الحكمة من أحوال الانسان وتقلباتها

الحكمة من أحوال الانسان وتقلباتها


تعترض الإنسان في حياته مشاكل معقدة ومصاعب مستعصية الحل يحاول جاهدا أن يتغلب على مصاعبه وأن يحل مشاكله فيوفق مرة ويخذل مرات وهو إذا ما وفق من أول وهلة كثيرا ما ينسب ذلك التوفيق لنفسه ويصبح تائها في خيلائه متغنيا بعبقريته وبطولته التي غيرت وجه الحياة ووجه التاريخ ولكن كم عساها تدوم تلك الإرهاصات التي هي في واقع أمرها إما بفضل من الواحد الصمد الذي بيده مفاتيح كل شيء واما استدراج للعباد حتى يخرجوا من طورهم ويصلوا إلى أعلى قمة من اغترارهم وانئذ يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر فيندمون ولات ساعة مندم ومن ألطاف المولى سبحانه بعباده المؤمنين ان إمهاله واملاءه لهم يكون قصيرا يقف عند حد لا يتجاوزه إذ سرعان ما يسوق إليهم آية من آياته جل وعلا في كونه التي لا تنتهي إذ منها المرض ومنها الضعف ومنها احتجاب الغيث ومنها خيبة الأمل في حبيب أو قريب أو صديق ومنها ومنها إلى ما لا نهاية له هذه الآيات أو المصائب أو الخيبات هي التي يوقظ بها المولى عباده الغافلين ويرجع بها عقولهم إلى توازنها الرشيد فإذا بها في لحظة تنتبه إلى ضعفها وتيأس من وسائلها المحدودة وتلتفت إلى خالقها وخالق الكون سبحانه وتعالى التفات الخائف الطامع الذي جرب حوله وطوله فألفاهما لا يغنيانه شيئا إذا ما نزل قضاء الله الصارم فإذا به بعد التيه والخيلاء والبطر بالنعمة ذلك المتواضع اللطيف حياء من الله واحتراما لعباده وإذا به أيضا بعد الاعتماد الكلي على أسبابه فقط يصبح ذلك المؤمن الأواه الذي يتوكل على الله حق توكله يقوم بجميع ما عليه كبشر قوي وينتظر الكلمة الأخيرة من خالقه هذه وأيم الله رحمة الخالق الأعظم بعباده المؤمنين تتعهدهم بين الفينة والفينة كلما طوحت بهم أهواؤهم وركبوا متن غرورهم بوخزة خفيفة أو خيبة غير منتظرة أو صدمة لم تكن في الحسبان فتنبه كل واحدة من هذه العظات الكثيرة قوة ايمانية خامدة فيهم وهكذا مع الأيام ومع المصائب والخيبات تتواثب القوى الروحية لتقوم على أنقاض قوى الغرور والشر والشيطان ثم تتكامل هاتيك القوى وتتناسق وتتلاقح فإذا بالمؤمن التائه والمؤمن المغرور يصبح بعون الله وعنايته من أصدق المؤمنين ايمانا ومن أرسخهم يقينا، لا بما لقنهم لهم أساتذتهم في المدارس ولا بما أخذوه من آياتهم وأمهاتهم من ايمان العجائز بل من تقلبات الدهر وعراك الحياة والتأمل في مجرى الأحداث سواء في ما يتصل بحياة الشخص ذاته أو ماله اتصال بحياة الآخرين أو بالكون في عمومه وشموله ومثل هذا الإيمان المحض الناتج عن تجربة عملية هو الذي يريده الإسلام من أهله وهو الذي يدعو إليه القرآن في كل مناسبة فلقد قال (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) وقال أيضا(وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وقال (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) وإن الحكمة الإلهية الرائعة لتبدو جلية في مجريات حياة الأشخاص والأمم ذلك أن تعاقب أحوال الشدة والرخاء والقبض والبسط والضيق والسعة والصحة والمرض والعزل والتولية والحياة والموت هي التي تحقق التوازن الداخلي والخارجي والخاص والعام ولولاها لانتشر الفساد في الأرض ولاجتاح الأقوياء من البشر اخوانهم الضعفاء بسيول بغيهم الجارفة ولقد صدق ربنا جل وعلا إذ قال في تشخيص هذه المعاني كلها بايجاز رائع وبلاغة متناهية (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير) صدقت ربنا ومن غيرك الخبير والبصير بطوايا النفوس وخبايا الضمائر فإنك الذي يعطي لحكمة ويمنع لحكمة فتعالت حكمتك عن المثال

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.