من وحي الإعلان عن احتفالية: المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية: استحضار للمآثر واستنهاض للهمم من أجل أن تكون هذه التظاهرة المرتقبة

من وحي الإعلان عن احتفالية: المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية: استحضار للمآثر واستنهاض للهمم من أجل أن تكون هذه التظاهرة المرتقبة


قبل سنوات قليلة تم الاحتفال بمكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية وذلك في إطار السُنّة الحميدة التي بادرت إلى إعلانها منظمة الأيسيسكو وتولت متابعتها: تخطيطا وبرمجة وتنفيذا لمختلف الفعاليات والتظاهرات التي يقع القيام بها في كل مدينة تختار لكي تكون عاصمة للثقافة الإسلامية. ولان المدن الجديرة بالاختيار عليها على امتداد البلدان الإسلامية كثيرة وقعت برمجة الاحتفاليات في العام الواحد لأكثر من مدينة مع ما لا يخفى في ذلك من التوزع للجود. ولما أعلن عن مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية -وكانت هذه السُنّة لا تزال في بدايتها- انتظر المهتمون بهذا الشأن أن تكون التظاهرات والفعاليات في مستوى مكانة مكة المكرمة، أم القرى، ومنزل الوحي ومولد ومنشأ سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام، حيث الكعبة أول بيت وضع للناس، قبلة المسلمين في صلواتهم، والتي إليها يحجون آداء لخامس أركان الإسلام (ولله على الناس حج البيت..) ومرت هذه الاحتفالية (مكة عاصمة للثقافة الإسلامية) بسرعة وعلى عجل والحال أن الإمكانات المادية والبشرية متاحة لتكون التظاهرات والفعاليات اكبر وأوسع وأكثر إشعاعا فمكة كانت ولا تزال وستبقى هي المركز والقطب. وهاهم وزراء الثقافة في منظمة “الأيسيسكو” يختارون المدينة المنورة، عاصمة الإسلام الأولى لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية وكان يمكن إن تكون البداية بها في هذه السنة الحميدة ولعل في تأخر ذلك ما يجعل احتفالية المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية تكون متميزة كمّا وكيفا عن كل الاحتفاليات التي سبقتها، والمدينة المنورة جديرة بذلك أليست مُهَاجَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اختارها له الله؟ ألم يدع عليه الصلاة والسلام ربه وهو يغادر مكة المكرمة ليلة الهجرة بأن يسكنه الله أحب البلاد إليه؟ فاسكنه المدينة المنورة التي استقبلته أروع استقبال بنشيد خالد لا يزال يتردد على الألسنة في كل المناسبات (اقبل البدر علينا من ثنيات الوداع) وقد آوت إليها من قبل قدومه عليها أصحابه من المهاجرين الفارين بدينهم من الأذى الذي سلطته عليهم قريش كان أهل المدينة من قبل أن يهاجر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سباقين إلى عرض الإيواء والنصرة في بيعة أولى وثانية في مكة المكرمة. * المدينة المنورة التي ستكون لمدة عام كامل-وهو قليل في حقها- عاصمة للثقافة الإسلامية هي التي شهدت تأسيس أول مسجد بني على التقوى من أول يوم اختار له الله المكان فبني حيث بركت القصواء ناقة رسول الله وقد عرض أكثر من حي من إحياء المدينة الجوار والمنعة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم: اتركوها فإنها مأمورة. وفي هذا المسجد الذي هو ثاني الحرمين الشريفين تمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار اخويْن اخويْن اشتركوا في كل شيء وشأن مما أباحه الله، إنها أخوة الإيمان التي ترتفع وتسمو عن كل الروابط الأخرى دون أن تلغي ما هو جبلي واقعي لا ظلم فيه ولا عدوان. * وفي المدينة المنورة سُنّ أول دستور للتعايش كرس المواطنة الايجابية التي تحفظ الحقوق الأساسية للإنسان أيا كان دينه وعرقه وهي سابقة تحسب للإسلام في ذلك الزمن