في رياض السنة: البر حسن الخلق و الإثم ما حاك في النفس

في رياض السنة: البر حسن الخلق و الإثم ما حاك في النفس


عن النواس بن سمعان أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع الناس عليه” (رواه الترمذي) هذا الحديث الشريف من جوامع كلم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو من لا ينطق عن الهوى ومن علمه ربه ما لم يكن يعلم، وهو عليه الصلاة والسلام الأولى والأحرى بأن يرى بنور الله، وهو عليه الصلاة والسلام، أول المؤمنين وأول المسلمين. وفي هذا الحديث الشريف يجيب عليه الصلاة والسلام من جاءه يسأل عن البرّ، وكلمة البر جامعة لمعان عدة وهي من درجات الطاعة والعبادة التي يتوق إلى بلوغها الكمل من الرجال الذين لا يكتفون بالأدنى والأقل من الأعمال الصالحة ولا يغترون بالأحوال الظاهرة، والذين هم لأنفسهم الأمارة بالمرصاد يجاهدونها جهادا لا هوادة فيه عملا بالحديث الشريف: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) إنهم من عناهم الله بقوله جل من قائل: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) انه الجهاد الأكبر الذي من انتصر فيه هو الفائز حقا. هذا الحديث الشريف يعرف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم البرّ أدق تعريف واشمل تعريف تعاضده آيات قرآنية عديدة بينت للمسلمين أن البر اشمل وأوسع من مجرد التوجه صوب المشرق أو المغرب، البر في كتاب الله العزيز هو أعلى واشمل درجات العبودية لله رب العالمين، هذه العبودية التي ترتكز على عقيدة سليمة قويمة لا يشوبها شرك ظاهر ولا خفي، أي الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد المستحق بحق للعبودية والطاعة والامتثال والذي لا يعجزه شيء، وأمره بين الكاف والنون، وهو الذي لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والذي هو قريب سميع مجيب(وإذا سالك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) وقوام هذا البر الذي هو أعلى درجات الطاعة لله رب العالمين عبادة لله تتمثل في أداء ما فرض الله على عباده من صلاة وصيام وزكاة وحج مستوفية للشروط خالصة لله رب العالمين الذي لا يقبل من العمل إلا أصوبه وأخلصه ولكن البر لا يصل إليه العبد المؤمن إلا إذا أضاف إلى ذلك معاملة قوامها الإحسان ومراقبة الله في الصغيرة والكبيرة من التصرفات فهو سبحانه وتعالى لا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور). لأجل ذلك فان الإيمان والإسلام لا يكتملان إلا بالإحسان وهو أن يعبد العبد ربه كأنه يراه، والعبادة في الإسلام هي اعتقاد وأداء للفرائض ومعاملة تسودها مراقبة الله وخشيته وإنتظار الأجر والثواب منه سبحانه وتعالى. وهذه المعاملة هي النتيجة الطبيعية والثمرة لهذا المسلك الذي يتبعه المؤمن في كل ما يأتيه من تصرفات و ما ينتهي عنه مما نهى الله عنه والتي اصطلح عليها بالأخلاق وما أدراك ما الأخلاق هذا الباب العظيم الشأن من أبواب الطاعة والتي يستهين بها الكثير من الناس بينما هي لب الدين وجوهره الم يقل عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجال وفي كل المجالات القمة. الم يقل في حقه ربه (وانك لعلى خلق عظيم) ؟ وهذه الدرجة العالمية من الخلق الكريم التي كان عليها عليه الصلاة والسلام وشهد له بها القاصي والداني والقريب والبعيد قبل البعثة وبعد البعثة هي التي جعلته الأسوة والقدوة (ولكم في رسول الله أسوة حسنة)، فإتباعه صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه في القول والفعل وفي كل التصرفات بل وفي المشاعر الداخلية الباطنة تتحقق به للمؤمن محبة الله (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). فحسن الخلق هو علامة التدين الصادق والإيمان الراسخ الخالص وحسن الخلق هو أعلى درجات الطاعة والبر ولهذا أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأله عن البر بقوله: البر حسن الخلق في إيجاز بليغ ارشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علامة البر والسبيل إلى تحصيله إن ذلك لا يكون ولا يتحقق إلا بحسن الخلق، فأحسن الناس أخلاقا هم ابرهم وهم من بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم سيكونون الأقرب إليه مجالس يوم القيامة؟ قال هل أدلكم على أقربكم مني مجلسا يوم القيامة قالوا: بلى، قال أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون. وأضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب عما يقابل البر وهو الإثم الذي هو أدق وأخفى ولا يعلمه من العبد إلا ربه مجاله ومحله القلب قال عليه الصلاة والسلام (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع الناس عليه) فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكتفي من المسلم أن يكون صالحا حسنا في ما ظهر للناس منه بل ينبغي على المسلم أن يجعل باطنه لا يختلف عن ظاهره أي أن يكون قلبه سليما لا حقد فيه ولا كراهية فيه ولا حسد فيه بل ينبغي أن يكون في قلب المؤمن الحب والرحمة وكل الصفات النبيلة التي تعبر عن الصفاء والسلامة والتي عكسها الإثم وهو ما يحيك في النفس ولا يصارح به صاحبه الناس و لا يريدهم أن يطلعوا على ذلك منه فالإنسان و إن أظهر في قلبه الإثم بكل مظاهره فإنه لا يريد أن يعرف الناس منه ذلك و يحرص على الظهور في مظهر يخالف حقيقته و ما في نفسه، إنه إزدواج مقيت إذا بقي عليه صاحبه يصير به إلى النفاق و أن يكون من المنافقين الذين مصيرهم الدرك الأسفل من النار ذلك هو الإثم الذي ينبغي على المسلم أن يجتنبه و يحاربه و يطهّر نفسه منه ليصلح عمله فالإثم الذي في القلب سرعان ما ينعكس عمليا على صاحبه في شكل تصرف عدواني و العياد بالله.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.