خطبة الجمعة من وحي ذكرى المولد التي ألقاها السيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع علي فوبور سان دني باريس Faubor Saint Denis Paris بتاريخ 16/01/2015

خطبة الجمعة من وحي ذكرى المولد التي ألقاها السيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع علي فوبور سان دني باريس Faubor Saint Denis Paris بتاريخ 16/01/2015


الحمد لله الذي رفع قدر نبيه سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام وأعلى مقامه وبعثه رحمة للعالمين في الدنيا وعرصات القيامة وأمر أمته بتعظيمه فنبههم لذلك بالأمر بالصلاة عليه في محكم تنزيله فقال جل من قائل (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب الآية 56 ونهى عن رفع الأصوات عنده والتقديم بين يديه فقال جل من قائل (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) الحجرات الآيات 1/2/3 فاللهم صل عليه صلاة تكون بين أيدينا نورا ونزداد بها نضرة وسرورا وعلى آله الذين خصصهم بمزايا الشرف واطلعهم في سماء الفضائل بدورا وارض عن أصحابه الذين أثبتّ رضاك عنهم في كتابك إعلانا الذين هاجروا ونصروا وآثروا يبتغون فضلا من الله ورضوانا والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا فأنعم بهم إخوانا (قصة المولد للشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ترجح بها موازين أعمالنا وتقوي برهاننا أما بعد أيها المسلمون فقد جرت العادة وعملا بقوله جل من قائل (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنون) أن يتخذ الأئمة والمرشدون من شهر ربيع الأول من كل عام مناسبة لاستعراض صفحات من سيرة الحبيب المصطفى عليه وسلم الذي اصطفاه ربه واجتباه ليجعله خاتم النبيين وإمام المرسلين (ما كان محمد أب أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيئين) أرسله الله بدين الاسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا و أخرجهم به من الظلمات إلى النور ومن الكفر والضلال إلى الإيمان ومن الجور و الضيق والشدة والحرج إلى العدل والسعة والرفق والرحمة وقال في حقه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وإذا كان الأنبياء والرسل عليهم السلام والمسلم يؤمن بهم جميعا ويعطيهم كل ما يستحقونه من تعظيم وإجلال لأنهم يبلغون عن ربهم رسالة واحدة (أفضل ما قلت أنا والنبيؤون من قبلي لا إله إلا الله) إذا كان هؤلاء الرسل مبعوثين لأقوامهم وأممهم فإن سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام هو رحمة للناس أجمعين في كل الأزمنة والأمكنة وقال له (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ودينه الذي جاء به وأكمله الله على يديه واتم به النعمة على كل عباده (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) دين الإسلام هو دين الرحمة في كل تجلياتها ومظاهرها حيثما التفتنا رأيناها في أنفسنا وفي كل ما يحيط بنا، رحمة عامة تشمل الصغير والكبير وتشمل الذكر والأنثى وتشمل الفقير والغني بل تتجاوز المؤمن إلى غير المؤمن فقد أمهل الله ببعثه سيد الأنام عليه الصلاة والسلام أولئك الذين لم يسلموا لربهم وخالقهم بالوحدانية فلم يعد يعجل لمن يكفرون به بالعقوبة في الحياة الدنيا وقد كانوا قبل بعثته تخسف بهم الأرض ويمسخون قردة وخنازير إن سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام هو الرحمة المهداة لعباد الله المؤمنين الذين خصصهم بالامتنان فقال جل من قائل (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه من عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) وذكرهم بما لا ينبغي أن ينسوه مما كانوا عليه من فرقة واختلاف وشدة (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) نعم والله لقد كانوا كذلك وأشد من ذلك ياتون من الظلم والعدوان أصنافا ويرتكبون من الأفعال أشنعها وأبشعها صوّر حالهم القرآن في محكم آياته وعبر عن ذلك بأبلغ عبارة المنصفون المتجردون ممن شرح الله صدورهم وهداهم إلى الصراط المستقيم اسمعوا قول جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه