مفاهيم إسلامية:مظاهر البعد الاجتماعي والجماعي في الإسلام

مفاهيم إسلامية:مظاهر البعد الاجتماعي والجماعي في الإسلام


يتميز الدين الإسلامي الحنيف بأنه دين يبدو فيه جليا واضحا الجانب الاجتماعي والجماعي، انه دين يمقت الأنانية وحب النفس بل إن المؤمن لا يكون مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. يظهر هذا البعد الاجتماعي والجماعي في أركان الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج، فحضور الآخر واضح بارز في هذه الأركان بل إن بعض هذه الأركان كالزكاة لا يمكن تجسيمها إلا من خلال وجود الآخر وانتفاع الآخر بما يصدر عنا. * البعد الأول: بر الوالدين أولى الناس بالوصل وبالرعاية والعناية والقيام بحقوقهم هم الآباء والأمهات وقد أعطاهم الله تبارك وتعالى مكانة متميزة حيث يقول جل من قال (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وقد اعتبرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم احد أبواب الجهاد فقد استأذنه احد الصحابة في الخروج للجهاد في سبيل الله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم هل والداه على قيد الحياة احدهما أو كلاهما؟ فقال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمك ففيهما فجاهد. كما اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أسباب الإحراز على مرضاة الله تبارك وتعالى ودخول الجنة والبعد عن النار بر بوالديه: أحياهما الله أحدهما أو كليهما فكان بارا بهما فمن لم يغتنم ذلك فبعدا له عن الجنة دعاء دعا به جبريل وامن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما إن بر الوالدين سبب من أسباب تفريج الكروب وتجاوز المضايق في هذه الحياة الدنيا وقد قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة الثلاثة الذين آووا إلى غار سدته عليهم حجارة عظيمة فكانت نجاتهم باستحضار عمل خالص لوجه الله تذكره كل واحد منهم: احد الثلاثة كان بارا بأبويه وكان لا يعود إلى أبنائه وزوجته كل يوم إلا بعد أن يسقيهما من اللبن الذي معه وذات ليلة وجد أبويه نائمين فلم يشأ أن يزعجهما وبقي عند رأسيهما إلى أن طلع الصباح وبهذا الصنيع توجه هذا الابن البار بوالديه إلى ربه بالدعاء كي يفرج عنهم ما هم فيه من كرب وبلاء ووقع الفرج، ويخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بين الدعوات التي ليس بينها وبين الله حجاب دعوة الوالد على ولده كما اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجنة تحت أقدام الأمهات وأجاب عليه الصلاة والسلام: من سأله عن من هو أولى بحسن صحابته فقال عليه الصلاة والسلام أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك. حتى لو كانت على غير دين الإسلام فقد سألت السيدة أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عليها أن تبر أمها المشركة؟ فقال لها عليه السلام: نعم. فالمصاحبة في الدنيا بالمعروف واجبة من الأبناء نحو الآباء والأمهات حتى لو كانوا على غير دين الإسلام. وطاعتهما واجبة ما لم يأمرا بما يغضب الله. وحسن معاشرتهما واجبة ويحرم أن يقال لهما حتى مجرد أف فما بالك بما هو أكثر من ذلك وفعل ذلك عقوق، والعاق لا ينظر الله إليه ولا يزكيه ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا. وقد نهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذالك الولد الذي جاء أبوه شاكيا به من عقوقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولد: اذهب أنت ومالك لأبيك. وتأكيدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يظل بر الأبناء لآبائهم متصلا حتى بعد وفاتهما فقد أجاب من سأله عن عمل يبر به والديه بعد وفاتهما فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم الذي لا يصل إلا بهما وإكرام صديقها وزيارة قبريهما. وقد وفق الله بعض الأبناء والبنات إلى العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان ذلك بحسن معاشرتهما في حياتهما والتشرف بخدمتهما والتفاني في ذلك (ومهما تفانى الأبناء في خدمة آبائهم فلن يصلوا إلى مكافأتهم فقد طاف احدهم بالكعبة وأمه على عنقه والتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائلا هل أدى حق أمه؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك لا يكافئ طلقة وهو في بطنها). وقد جنى الأبناء البررة بآبائهم وأمهاتهم ثمرة ذلك في هذه الحياة الدنيا فرأوا رأي العين كيف فتحت أمامهم أبواب الخير على مصراعيها ببركة برهم لوالديهم. كما رأى من عقوا والديهم وأساؤوا معاملتهم كيف أن الأبواب أغلقت أمامهم وكيف أن المصائب توالت عليهم وما ينتظر من بروا والديهم من ثواب في الدار الآخرة أعظم واكبر وكذلك ما ينتظر من أساؤوا معاملة والديهم في الدار الآخرة من عذاب اشد واكبر. * البعد الثاني: صلة الرحم ومن الأبعاد الأخرى التي اعتنى بها الإسلام وألح عليها هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلة الرحم قال تعالى (والوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) ولم يكتف الإسلام بالأمور المعنوية العاطفية بل جعل حقوقا لأولي الأرحام على بعضهم البعض فأوجب عليهم النفقة على بعضهم البعض وجعلهم يتوارثون وقدمهم على غيرهم في كل أبواب البر والصلة (فأولو القربى أولى بالمعروف) والصدقة على ذوي الأرحام (صدقة وصلة)، وصلة الرحم تطيل في العمر وتوسع في الرزق ومن أراد أن يطيل الله في عمره ويوسع عليه في رزقه فعليه بصلة رحمه. وما ذلك إلا لقربهم من بعضهم البعض هذا القرب