احترام أهل الذكر والعودة إليهم لمعرفة الأحكام

احترام أهل الذكر والعودة إليهم لمعرفة الأحكام


لو بحثنا عما يحدث بين الناس من خلافات ومجادلات وخصومات لرأينا معظمة ناشئا عن عدم استيعاب للحديث وإحاطة بظروفه ومغازيه ومقاصده. أو عن سوء تأويل للمقصد الذي يقصده صاحب الكلام أو صاحب المقال: ومن أجل هذا التسرع في إصدار الأحكام واستخلاص النتائج كثيرا ما تنجم خصومات حادة ومجادلات بيزنطية فارغة يقحم فيها كثير من الأجنبي عنها ويتحمس لها من ليس له ناقة ولا جمل فيها ولو قدر جميع الناس مسؤولياتهم وصانوا ألسنتهم عن فضول الكلام وعقولهم عن الاهتمام بما لا يجدي لما وقعوا في ما لا تحمد عقباه من أمور هي إلى العبث أقرب منها إلى الجد: ولقد قيل (أفعال العقلاء تصان عن العبث)ومما يزيد الطين بلة ويجعل الجدل لا نهاية له ولا يرتكز على أساس من المنطق والحكمة والاتزان. ما عمت مصيبة بين الخاص والعام من عدم اعتراف بالتخصص وعدم إدراك لحدود الإمكان وهذه المصيبة الثانية أكبر من أختها وكم يستفحل الخطر اذا انظمت الثانية إلى الأولى وكونتا مع بعضهما مركبا عريضا وادعاء واسعا فإن أبواب النقاش انئذ توصد مسبقا وان الأمل في الإقتناع يصبح ميؤوسا منه تماما إن عناوين الأشياء لا تكفي أبدا لتكوين ثقافة واسعة تخول لصاحبها أن يتكلم في كل ميدان وان يسابق في كل رهان فالأديب الذي صرف معظم أوقاته وطاقته في التنقل بين رياض الأدب والتمرس على أساليبه المختلفة وضروبه المتنوعة لا يجد من العبقرية والوقت ما يكفيه ليصبح مختصا في القانون أو أستاذا في الفيزياء أو عالما في أصول الشريعة أو طبيبا يعالج أمراض الناس، نعم لقد تسمح له عبقريته بأن يكون له نوع من المشاركة يجعله يستطيع المفاضلة بين أمرين أحيط بكل منهما وذكرت دلائله ومؤيداته أما أن يصبح صاحب قول يرجع فيه إليه الناس عند الاختلاف فهذا أمر نادر الحصول ان لم يكن مستحيلا ولقد استطاع أهل كل فن من الفنون إن يقدر لهم الناس اختصاصهم فيه وان يعترفوا لهم بكونهم مراجع ومصادر لا يفتى بمحضرهم ولا يستهان بتفننهم وتخصصهم ولم يحرم من التمتع بهذا الحق الشرعي إلا أهل الاختصاص الديني فلقد أبى عليهم الخاصة وحتى العامة أن يمارسوا ميزتهم وفنهم المختص ممارسة بعيدة عن المضايقة وغمط الحق والمكابرة فيه. لست من الذين يدعون أو يعتقدون إن رجال العلم الاسلامي هم رهبان أو كالرهبان لأن الاسلام جاء ينفي الرهبنة واحتكار الدين والتصرف فيه حسب المشتهيات والأهواء فأنا من الذين يعتقدون اعتقادا جازما بل ومن المتحمسين إلى مشاركة رجل التخصص الديني في جميع متطلبات الحياة وأعتقد أن الذين لا يأخذون نصيبهم من كل شدائد الحياة ومتاعبها وتضحياتها هم أبعد الناس عن روح الدين ولو تزيوا بأزيائه ولبسوا لبوسه، وليس للدين لباس خاص. إن رجل الاسلام الحق هو ذلك الذي يعطي من نفسه ومن سلوكه الشخصي صورا صادقة عن الاسلام: بيد أن هذه الحقيقة السلوكية والعملية لا تزاحم أبدا تلك الحقيقة العلمية التي تستدعي تخصصا وتفرغا ودراسة وتمحيصا لأن الدين ليس كلمة جامعة ولا عبارات مختصرة بل هو مجموعة من الأحكام والأسرار تضمنها القرآن وهو بحر خضم من العلوم التي تتعلق بألفاظه ومعانيه وأحكامه وتضمنتها السنة النبوية أيضا وللسنة متون وأسانيد وعلوم يضيع في جمعها الشباب وينفق في سبيل الإحاطة بها العمر يضاف إلى هذين الأصلين ما امتلأت به كتب الفقه وأصوله والسيرة النبوية الطاهرة من علوم وفنون وأسرار وكل هذه العلوم لا يحيط بها ولا يتضلع فيها إلا من بذل المجهود ووطن النفس على تحمل المشاق، فهل من العدل والمعقول إن ينكر عليه أحد اختصاصه؟ أو أن يطاوله مطاول فيها هو له دون غيره من المزاحمين والمدعين. لقد عانى الإسلام وحملته ودعاته منذ فجره المبكر تجني المتجنين وتجاهل المتجاهلين حتى أصبح الاختصاص فيه في بعض الأحيان لا يساوي اختصاص صناعة من الصناعات وليس الذنب في حقيقة الأمر على المتجنين وحدهم بل هو محمول على رجال الاسلام أنفسهم لأنهم تهاونوا بالدين ولم يصونوه عن الابتذال فأصابهم ما أصابوا به الإسلام ولقد صدق من قال ولو أن أهل الدين صانوه لصانهم ولو عظموه في النفوس لعظم. لقد ردد الناس آية قرآنية في مقامات كثيرة واستعملوها كلما أرادوا دون أن يرجعوا إلى أهل الذكر يستشيرونهم فيه: هذه الآية هي قوله سبحانه وتعالى: “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” وما يؤسف له إن الآية أصبحت تستعمل عند كثير من إخواننا فيما قيس عن معناها الأصلي قياسا أما المعنى الأصلي الصريح الذي جاءت نصا فيه فإنهم يأبون أن يحملوها عليه ذلك ان الذكر هو اسم من أسماء القرآن وعلماء القرآن هم علماء الشريعة الإسلامية الذين اختارهم الله واصطفاهم ليكونوا ورثة وحيه وحفظة كتابه والمفسرين لأحكامه وعلومه وأنهم أولئك الذين قال الله تبارك وتعالى في حقهم “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) فهذا النفير وذلك التفقه الذي هو نوع من التخصص والتعمق والتبحر لم يكونا أبدا في متناول جميع الناس بل إن الاقدار الإلهية انتدبت لهذا الغرض النبيل من اختارتهم ليكونوا ورثة أمناء لأنبياء الله ورسله يتعلمون عنهم ومنهم ما أنزله الله عليهم من وحي وعلم وبذلك يصبحون الورثة الشرعيين لخيار الخلق وهداة الأنام عليهم الصلاة والسلام ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال في هذا المعنى” العلماء ورثة الأنبياء".

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.