أجواء رمضانية وأنشطة دينية تشهدها المنطقة الباريسية

أجواء رمضانية وأنشطة دينية تشهدها المنطقة الباريسية


تهيأ لي في إطار سنة حميدة التزمت بها منذ سنوات عديدة أن أقضي العشر الأواخر من شهر رمضان إلى ما قبل العيد بيوم في فرنسا، في باريس وضواحيها أتنقل من مسجد إلى مسجد ومن مصلى الى آخر أدرس وأسامر وأحاضر وأخطب الجمعة استجابة لرغبات وطلبات ملحة من الاخوة القائمين على هذه الفضاءات التي ازداد عددها في السنوات الاخيرة في اطار تسهيلات قدمتها السلطات المحلية الفرنسية (مجالس جهات وبلديات) بحيث أعطت رخص تشييد لمساجد متكاملة المرافق: (قاعات الصلاة التي تتسع لمئات وآلاف المصلين من الذكور والإناث وقاعات التدريس وفضاءات المناسبات فضلا عن مواقف للسيارات ودورات المياه) فقد غدا المشهد الديني اليوم في كل المدن والأحياء الفرنسية تبدو فيه جليا التعددية الدينية بمختلف مظاهرها وتجلياتها العمرانية والشعائرية والاجتماعية والثقافية وحتى التجارية المعيشية بحيث يخال من يرتادها انه في إحدى البلدان العربية والاسلامية، هناك في كورون وبلفيل وبارباس في باريس وفي مرسيليا وبقية المدن الفرنسية وكذلك الحال في المملكة البلجيكية. ورغم ان رمضان في فرنسا وما جاورها من البلدان الأروبية تمتد فيه ساعات النهار إلى ما يقارب الثمانية عشرة ساعة بحيث لا يحين وقت الإفطار إلا حوالي الساعة العاشرة مساء ويحين وقت أداء صلاة العشاء في الساعة الحادية عشر والنصف ليلا لتبدأ على إثر ذلك صلاة القيام التي تمتد إلى ما يزيد على الساعة ومع ذلك فان المساجد والمصليات تكاد لا تتسع لمرتاديها من مختلف الجنسيات والفئات العمرية والاجتماعية يؤمهم في هذه الصلوات الخاشعة المليئة بالسكينة والطمأنينة حفاظ حذاق اغلبهم من الأجيال الشابة الذين حفظ الكثير منهم القرآن الكريم في مدارس آخر الاسبوع (السبت والأحد) ويأتي البعض الآخر من البلدان المغاربية (ليبيا والجزائر وتونس والمغرب والبلدان الافريقية...) ويجمع رواد هذه المساجد والمصليات بين أداء الصلوات وحضور الدروس والمحاضرات التي تلقى عقب الصلوات وقبلها ويظلون مرابطين لوقت طويل حريصين على الاستفادة مما يلقى على مسامعهم من مواعظ وتوجيهات دينية يتولاها أئمتهم أو القادمون من خارج فرنسا من البلدان المغاربية التي تتعهد جالياتها ببعثات رمضانية تتفاوت في أعدادها بتفاوت تعداد هذه الجاليات. هكذا ومنذ سنوات (ما يزيد على العقدين تقريبا) كان لي شرف المساهمة في التوعية والإرشاد والتوجيه الديني لئن تركز على المنطقة الباريسية الا انه امتد وبصفة تدريجية إلى مدن عديدة أخرى مثل: ليون ومرسيليا ونيس وكلرمون فرون ونونت و تولوز و روون وغيرها،وقد ربطتني والحمد لله علاقة وطيدة أساسها التعاون والتكامل مع القائمين على المساجد والمصليات والمشرفين على الجمعيات والاذاعات الخاصة التي تبث برامجها على مدار الساعة لجمهور عريض في أغلب المناطق والمدن الفرنسية. لقد كان الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك مليئا بالدروس التي ألقيتها في مسجد بلال الجديد