أوضاع المساجين المسلمين في فرنسا وقضية المقابر الإسلامية محل اهتمام وموضوع تحقيقات

أوضاع المساجين المسلمين في فرنسا وقضية المقابر الإسلامية محل اهتمام وموضوع تحقيقات


لا يكاد يمر أسبوع دون أن يصدر عدد خاص من مجلة أو دورية ودون أن يكتب تحقيق في جريدة واسعة الانتشار حول شأن من شؤون الإسلام والمسلمين في فرنسا خصوصا وفي أوروبا عموما، لا يوجد موضوع لا يتحدث فيه، فكل المظاهر والظواهر التي تلفت الانتباه ويمكن أن يكون لها أي انعكاس على حياة المجتمع يجد فيها البعض مادة تجمع بين التحقيق الميداني والبحث الاجتماعي والثقافي، ذلك ما يلاحظه من يمر أمام واجهات المكتبات ويقف عند باعة الجرائد والمجلات في الشوارع وفي المساحات الكبرى وفي المطارات ومحطات القطار، وليس هذا الاهتمام وليد الصدفة ولا هو ينطلق من فراغ. ومن أطرف ما وقع التطرق إليه واعدت حوله تحقيقات وقدمت فيه إحصائيات واقترحت فيه حلول لبعض المشكلات موضوعان يبدوان لأول وهلة لا أهمية لهما ولكن عند الغوص في أعماق ما كتب حولهما يخرج القارئ باستنتاج أولى ألا وهو التفطن المبكر والاستشرافي لما يمكن أن يعتبر غير عادي والانتباه إليه والانكباب على إيجاد الحلول له وذلك بالنسبة للأوروبيين (والفرنسيون نموذج معبر لذلك) وفي مقابل هذا والأمر في كثير من الأحيان يتعلق بنا ويهمنا معاشر المسلمين-نلاحظ أننا قد لا نلتفت لهذه الأمور حتى بعد تسليط الأضواء عليها ولفت الانتباه إليها، موضوعان هامان قرأت حولهما تحقيقين احدهما: حول إسلام السجون في فرنسا. هكذاEnquête : France : l’islam des prisons نشرته دورية: لومند الأديان Le monde des religions عدد 17 لسنة 2006 والثاني: تحقيق حول الموت بعيدا عن البلاد نشرته جريدة لومند يوم 8 سبتمبر 2006 Mourir loin du bled le monde والتحقيقان جديران بالإطلاع عليهما والاهتمام بهما فهما يسلطان الأضواء ويكشفان عن المجهول الذي هو في كثير من الأحيان مرير وهو يمس المسلمين ويتعلق بهم قبل سواهم. والاهتمام بهذين الموضوعين كان ينبغي أن يكون من أولويات العمل الإحاطي بالمسلمين الذي تتولاه الهيآت والمجالس القائمة على شؤون الإسلام سواء هناك في أوروبا وفي فرنسا بالخصوص وكذلك الهيآت والمنظمات الإسلامية العالمية التي تتوجه بأنشطتها وتدخلاتها إلى الجاليات المسلمة. * فأوضاع المسلمين في السجون الأوروبية والفرنسية، وظروف إقامة المرضى المسلمين في المستشفيات الأوروبية ومصير المئات والآلاف ممن تدركهم المنية ويتوفاهم الله وهم يعيشون بعيدا عن ديار الإسلام إلى جانب قضايا أخرى ملحة والتي تتولى الجرائد والمجلات والدوريات الأوروبية والفرنسية كتابة التحقيقات والدراسات عنها ينبغي أن توقظ لدينا معاشر المسلمين هيآت ومؤسسات الشعور بالمسؤولية حتى نعد العدة لتلافي ما يمكن تلافيه والقيام بما ينبغي القيام به من مبادرات. * إسلام السجون في فرنسا: ففي الموضوع الأول: إسلام السجون في فرنسا، لفت التحقيق الأنظار إلى أن الإسلام الذي هو الدين الثاني في فرنسا من ناحية عدد المؤمنين به يأتي في المرتبة الأولى في عدد نزلاء السجون، بعبارة أوضح المسلمون هم الأكثر عددا في سجون فرنسا، المسلمون من المهاجرين ومن أبناء الجيل الثاني والثالث بالخصوص هم الأكثر عددا بين نزلاء سجون فرنسا، المهاجرون من سكان ضواحي المدن الفرنسية وهم في ريعان الشباب هم من يملؤون السجون الفرنسية (لا يمثل المسلمون في فرنسا إلا 7 أو 8% من سكان فرنسا ولكنهم يمثلون بين 50 و80% من الأشخاص الموقوفين ومن 18 إلى 29 سنة ممن هم في السجن فإن عدد من آباؤهم مغاربيون يفوقون تسع مرات عدد من ينحدرون من آباء فرنسيين واغلب هؤلاء السجناء هم من الذكور ويمثل من أعمارهم بين 15 و35 سنة أغلبية بين المساجين). وبين آلاف المساجين القابعين في سجون منطقة العاصمة الفرنسية ile de France والبالغ عددها 25 سجنا لا نجد إلا ثلاثة وعاظ في مقابل ثلاثين رجل دين كاثوليكي)، ومع هذا الفارق الكبير في العدد فإن حركة ملفتة للانتباه بدت للمحققين والمتابعين من مختلف الدوائر الرسمية وغير الرسمية وتتمثل في تنامي عودة إلى الدين وتمسك بآداء شعائره وحرص على استئناف نمط الحياة بطريقة جديدة تختلف عن تلك التي سبقت دخول السجن وذلك في صفوف السجناء المسلمين الذين يكون دخولهم للسجن في كثير من الأحيان وفي الغالب بسبب مخالفات