الملقب بجعفر الطيار وهو يخطب بين يدي النجاشي وقد جاء مع من معه من الفارين بدينهم إلى هذا الملك العادل الذي لا يُظلم عنده أحد قال جعفر ( أيها الملك كنا قوم أهل جاهلية نعبد الأصنام ونقطع الأرحام ونسيء الجوار حتى بعث الله فينا رسولا منا نعرف صدقه وأمانته (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقبه أهل مكة بالصادق الأمين) قال جعفر فآمنا به وصدقناه ودعانا إلى الإيمان بالله وترك ما كنا نعبده من أوثان وأمرنا بالصلاة والزكاة وصلة الأرحام وحسن الجوار فآمنا به وصدقناه) نعم كان العرب في الجزيرة ولا يختلف حالهم عن أحوال غيرهم من الأمم والشعوب في ظلام دامس وفي حروب دامية تتوارث أحقادها وضغائنها وثأرها الأجيال المتعاقبة، قوانين الغاب هي السائدة حتى في الحلقات الضيقة من ذوي الأرحام فالمرأة كان يتداول في المجالس عن ماهيتها ولا يرتقون إلى المرتبة البشرية وهي في بلاد العرب تعتبر عارا وشنارا يتوارى من تلد زوجته ويرزقه الله بنتا يتوارى عن الأعين ويظل يفكر أيمسكه على هون أو يدسه في التراب !! ألا ساء ما يأتون، جرم عظيم فأي ذنب ارتكبته هذه المسكينة هي وأمها التي قالت متألمة مخاطبة زوجها الذي هجر بيتها لأنها ولدت له بنتا: ما لأبي حمزة لا يأتينا غضبان أن لا نلد البنين *جاء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالدين الذي رفع الله به عباده الأصر والأغلال ولم يحملهم ما لا طاقة لهم له *جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالدين الذي كرم كل بني آدم بدون استثناء (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) *جاء سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بالدين الذي أعلن الوحدة البشرية (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *جاء سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام يعلن حرمة النفس البشرية أيا كان دينها وجنسها ولونها وأيا كان ما يصدر عنها من أقوال مهما كانت شنيعة مسيئة فسبيل إقناعها والرد عليها لا يمكن أن يكون بسفك دمها وإزهاق روحها يقول جل من قائل ( من قتل نفس بغير نفس أو فساد فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) *جاء سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام يعلن الحرية الكاملة حرية العقيدة ف(لا إكراه في الدين )(إنك لا تهدي من أحببت ولكن يهدي من يشاء) (لست عليهم بمسيطر) (لكم دينكم ولي دين) تبليغ وإقامة للحجة بالحكمة والموعظة الحسنة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ف(الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ) *لقد جاء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يعلن ويجسم الرحمة، إنه نبي الرحمة بالجميع بالقريب والبعيد بالصغير والكبير وبالذكر والأنثى *الرحمة هي خاصية هديه و(من لا يرحم لا يُرحم) و(الراحمون يرحمهم الرحمان) لقد امتن عليه ربه بهذه الرحمة التي جعلها خلقه والسمة البارزة الواضحة في كل هديه عليه الصلاة والسلام فقال جل من قائل ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظا لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) فبهذه الرحمة التي جبله الله عليها قال وقد جاءه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق الأخشبين على من أساؤوا إليه وأخرجوه في اليوم شديد الحر ما زاد على أن قال ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولو كانوا يعلمون ويعقلون ما فعلوا مثل ذلك الصنيع الشنيع !! بمن جاءهم يدعوهم لما يحييهم ويخرجهم من الضلال إلى الإيمان قائلا لعل الله يخرج من أصلابهم من يؤمن به وبهذه الرحمة التي جبل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زاد على أن قال لقريش يوم فتح مكة وقد وقفت صاغرة ذليلة قال لهم (لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء) ثم قال من (دخل دار أبي سفيان فهو آمن) وفي دار أبي سفيان هند آكلة كبد عمه سيدنا حمزة رضي الله عنه لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة بالكبير والصغير وهو القائل (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا) ورحمة بالمرأة: بنتا وزوجة واما وأيما امرأة فقال (النساء شقائق الرجال) وقال (أنا أب البنات وأحب من يحب البنات ) وأعلن حقوق النساء كاملة (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) أمر بالرفق واللين والرحمة والحنو على الطفل الصغير فكان يداعب أبناءه ويعطيهم من الوقت الكافي لذلك حتى لو كان في صلاة وسجود وعلى منبر يخطب في الناس ويقول لذلك الفض الغليظ الذي قال إنه لي عشرة من الأبناء لم أقبل واحدا منهم قال له: ماذا تريد مني أن أفعل لك إذا كان الله قد نزع من قلبك الرحمة من لا يرحم لا يُرحم • إن هدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام يجعل الرحمة تعم كل الكائنات الحية حتى تلك الدواب البكماء حيث قال (إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وإذا قتلتم فأحسنوا الذبحة) وخلاصة القول إن دين الإسلام وكذلك كل رسالات السماء هو رسالة أمن وسلام تدعو الناس جميعا (ادخلوا في السلم ولا تتبعوا خطوات الشيطان) وإفشاء السلام سبيل لإحلال المحبة محل الكراهية والبغضاء والأحقاد المؤدية إلى العدوان والظلم (والظلم ظلمات يوم القيامة) حرمه الله على نفسه ويوم القيامة ينادى من عند الله (اين الظلمة وأعوان الظلمة فيحشرون كالذر) لا وزن لهم • إفشاء السلام سبيل لتحقيق الحب بين الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ فلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم) السلام عبارة ومسلكا وتصرفا مع الناس وليس السلام شعارا وكلمات بدون مضمون يدخل بها صاحبها تحت من عناهم الله بقوله ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) • إن رسالة كل الأنبياء عليهم السلام لا سيما رسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لا يمكن إلا أن تكون داعية إلى السلام والوئام والتعايش والتسامح والتعاون على الخير تحقق للانسان السعادة والطمأنينة والراحة في هذه الحياة الدنيا التي وان كانت هي مجرد معبر الىى الدار الآخرة ولكنها بدون الإيمان والسكينة والطمأنينة تنقلب إلى جحيم وبؤس وشقاء ينقلب فيها الانسان عدوا لأخيه الانسان يقتله ويسفك دمه ويمتصه ويستغله بوحشية وضراوة !! كل ذلك لأن الدنيا أصبحت أكبر همه ومبلغ علمه الإيمان بالله وحده والاتباع الصادق لما جاء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من وحي من عند الله هو الذي يسعد به الانسان وتتحقق به للانسان الطمأنينة والسكينة والراحة • الإيمان بالله وحده والاتباع الصادق الخالص لما جاء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من وحي من عند الله تضمنه هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتعهد الله بحفظه فقال (إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) تخشع وتتصدع لنزوله الجبال هو الذي يجعل من الانسان أمنا وسلاما ورفقا ولينا ورحمة وحيا ينجر خيره ليشمل الناس كافة فضلا عن المؤمنين الذين اذا جعلوا الدار الآخرة غايتهم ومبتغاهم فهم لا يريدون علوا في الأرض كما لا يريدون الفساد مصداقا لقول ربهم جل من قائل ( تلك الدار الآخرة نجعلها لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) والمتقون الذين هم مع الله والذين هم محسنون هم من يتزودون بخير زاد، ليست الدنيا همهم و لكن غايتهم مرضاة ربهم ومرضاة ربهم لا بد في هذه الحياة الدنيا من الجهد والمجاهدة والمكابدة للنفس الأمارة بالسوء وللشيطان اللعين فهما العدوان اللدودان للانسان، إنه الجهاد الأكبر الذي أمر الله به عباده (والذين جاهدوا لنهدينهم سبيلنا) جهاد تزكية النفس وتهذيبها والحد من أنانيتها وغطرستها، جهاد فيه اجتناب للمهلكات الثلاث (الهوى المتبع وإعجاب المرء بنفسه والشح المطاع) وأكبر انتصار يتحقق به للمؤمن النجاح والفلاح هو التغلب على النفس وتزكيتها (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هو من أرسله ربه للقيام بهذه المهمة بما أوحى به مما هو لب رسالته وجوهرها وصدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.