الذي ينبغي إن ينتفي معه التقاطع والتدابر وقد أوكل الله تبارك وتعالى بالرحم ملكا ينادي (اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني). وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاءه يشكو مقابلة ذوي رحمه لإحسانه بالإساءة ووصله بالقطيعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الأمر كما تقول (فكأنما تسفهم المل ولا يزال لك عليهم من الله ظهير). وفعلا فإن الواقع المعيش يشهد بان الذين يصلون أرحامهم ويحسنون إليهم فيعطونهم ويحسنون إليهم ومقابلة ذلك منهم بالمنع والقطيعة والإساءة فإن هؤلاء المحسنين الواصلين لأرحامهم يزيدهم الله من خيره وفضله. * البعد الثالث: حسن الجوار إن تركيز الإسلام على هذا البعد (صلة الرحم) إلى جانب (بر الوالدين) يضاف إليه دعوة الإسلام إلى حسن الجوار فقد ورد في الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزال جبريل يوصيني بالجار إلى ظننت أنه سيورثه) كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من إساءة معاملة الجار مهما كان نوعها ومظاهرها فقد ورد في الحديث الشريف (لا يؤمن بي من لا يأمن جاره بوائقه) وأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عداد المؤمنين من بات شبعانا وجاره إلى جانبه جائع. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إلحاق الأذى بالجار حتى ولو أن بمنعه من الهواء بإطالة الجدار أو غير ذلك مما يؤذي الجار أو أبناء الجار. ولا يكتفي الإسلام بمجرد دفع الأذى عن الجار بل يدعو إلى الإحسان إلى الجار فقد ذبح ابن عمر رضي الله عنهما شاة وسأل أهله هل اطعموا جارهم مما ذبح في بيته وقد كان هذا الجار يهوديا. * البعد الرابع: الأخوة الدينية فإذا أضفنا إلى أبعاد (الوالدين) و(ذوي الأرحام) و(الأجوار) الأخوة في الدين فهؤلاء تربطهم رابطة العقيدة التي هي أقوى رابطة إنها أقوى من كل الروابط الأخرى فالأخوة الدينية هي التي قال الله في حقها (إنما المؤمنون إخوة) والأخوة الدينية هي التي ليس لها من هدف أو غاية إلا تحقيق مرضاة الله إنها حب صادق خالص لوجه الله ولأجل ذلك بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم المتآخين في الله والمتحابين في الله بأنهم من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرش الله يوم لا ظل لا ظله. إنها محبة يباركها الله ويحب بها عباده ورد في الحديث القدسي (وجبت محبتي للمتحابين في والمتآخين في) وهذه الأخوة الصادقة الخالصة لغير غاية ولغير مصلحة ولغير قرابة هي الأخوة الباقية وهذه الأخوة تجعل أصحابها يشفعون في بعضهم البعض يوم الوقوف بين يدي الله فكل الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا الأخلاء في الله. وهذا النوع من العلاقة الخالصة لوجه الله هي التي نقرأ نماذج لها في التاريخ صورها لنا القرآن الكريم فيما تصرف به الأنصار مع إخوانهم المهاجرين حيث تقاسموا معهم الأموال والديار وأطعموهم وآثروهم على أنفسهم (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) وبهذا النوع من الترابط الروحي تجاوز المسلمون كثيرا من الصعاب والمتاعب فتقاسموا فيما بينهم بالسوية ما بين أيديهم ولو كان قليلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الأشعريين إذا أرملوا جمعوا ما عندهم وتقاسموه فيما بينهم بالسوية) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم مني وأنا منهم). لقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في التآخي والتعاطف والتضامن والتآزر فكانوا بحق كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، إنها رابطة جديدة جعلت من المسلمين أمة واحدة مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم ومراتبهم الاجتماعية لا فرق بينهم إلا بالتقوى لقد اجتمع أبو بكر وعمر مع سلمان وبلال وصهيب الكل إخوة والكل سواسية كأسنان المشط، انه الدين الذي خرج من دائرته أبو جهل وأبو لهب ودخل في صفوف أمته بلال الحبشي وسلمان الفارسي. * البعد الخامس: الأخوة الإنسانية كما أعطى الإسلام الرابطة الإنسانية الجامعة لبني الإنسان مكانة التكريم والتبجيل وعدم التعريض بأي مظهر من مظاهر المهانة والدونية وذلك عملا بقوله جل من قائل (ولقد كرمنا بني آدم) فالإنسان هو خليفة الله في أرضه، وحقه في الحياة ينبغي أن يظل محفوظا قال جل من قائل (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) كما أن حق هذا الإنسان في الحرية مكفول وصدق عمر بن الخطاب حين قال (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) فلا إكراه في الدين وامرنا أن نحكم بالظاهر كما أن حق هذا الكائن الآدمي الإنساني مكفول في أن يعطى ما يحفظ به حياته فقد أمر عمر ابن الخطاب ليهودي ذمي وجده يتسول ويسأل الناس براتب من بيت المال قائلا (ظلمناك أخذنا منك الجزية صغيرا وتركناك كبيرا). تلك بعض مظاهر البعد الاجتماعي في الإسلام كما سعت إلى تركيزها وتدعيمها وتقويتها تعاليم الإسلام: عبادات ومعاملات حتى يكون الإنسان رحمة لأخيه الإنسان وحتى تتجسم فعليا المنقولة الحضارية الاجتماعية: (الإنسان مدني بطبعه) متفاعلا مع غيره من بني جنسه وإنما تتمايز الأديان والمذاهب بمقدار ما تحققه من تفاعل ايجابي بين بني الإنسان تذهب أو قل تضعف مظاهر الأنانية والغطرسة وكل صنوف الشر والضرر. والإسلام كما عرضنا بعضا من هديه وإرشاده يدفع معتنقه إلى تقوية لحمة الخير مع مختلف أبعاده والدوائر المحيطة به.

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.