فجاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من العرب الأميين ولكنه مبعوث للناس أجمعين. وجاء دينه الإسلام جامعا لكل خير داعيا لكل فضيلة أخذا من كل رسالة مستلهما من كل نبي أجمل وأفضل ما دعا الناس إليه، إن الاستجابة لنداء إبراهيم وآذانه في الناس بالحج وان التوجه في الصلاة إلى أول بيت وضع للناس بمكة وان الأمن والاطمئنان والخيرات التي تجبى إلى ذلك البلد القفر تحقق كل ذلك برسالة الإسلام على يدي خاتم الأنبياء والمرسلين وإذا بالحج يصبح ركنا من أركان الإسلام الخمسة حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان) ويقول عليه الصلاة والسلام (يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا). ولكن الحج الذي جعله الإسلام احد أركانه طهره من كل ما كان عليه في الجاهلية من رفث وجدال وفسوق وعصيان حيث كان العرب ينصبون حول الكعبة التماثيل والأصنام ويقدمون لها القرابين من الحيوان وحتى من بني الإنسان ويريقون عندها الدماء ويطوفون حولها عراة يطبلون ويزمرون ويهرقون الخمور ويأتون كل صنوف الفجور وما كان صنيعهم ذلك إلا ليزيدهم ضلالا وعمى لان الله طيب ولا يقبل إلا طيبا ولان الخبيث لا يأتي بخير لصاحبه. لقد جعل الله في الحج أركانا وسننا وجعل فيه أصولا وفروعا تصب كلها في واد واحد وتسعى جميعها إلى غاية واحدة ألا وهي تحقيق التقوى والاستقامة والإحراز على مرضاة الله تبارك وتعالى. وتلك سمة يلاحظها الإنسان في كل ما أمر به الإسلام ونهى عنه إنها كلها تسعى إلى تحقيق سعادة الإنسان العاجلة والآجلة الجسدية والروحية الفردية والاجتماعية لن ينال الله منها نفع إذا أتاها الإنسان كما انه لن يناله ضرر ولا نقص إذا ما تقاعس عن أدائها هذا الإنسان. لقد جعل الإسلام في الحج كما جعل في غيره من الأركان والأوامر حكما وفوائد ومصالح على المسلمين أن يسعوا جاهدين لكي تتحقق لهم بالحج ومن الحج. وإذا لم يؤت الحج الثمرة المرجوة منه في حياة المسلمين فما ذلك لان الحج قد حاد به المسلمون عما أراده له الله تبارك وتعالى. أين المنافع المادية والروحية؟ أين هي المنافع الفردية والاجتماعية؟ أين هي المنافع الدينية والدنيوية التي يشهدها المسلمون اليوم من حجهم الذي يتكرر كل عام ويشهده من كل البلدان مئات الآلاف بل الملايين من المسلمين على مختلف لغاتهم وأوطانهم وأجناسهم؟. إن غير المسلمين مهما كان تقدمهم وتحضرهم لم يتهيأ لهم في تاريخهم الطويل مثل هذه الفرصة السنوية التي يجتمع فيها المسلمون من كل فج عميق على صعيد التقوى والطاعة تمتزج أرواحهم وتلتف صفوفهم وتتوحد مظاهرهم دون أن تحدث بينهم مشاحنات أو مصادمات أو اختلافات. إن هذا الاجتماع العالمي الطاهر النقي وذلك التوحد والمساواة وتلك الشفافية والتقارب والتعارف بين المسلمين وتلك الطقوس الموحية بوجوب تذكر الرحيل عن هذه الحياة الدنيا والخروج منها مهما جمع الإنسان من حطام الدنيا بكفن لا يختلف عن ثياب الإحرام وتلك الوقفة الجماعية مهما كانت المرتبة الاجتماعية للحاج ومهما كان مركزه ومهما كانت حالته المادية إلا توجي بحتمية الوقوف بين يدي الله يوم القيامة للجزاء والحساب؟ إن مغازي الحج وعبره ودروسه وفوائده أكثر من أن تحصى وتحصر ولكنها كلها متوقفة على الالتزام بالهدي النبوي والطريق الشرعي فالنتائج لا تختلف عن الوسائل والأسباب والمقدمات. على قاصد الحج أن يبادر إلى التوبة النصوح فالله تبارك وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين (إنما يتقبل الله من المتقين) وعلى الحاج أن يرد المظالم إلى أهلها لان الله حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده حراما وعليه أن يبادر إلى كتابة وصيته لان الآجال بيد الله وعليه أن يحث أهله وإخوانه على التمسك بآداب الدين، والمال الذي يحج به المسلم ينبغي أن يكون طيبا فقد اخرج الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا خرج الحاج بنفقة طيبة وضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج بالنفقة الخبيثة ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور) وفي الحديث الآخر (من حج بيت الله من كسب الحلال لم يخط خطوة إلا كتب الله تعالى له بها سبعين حسنة وحط عنه سبعين خطيئة ورفع له سبعين درجة). والحج الذي تتحقق به للمسلم الآمال والغايات هو الحج المبرور يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). ويقول (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قيل وما بره قال: إطعام الطعام وطيب الكلام) احمد. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا: قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا؟ قال حج مبرور) البخاري ومسلم. وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم من يتابعون بين الحج والعمرة بقوله (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما تنفي النار خبث الحديد) وقال (حالف الحج الغنى كما حالف الفقر الزنى). على المسلم أن يبادر بأداء ما فرض الله عليه وليحذر التسويف والمماطلة إذا كان قادرا فعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وان شاء نصرانيا). وعن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله عز وجل (إن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم) ابن حبان وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم والصلاة سهم والزكاة سهم والصيام سهر وحج البيت سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم والجهاد في سبيل الله سهم وقد خاب من لا سهم له) رواه البزار.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.