الابتلاء للتمحيص وما على المؤمن إلا أن يفزع إلى ربه بالدعاء

الابتلاء للتمحيص وما على المؤمن إلا أن يفزع إلى ربه بالدعاء


الإسلام هو أشد العقائد نصرة لقضية العلم والعقل ولقد جاء لإطلاقهما من عقالهما وأتاح المجال لهما حتى تؤدي الرسالة المنوطة بعهدتهما كاملة غير منقوصة واذ ان نراه يحرك من معتنقيه السواكن مرددا في كل مناسبة استفهامات ملحة (أفلا تعقلون) (أفلا تذكرون) (لقوم يعلمون) (لقوم يعقلون) (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) وان الباحث النزيه ليعترف للإسلام بأنه دين العلم والعقل معا بيد إن للعلم والعقل مجالات فسيحة لا يمكن لهما أن يقصرا دونهما كما لا يمكن لهما أن يتجاوزاها لما استأثر المولى سبحانه وتعالى به من أشياء اقتضت إرادته أن يكون العلم بها من اختصاصات الواحد الصمد (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) فلم يصل العلم في محيطاته الواسعة ومجالاته الفسيحة إلى حل هاته المعميات واستخراج كنهها بل وقف أمامها مستسلما مذعنا لمشيئة الله مسلما لقضائه، وتنتاب الناس بين الفينة والأخرى أزمات خانقة تنشأ من أسباب سماوية خارجة عن طوق البشر من بين هذه الأزمات الكثيرة المتنوعة احتجاب الغيث ولا يسع الانسان المؤمن بالله أمامها إلا أن يلجأ إلى الله ويستغفره ويتوب إليه – وهو الذي يقول (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) ويقول على لسان نوح عليه السلام (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا) وإن حدوث هذه الأزمات والمصائب، لم يكن دائما من باب الغضب الإلهي والنقمة السماوية من تصرفات العباد وخروجهم عن الجادة المثلى بل قد يكون من باب الابتلاء والاختبار(ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم)وليس الابتلاء و الاختبار مقصورين على أنواع الشر والبلاء بل كما يكونان بالمصيبة يكونان أيضا بالنعمة (ثم تسألن يومئذ عن النعيم) وقد يكون الاختبار بالنعمة أعنف وأشد فهي التي كثيرا ما تخرج الناس عن أطوارهم وتنسيهم حالهم ومآلهم ( وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) وإن هذا وذاك هو من محض عمل الانسان وتصرفاته الشخصية (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) فالتجاوز الإلهي والعفو والمغفرة ما تزال دائما محيطة بالعباد متدخلة في آخر الأمر للإنقاذ والإبقاء على البقية الباقية من قوة الإنسان (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) وليست لله مع عباده أحقاد وأضغان فهو الغني ونحن الفقراء ولا ينفعه إنزال صارم العقاب بعباده كما لا تضره معصية العصاة منهم (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا وعليما)وبهذه الامتحانات المتتالية تختلف المراتب ولن تصفو مشارب الحياة لكائن من كان (ألم يحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) وبعد هذا الامتحان الدقيق ينجح أولئك الصامدون الثابتون فتفتح لهم أبواب النعيم على مصراعيه وتزهر حياتهم الدينية والدنياوية (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) هذه أيها القارئ العزيز بشائر من الله لعباده وسوانح يجتلب منها الخير وتجنى منها الرفاهية والسعادة وهي فرص متاحة في كل وقت وحين ومهما حلت بك نائبة وتوجهت إلى الله بقلب خاشع مؤمن وطلبت منه بصدق وإخلاص أن يحفك بألطافه وأن ينقذك مما ترديت فيه وجدته أقرب إليك من حبل الوريد وأرأف بك من امك الحنون وحباك بما تؤمل وحقق لك ما تريد . ولقد جاءت الأزمات المتنوعة إلى سلفنا الصالح من قحط أو مرض أو ما لا يقوى على تحمله البشر من شر ومصائب شاملة فتوجهوا إلى الله بصلوات وأدعية مقرونة بنية وإخلاص وإصلاح للضمائر وإرجاع للحقوق إلا وفرجت عنهم الأزمات وكشفت البلايا وما صلاة الاستسقاء أو قراءة صحيح الإمام البخاري أوتلاوة القرآن أو التوجه إلى الله بالأدعية إلا طرائق مأثورة حققت وتحقق المأمول متى ما صدرت من أوعية نظيفة ولعلنا في الموسم الزراعي في حاجة ماسة ومتأكدة إلى استدرار عطف الله ومنه عساه يرحم الضرع والزرع وينفس على القلوب ما هي فيه من ضيق وحرج وهو سبحانه وتعالى كفيل بالإجابة فقد قال وهو أصدق القائلين (ادعوني أستجيب لكم) ولقد دعاه المصطفى صل الله عليه وسلم فاستجاب له إذ قد روى الشافعي رضي الله عنه أنه إذا استسقى قال: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا غدقا مجلا عاما طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن العباد والبلاد والبهائم والخلق من اللا وا والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا اليك اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وانبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعرى واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا فأرسل علينا السماء مدرارا)



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.