مفاهيم إسلامية:حكمة القسم وإعطاء العهد وفوائد تجديده

مفاهيم إسلامية:حكمة القسم وإعطاء العهد وفوائد تجديده


انه لمن السهل البسيط أن يعمر الإنسان ذمته بالالتزام وان يبرم مع نفسه أو مع ربه أو مع الناس عهدا يلتزم بموجبه بأشياء لم يكن ملزما بها قبل إعطاء ذلك الموثق. وأقول إن هذا من السهل البسيط لأنه في معناه الصوري لا يعدو أن يكون عملية كلامية أو كتابية سهلة غير أن العهود والمواثيق والالتزامات تتجاوز في روحها هذا المعنى البسيط والإجراء السهل. لأنها تشكل عملية باطنية في أعماق النفس حول تلك المعاني التي يراد القسم عليها والالتزام بها. وإدراك مفهومها ونتائجها وإقحام صفة الوفاء بالعهد في صلب هذه العملية، ذلك الوفاء الذي معناه الصدق والرجولة ومعناه احترام النفس واحترام الجماعة واحترام الخالق ومعناه في النهاية حياة الضمير: بعد استعراض كل هذه النتائج واستخلاص كل هذه المعطيات تأتي عملية التعهد العلني سواء كان قوليا أم كتابيا، وتلك العملية السهلة ليست في الحقيقة إلا ترجمانا عما بقي يعتمل في الصدر ويعرض على العقل مدة طويلة: فلا غرو أن تكون العهود والالتزامات في حد ذاتها أمورا شكلية إذا ما قيست بحصول الغاية المرجوة منها وهي الوفاء وإننا إذا تصفحنا الواقع نعترف بان الأوفياء أوفياء التزموا أم لم يلتزموا لان نفوسهم الطيبة تأبى عليهم أن ينقضوا عهدا ابرم مع الله منذ شرفهم بالتكليف وبصرهم بحقيقة الواجب، والقي في قلوبهم حبه واحترامه. فهم بهذا الاعتبار أسمى من القسم والعهد والالتزام وبالعكس منهم أولئك الذين لا يدركون الواجب ولا يؤمنون به فإنهم لا يعيرون عملية القسم الغليظ أي اهتمام واعتبار، بل نرى البعض من الناس يتخذها ذريعة لتطمين من اقسم له، والقرآن الكريم يقص علينا من ذلك آيات وآيات ويحذرنا من الاغترار بهذا النوع من الناس إذ يقول (لا تطع كل حلاف مبين) وما قسم أبناء يعقوب لأبيهم على صيانة يوسف وحفظه إلا صورة من ذلك أرادها الله أن تكون درسا للناس أجمعين. قلت إن نسبة الذين يرعون العهود والمواثيق ويحسون بوطأتها ويقدرون التبعات التي تنجم عن ذلك هي نسبة ضئيلة إذا ما قيست بأنماط أخرى من البشر لا تؤمن يقسم ولا بمن يقسم به ولا بما اقسم عليه، وهي إذ تردد الإيمان بألسنتها تسخر بتلك العملية التي تراها صبيانية ولقد كان هذا النوع من البشر موجودا منذ القدم وحتى في عصور الأنبياء والرسل وما يزال موجودا إلى اليوم والى يوم الناس، ووجودهم لا يمنع الأوفياء الملتزمين، والمؤمنين الصادقين من أن يجددوا عهودهم مع الله ومع المثل، ولا يمنعهم أيضا من أن يأخذوا عليهم العهد والميثاق ليقيموا عليهم الحجة وليشهدوا عليهم الله وملائكته والناس أجمعين حتى إذا ما نكثوا انقطعت لهم الحجج وتقطعت بهم الأسباب وأمكن للأوفياء الصادقين أن يقولوا لهم الم تسمعوا قول الله الذي يقول (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) وأمكن للأوفياء الصادقين أن يقولوا لكل مخادع كذوب (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون). هذه أخي المسلم عبرتنا من قسمنا الذي رددناه وأشهدنا كل من في الكون على أنفسنا بأننا سوف نمضي نحو أهدافنا بتلك الروح التي حققنا بها النصر، وان كثيرا من الناس يرون أن تجديد هذا العهد وأداء هذا القسم أمر غير معقول المعنى إذ ليس هناك من داع للتجديد والأداء خصوصا وأننا لسنا على أبواب معركة سنخوضها مع عدو في الداخل أو في الخارج، هذه المقالة التي سمعناها من الكثير تبدو بسيطة ساذجة للغاية، لأننا في معركة دائمة ومستمرة، وهذه المعركة التي نخوضها ضد التخلف تستدعي منا شحذ العزائم وتجديد العهد وأداء اليمين، ثم أن تمر سنوات على امة تدير شؤونها بنفسها وتتاح للشعب فيها من فرص السعادة ورغد العيش ما لم يكن متاحا منذ زمن قريب، يضاف إلى كل هذا صعود جيل جديد من الأمة إلى الحياة العامة لم يكن في زمن الكفاح ممن عاش تلك الظروف أو ممن يدركها. كل هذه العوامل مجتمعة تدعونا إلى إعطاء العهد لشهدائنا الأبرار، والى تجديده ممن أعطوه من قبل. واقل ما يجني من وراء هذه العملية التذكير الذي هو ضرورة حتمية لكل إنسان، وربط الصلة بالماضي حتى لا تحدث أية فجوة في تاريخ امتنا، وفي نضال شعبنا ولا يكون ذلك إلا بالتجديد والتذكير، وفي النهاية هو إقامة الحجة على كل من تحدثه نفسه بالتهاون والتقصير في مقدسات هذا الشعب أو من يشعر بشيء من الاستقلال الشخصي الذي يؤول به إلى التحلل شيئا فشيئا من روابطه الاجتماعية والقومية وفي ذلك الخطر الكبير على كيان الفرد والجماعة، هذه فلسفة القسم (انه لقسم لو تعلمون عظيم) وان الأعظم منه هو الوفاء به والالتزام بما ألزمنا به، وبما ألزمنا به أنفسنا طائعين مختارين فلنرع الله والعهد والميثاق في أنفسنا أولا وفي امتنا العزيزة علينا وفي مثلنا المقدسة التي هي سر وجودنا وسبب عزتنا وفخرنا، ولنرع عهدنا وميثاقنا في أرواح شهدائنا الأبرار الذين يسعدون ويسرون إذا كنا في امن وسعادة وانسجام، وذلك معنى الآية الكريمة (مستبشرين بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.