ليس الإيمان بالمظاهر السطحية بل هو اليقين الثابت

ليس الإيمان بالمظاهر السطحية بل هو اليقين الثابت


احتياج الانسان إلى طاقة ايمانية كبيرة لا يقل عن احتياجه إلى طاقة جسمية أو مادية أو عقلية بل إن الرصيد الايماني قد يقوم مقام غيره ويغني عنه في كثير من الحالات في حين أنه لا يعوضه شيء سواه ولا يقوم مقامه غيره إذا ذهب وتلاشى. ولم نر من بين الناجحين السعداء وبين الذين يعملون لإسعاد غيرهم ويتحملون في سبيل إسعاد الغير صنوف التضحية وألوان العذاب لم نر بين هؤلاء وأولئك غير المؤمنين الصادقين الذين زكت بواطنهم وصفت سرائرهم وسمت مقاصدهم وأقاموا بينهم وبين الشر والرذيلة حواجز حصينة تقيهم الانزلاق وتحفظهم من التردي والسقوط ومن أجل هذه المعاني الدقيقة والنتائج المسلمة جاءت الرسالات السماوية كلها لتجسيم حقيقة الإيمان وجعلها نقطة الانطلاق وحجر الأساس لأن المشرع الأعظم سبحانه وتعالى يعلم من مخلوقاته ما لا تعلم إذ هو الذي ركب الخصائص ورتب الصفات وقرن الأسباب بالمسببات وعلمه المحيط كشف له ان هذا الانسان يكون عملاقا وعظيما إذا خلق نحو الكمال بجناحي الإيمان والعلم (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات) ويكون تافها وحيوانا اذا خلا قلبه من الإيمان. (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) (وليس الإيمان بالتجلي ولا بالتحلي ولكنه ما وقر في النفس وصدقه العمل)هكذا قال سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم . ليس الإيمان بالمظاهر السطحية المكذوبة ولا بالزخرف والتزويق الكلامي بل هو ذلك اليقين الثابت وتلك الثقة الوطيدة وتلك المعرفة التي تنفذ إلى جوهر النفس وبواطن الأشياء لتجعل صاحبها واقفا عند حدود بشريته لا يتجاوزها اغترارا إذا ما حالفه التوفيق وأتيح له ما لم يتح لسواه ولا يتجاوزها حقارة وصغارا اذا ما خذله الحظ ومني بالخيبة والإخفاق، فالايمان وحده اذا هو الذي يقيم التوازن الصحيح داخل النفس وهو الذي يحققه في السلوك والأخلاق وهو الذي يقيم الموازين لصاحبه ويحدد له سلم القيم فلا يطغى لديه ما للنفس على ما للجماعة وما هو للقريب على ما هو للبعيد ولا يلهيه العاجل البراق عن البعيد الذي هو أجدى وأكبر بل هو تراه يأخذ من كل شيء بطرف فلا يستأثر به شيء على حساب أشياء ولا يسمح للخيال بأن يكون له حظ في تصريف شؤونه وإقامة علاقاته وتحديد سلوكه وهكذا يعيش المؤمن منتفعا بما خوله الله له من قدرات وامكانيات غير مدخر ما خول له لأنه يعيش للناس كما يعيش لنفسه ولأنه لا يرى السعادة إلا إذا ما انتظم في سلك الجماعة ولا يتألم لوقع الشقاء والحرمان يصيبانه أكثر مما إذا رأى ضحايا الشقاء والحرمان حوله ممن تربطهم به رابطة وتصله بهم وشيجة. هؤلاء الناس هم عمد الحياة وعليهم ثقلها ولولاهم لاضمحلت آثار الفضيلة وعفت ديارها ولرجع الانسان إلى عصور الظلام والحيوانية الضارية، وهم إذا أمسكوا الانسانية عن التردي فلا يمسكونها بأعمالهم ومثاليتهم وسلوكهم فقط بل يمسكونها بهذا ويمسكونها بذلك الاشعاع العظيم الذي يؤثر ايجابا وسلبا في عموم من تصدعهم أنواره وتجبههم حقائقه خصوصا إذا كان من نوع الإيمان القوي الذي يعلنه أصحابه ويبشرون به لا من نوع ذلك الإيمان الفاتر الضعيف الذي يشبه المصباح الزيتي الخافت لا تتجاوز أنواره حجرة ضيقة صغيرة هي حجرة صاحبه فقط، هذا الأخير يمكنه أن يقول حسبي من هذا الكون وأهله ان اخلص منه لا علي ولا لي بيد أن ضميره لن يكون مرتاحا ونفسه لن تكون راضية ما دام لم يلتحق بطائفة إخوانه الأولين الذي أعلنوا حقيقة ايمانهم قولا وعملا وتحملوا تبعاتها وارتقبوا نتائجها التي كشف النقاب عنها من لا يخلف الميعاد سبحانه وتعالى حين قال (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعملا صالحا وقال انني من المسلمين)هذا هو إشعاع الإيمان الذي يريده القرآن ويطلب منا أن نسعى إلى تحقيقه في قلوبنا والى غرسه في أنفسنا حتى تتفجر أعمالنا صلاحا وسدادا نتيجة له وثمرة من ثماره وما أصبنا أفرادا وجماعات بما أصبنا به في سالف أزماننا وفي حاضر حياتنا إلا عندما زهدنا في حقيقة الإيمان وتركناها ظهريا نكتفي منها بتلك السطحيات المتوارثة التي لا تعتمد اليقين ولا تستند إلى البحث الهادف والتأمل الرصين وكل هذه الأشياء لا تأتي بمجرد النظر في مسألة الإيمان التي هي رأس المال وسر التشريف والتفضيل نعم نحن نعتقد مع من يعتقد إن مسألة الإيمان هي جزء من مسألة الهداية الكبرى التي هي اختيار إلهي محض (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ولكننا نؤمن أيضا بأن التنشئة والتكوين والتوجيه أمور لها أثرها الملحوظ لدى الكبار فضلا عن الصغار ونؤمن أيضا بذلك الحديث النبوي العظيم الذي قاله من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم (الولد يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه أو يمجسانه) ومهما يكن الإسلام فطريا فإن المحولات والمؤثرات تفعل مفعولها فيه بدليل هذه القابلية للتهويد والتنصير والتمجيس ومن هنا ندرك مسألة قابلية الإيمان للزيادة والنقص التي أقرها علماء الكلام وندرك أيضا جسامة مسؤوليتنا مع أنفسنا وأبنائنا عندما نرى ظل الإيمان يتقلص من قلوبنا وقلوبهم أو مفعوله ينقص لدينا ولديهم، ونتحمل مسؤوليتنا في جميع ما سيترتب عن ذلك من شرور وآفات قريبة و بعيدة وعاجلة وآجلة ونجعل في النهاية هذا الأمر من المواضيع التي تستحق العناية والدرس بل نجعله أولها وأهمها لأن كل تعليم وكل ثقافة إذا كانت غير مبنية عليه فإن شرها سيكون محققا ونفعها سيكون مشكوكا فيه.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.