أي موقع للمسلمين في القرن الحادي والعشرين؟

أي موقع للمسلمين في القرن الحادي والعشرين؟


إن التحديات في القرن الحادي والعشرين عديدة والمخاطر كثيرة ومجال التصرف فيما لا يزال موجودا منذ بدء الخليقة من طاقات وإمكانات مادية وطبيعية يزداد دقة فلقد تضاعف عدد سكان المعمورة مرات ومرات حتى أصبح يعد اليوم بالبلايين عوضا عن الملايين وذلك رغم اخذ عديد البلدان ببرنامج التحكم في الولادات. والموارد الطبيعية نسق استخراجها من باطن الأرض واستهلاكها في ارتفاع الأمر الذي يتهدد مستقبل البشرية بنضوب اغلب الطاقات غير المتجددة والإفراط في الإنتاج والتحويل والاستهلاك إلى حد الإسراف والتبذير وعدم ترشيد كثير من التصرفات كل ذلك كان له المردود السلبي على البيئة والطبيعة بمختلف مكوناتها: ماء وهواء وتربة وبحرا وشجرا ونباتا وحيوانا حيث صدق قول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (ظهر الفساد في البر والبحر الذي هو بفعل فاعل على كل شيء مما يتهدد مصير البشرية في القرن بالمزيد من الصعوبات والآفات والتحديات التي يمكن لا قدر الله أن تصل إلى ندرة أو فقدان ما به تستمر الحياة في هذا الكون اعني الماء والقوت وغيرهما من مستلزمات الحياة وموجبات بقائها. دين الإسلام الحنيف الذي هو دين الحياتين: الدنيا والآخرة، ودين الجسد والروح والعقل والعاطفة والفرد والمجتمع، دين الوحدة في إطار من التنوع المنسجم، لن يكون دين هذه خصائصه إلا عامل دفع إلى التوق للأفضل والأحسن عملا بقول الله سبحانه وتعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) دين السعي والكدح الذي يتميز بالجدية والمثابرة التي ترعاها عين العناية الإلهية ويباركها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). إن عزيمة المؤمن لا تفل وآماله لا يتطرق إليها اليأس فعندما تتعلق همة المرء بما وراء العرش فانه لابد أن ينال بغيته ويحقق مأموله، ولا يمكن أن يجتمع إيمان مع يأس وقنوط (انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) فالمسلم يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا، والمؤمن مدعو إلى غرس الفسيلة التي بين يديه ولو كان يرى الساعة تقوم. والمسلم لا يمكن أن يكون مروره بهذا الكون مرور الجاهلين الذين يمشون في الأرض مرحا ويعيثون فيها فسادا ويعتدون ويظلمون ويحطمون ويخربون ما وجدوه مشيدا مبنيا. على عكس ذلك إنهم يحرصون على الإضافة في الخير طمعا في الأجر والثواب، يزرعون ليأكل غيرهم كما زرع من قبلهم فأكلوا. إن المسلم يسعى إلى الاستزادة من الصدقة الجارية والخير الموصول الذي يلحقه الأجر والثواب حتى بعد الرحيل عن هذا العالم الفاني. فقد ورد في الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم بثه في الصدور وولد صالح يدعو له) وكل ذلك توجه مستقبلي في سلوك المسلم يتجاوز المستقبل القريب المنظور إلى المستقبل البعيد الآتي لا محالة. وحقوق الأجيال القادمة محفوظة في دين الإسلام مثلما أنّ ما قدمه وأنجزه الأسلاف هو محل اعتراف وتقدير يستحقون به حسن الذكر والثناء وخالص الدعاء. فحاضر الخلف هو الحلقة الوسطى الرابطة بين الماضي المجيد التليد والمستقبل الذي يأمل المسلم ويعمل على أن يكون واعدا وبساما. فالأنانية وحب الذات لا يمكن أن يتطرقا إلى قلب المسلم وسلوكه، إن المسلم محب للخير وفاعل له ينشره أنى توجه للقريب والبعيد وللمسلم وغير المسلم يقول عليه الصلاة والسلام (لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) و(من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم). إن المسلم لا يدعو بعدم نزول القطر من بعده إن هو مات ظمآنا. بل إن لسان حال المسلم يدعو بالغيث النافع الذي يعم السهل والوعر وكل ارض مهما كانت بعيدة قاصية حتى وان كان لا يصل للمسلم خيرها. ومثلما ورث المسلم على من سبقه خيرات وطاقات وإمكانات فانه مدعو إلى أن يجعل من يأتون بعده يكونون في وضع لا يقل عن وضعه إن لم يكن أحسن منه. وهؤلاء الذين سيأتون من بعدنا هم أبناؤنا وأحفادنا الذين ينبغي أن نعمل من اجلهم ونترك لهم من بعدنا من العمل الصالح ما يجعلهم يترحمون علينا لا أن يتمثلوا بقول من قال (هذا ما جناه أبي علي). وفي إطار هذه الرؤية المستقبلية يأتي الأثر الموجه للآباء والأمهات كي يعلموا أبناءهم السباحة والرماية وركوب الخيل فإنهم خلقوا لزمان غير زمان الآباء والأمهات، انه زمان مليء بالصعوبات والتحديات لا بقاء فيه إلا للقوي بالمعنى الشامل والواسع للقوة، إن الزمن القادم في هذا القرن الجديد الذي هو زمن الانفجار السكاني ونضوب عديد الطاقات غير المتجددة وزوال الحدود وكل مظاهر الحماية فان موقع المسلمين في هذا القرن ينبغي أن يكون موقع العزة والقوة واليد العليا والتمكين والصدارة وهو ما يفرض على المسلمين أن يعدوا له العدة أي لا موقع العالة والغثاء والضعف والمهانة التي لا تتلاءم ولا تجتمع مع العزة والخيرية الأفضلية والشهادة على الغير التي خص بها الله سبحانه وتعالى امة محمد صلى الله عليه وسلم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.