بسان دني ومسجد عمر بكورون والمسجد الكبير بالمنطقة الخامسة ومسجد علي بفوبور سان دني ومسجد كراي الجديد وتوج هذا النشاط الديني بإلقاء خطبة الجمعة بالجامع الجديد بسان دني في حضور كبير اذ يعد هذا الجامع الذي وضع حجر أساسه قبل سنوات من أكبر المساجد في فرنسا وها هو اليوم على أبواب التمام انتقل إليه المصلون بعد ان كانوا يؤدون صلواتهم في مسجد كان قبل ذلك كنيسة تنازل عنها أصحابها لفائدة المسلمين في منطقة سان دني إلى ان تهيأ لهم إن يشيدوا مسجدهم الجامع الكبير والذي ألقيت فيه في رمضان لهذا العام درسا قبل صلاة العشاء والتراويح وخطبة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وأذكر انني في أعوام مضت صليت بهم الجمعة في الجامع القديم (وهو محدود المساحة) وقد قدم القائمون على المسجد إلى السلطات المحلية طلبا بتخصيص القاعة المغطاة لأداء صلاة العيد فلبت طلبهم وطلبوا مني أن أؤمهم في صلاة العيد فما كان مني الا تلبية هذا الطلب الأمر الذي استغرب له الاخوة المسؤولون في السفارة والقنصلية قائلين لي ومن سيكون مع الأبناء يوم العيد؟ فأجبتهم: هم في بيتهم مع والدتهم وجدتيهم وأعمامهم وأكون معهم في اليوم الموالي بإذن الله، أيكون عمدة سان دني أسرع في الاستجابة لرغبة الجالية مني؟ ! هكذا هي أجواء باريس وما حولها في الأحياء والمدن الفرنسية في رمضان: أنشطة دينية متنوعة، دروس ومسامرات وقيام بالقرآن يرتله الحفاظ ترتيلا وجموع غفيرة تجتمع على موائد الإفطار يرتادها المقيمون من طلبة وعمال وعابري سبيل من المسافرين والسواح ويرتادها حتى الفرنسيون بأعداد كبيرة خصوصا المسنون وفاقدو السند فيجدون فيها الألفة والتكريم في سخاء وكرم يتنافس فيه الجميع رغبة في تحصيل الأجر والثواب تجسيما لأحد مستلزمات هذا الشهر المبارك الذي هو شهر المواساة والذي بشر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر صائما على حبة تمر أو جرعة ماء أو مذقة لبن بأجر ذلك الصائم دون أن ينقص من أجره شيئا. وتكون العودة إلى تونس لأختم مع افراد الأسرة صلاة التراويح في حديقة منزل شيخ الوالد رحمه الله العامر دائما بأختام القرآن وضيوف الرحمان الذين يشرفون هذا البيت منذ تأسيسه وكان هذا العام معنا فيه ثلة من اخواننا الطيبين الطلبة الأندونسيين الذين يدرسون بالكليات والجامعات التونسية والذين أسعدونا بخدمتهم والقيام بضيافتهم وأشعرناهم (كل أفراد الأسرة) بأنهم بين أحضان أسرهم التي أرسلتهم إلى تونس بلاد الزيتونة أسد بن الفرات وسحنون و ابن أبي زيد القيرواني وابن عرفة لتحصيل علوم الشريعة واللغة العربية وليعودوا من تونس متفقهين في الدين (ومن يرد به الله خيرا يفقهه في الدين) وكان توديع شهر رمضان في المقام الشاذلي في مجلس تدبر لحزب الحمد في قراءة جماعية تلاها الختم الدوري للقرآن الكريم في المغارة الشاذلية ما بين صلاتي المغرب والعشاء فالحمد لله على توفيقه وتسديده والشكر له على ألطافه الظاهرة والخفية التي خص الله بها أهل البلاد التونسية.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.