ارتكبوها تتعلق بالسلوك العام وإلحاق الأضرار بالأشخاص أو بالممتلكات العامة وفي داخل السجن وفي الوضع الذي يجدون فيه أنفسهم وبفضل جهود متواضعة إما لبعض زملائهم المساجين أو بسبب المجهود المتواضع الذي يبذله بعض الوعاظ المتطوعين في الغالب وغير المتكونين خصيصا لهذه المهمة النبيلة التي هي إعادة الأمل لمن كادوا أن يفقدوا الأمل فإن الكثير من المساجين يتوبون ويعبرون عن ندمهم وتنقلب حياتهم رأسا على عقب. فبعد أن دخلوا السجن بسبب عمليات سطو وتحيل وعدوان وإجرام يصبحون مستقيمين مجتهدين في العبادة إلى حد الإغراق في بعض الأحيان والذي يخشى منه عليهم ولربما يكون ما ينجر عنه من أفهام غير موافقة للصواب يمكن أن تتكرس يوما بعد يوم فتنقلب إلى تعصب وتطرف وحتى إرهاب ولعل هذه المخاطر هي التي دفعت إلى الاهتمام بهذه الظاهرة وإعداد التحقيقات حولها وطلب المساعدة عليها من الجهات التي يفترض أنها اهتمت بها واعدت لها الحلول والتي في طليعتها الإعداد الجيد للوعاظ القادرين على مخاطبة وتوجيه وإرشاد ونصح هذا الصنف من الناس الذين زلت بهم القدم ويكونون في الغالب أقرب إلى التوبة والندامة والاستعداد لاستئناف الحياة بعد الخروج من السجن على أسس سليمة وصحيحة وذلك إذا وجدوا من يحيط بهم، وليس أمر تكوين هذا الصنف من الوعاظ والمرشدين هناك في أوروبا باليسير إن ذلك يحتاج إلى إعداد جيد واستعداد مادي وبشري وقد لا يكون ذلك في المتناول أو في المستطاع وقد تشغل عنه أولويات يومية أخرى وقد تعطل عن القيام بهذه المهنة على أحسن الوجوه انقسامات واختلافات بين الأطراف المتدخلة في مجالات الإحاطة الدينية بالجالية. ومما لفت انتباه المحققين أن أكثر هذه العودة إلى الجادة وممارسة الشعائر قد أثرت في بقية النزلاء الآخرين من غير المسلمين فدفعت البعض منهم إلى اعتناق الإسلام وعدد هؤلاء لا بأس به فسبحان الله الذي يهدي لنوره من يشاء ورب ضارة نافعة. على كل التحقيق منشور ومتداول وما هو إلا عينة ولاشك أن المادة التي اعد منها هذا التحقيق ثرية وجديرة بالاستفادة منها وجعلها منطلقا لمعالجة هذا الملف من قبل كل الأطراف ذات الصلة الوثيقة والتي منها ولا شك بلدان أصول نزلاء السجون الفرنسية. مشكلة المقابر الإسلامية: * أما الموضوع الثاني والذي استأثر بصفحة كاملة من جريدة لومند اليومية (واسعة الانتشار) فيتعلق بمصير الموتى المسلمين ممن يقيمون في فرنسا، فليس في فرنسا مقابر خاصة بالمسلمين، وأعداد المسلمين تفوق الستة ملايين وهم من أجيال متعاقبة فيهم من ولد بفرنسا بل ولد أبوه في فرنسا، ودفنه خارج التراب الفرنسي أمر مستبعد فضلا عن انه صعب ومكلف (ثلاثة آلاف أورو) لذلك فإن بعض الهيآت والشركات تأسست في فرنسا من اجل تسهيل عملية الدفن في فرنسا فيما يسمى بالمربعات الإسلامية في المقابر الفرنسية ولو أن القانون الفرنسي لا يمنع الاختلاط في المقابر بل انه هو المعمول به. فقد تجد قبر المسلم إلى جانب قبر اليهودي وقبر المسيحي. وقد اعتبرت المربعات الإسلامية في المقابر العامة حلا لإشكال الموت بعيدا عن البلاد بالنسبة للمهاجرين وحلا أيضا لأولئك الذين هم مسلمون ومن أصول فرنسية وقد أفتت الهيآت العلمية والفقهية بجواز دفن المسلمين في المقابر العامة شريطة توجيههم صوب الكعبة عند وضعهم في قبورهم وليست كل المدن الفرنسية تتوفر فيها هذه المربعات الإسلامية في المقابر العامة مما يدفع بالبعض إلى الانتقال بمرضاهم عند تعكر صحتهم واقتراب وفاتهم إلى مستشفيات باريس وغيرها من المدن التي تتوفر فيها مربعات إسلامية لضمان حقهم في الدفن فيها أي بين مسلمين. والمسلمون الذين يفضلون أن تقع العودة بهم إلى مسقط ألراس عند وفاتهم وتسمح لهم إمكاناتهم المادية بذلك لن يمثلوا في المستقبل إلا الأقل، إذن فمصير من يموتون من المسلمين بفرنسا هو أن يدفنوا في هذه المربعات إن وجدت، ولا بد من مواجهة هذا المشكل وبحثه من مختلف جوانبه الشرعية والنفسية العاطفية والمادية والقانونية لإيجاد الحل له. ومما يجدر التنويه به في هذا المجال بالنسبة للجالية التونسية أن القنصليات التونسية تتكفل بتجهيز وإركاب كل من تدركهم المنية في فرنسا وتعود بهم مكرمين مصانين إلى ارض الوطن حيث الأهل وحيث ولدوا وهي رعاية يغبط عليها التونسيون من قبل أشقائهم المقيمين في الخارج.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.