المتقدم. * وفي المدينة المنورة تجسمت الشورى الفعلية على أيدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مهاجرين وأنصار بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى تاركا أمر اختيار ولي الأمر لاجتهاد المسلمين وفي ذلك من المرونة وسعة الأفق ما كان على المسلمين على مر العصور أن يجعلوه منطلقا لاستنباط الآليات التي بها يتحقق الانتقال السلمي للسلطة وتكريس مبدأ التداول والحق المشروع لكل من توفرت فيه المؤهلات لتحمل المسؤولية ولا غرابة أن يقول الأنصار في سقيفة بنى ساعدة منا الأمير. كما قال المهاجر منا أمير. * وفي المدينة المنورة تأسس مجتمع الإسلام وكيانه الذي بدفع منه عمت رسالة الإسلام ودعوته الآفاق المحيطة في فترة زمنية قصيرة جدا فإذا بشعوب وبلدان نائية مشرقا ومغربا تتقبل بتلقائية وطيب خاطر الدين الجديد الذي رضيه الله لعباده وأكمله لهم ولكنه لم يكرههم على اعتناقه (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). * وكان المسجد النبوي قطب الرحى والعمود الفقري في المدينة المنورة والذي بقدر ما كان بسيطا في شكله عند وضع أسسه الأولى بقدر ما كان متسعا لكل حركية المجتمع الجديد الذي هو مجتمع الإيمان والتعاون على البر والتقوى فكان المسلمون يرتادونه في اليوم خمس مرات ليؤدوا أعظم أركان الإسلام الصلاة التي هي عماد الدين والتي يخرج القائمون بها على اصح الوجوه وأتمها بخير زاد (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى). * وفي المسجد النبوي كانت النواة الأولى لكل العلوم والمعارف سواء كانت علوم الحياة الدنيا التي أولاها الإسلام عناية كبرى لما فيها من إعزاز لشأن المسلمين وتجسيم فعلي لخيرية الأمة الإسلامية أو العلوم الدينية الشرعية والتي لم يقصر الإسلام تحصيل الحد الأدنى منها على فئة من الناس دون غيرها بل جعله فرضا عينيا. * وكان المسجد النبوي في المدينة المنورة جامعا وجامعة أهلية شعبية إليها ظل يشد الرحال طلبة العلم من كل الأمصار في سائر بلاد الإسلام. * ومن المسجد النبوي انطلقت البعثات العلمية وحتى العسكرية الفاتحة وليس الغازية. * وفي المسجد النبوي استقبلت وفود القبائل والعشائر العربية وغير العربية وقد جاء العديد منها يستطلع ويتعرف على الدين الجديد والنبي الذي بعث به والكتاب الذي أنزل عليه (القرآن الكريم). * وفي ركن من المسجد النبوي كان يأوي عدد من ضعاف الحال من المسلمين وقد أمر الله رسوله أن يكون بينهم كأحدهم. إنها ادوار متعددة وصفحات مشرقة من تاريخ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجده الذي لم ينقطع منذ تأسيسه شد الرحال إليه ابتغاء للثواب والأجر وتقربا إلى الله بحب صاحبه الراقد هناك حيث قبض والذي اخبر بأن ما بين بيته ومنبره (روضة من رياض الجنة). * تاريخ طويل حافل بالعلم والمآثر والمحامد لم ولن تبلغ درجته ومنزلته أية مدينة أخرى من مدن الإسلام وحواضره العريقة والتي تدين جميعها لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فقط بفضل السبق بل بتواصل المدد والسند الروحي والعلمي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. إن ما أشرت إليه مجرد الإشارة وما غاب عنى من خصائص المدينة المنورة ومآثرها وهو أكثر هو ما ننتظر من احتفالية المدينة المنورة: عاصمة للثقافة الإسلامية أن تزيد المتعلقين بطيبة الغراء المتشوقين دوما لزيارتها ومجاورة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام أن تزيدهم تعرفا عليه. ولا أخال إلا أن كل الأطراف ذات الصلة بالاحتفالية سواء كان ذلك في المدينة المنورة أو في أختها مكة المكرمة أو في بقية مدن المملكة العربية السعودية ولم لا كل مدن وعواصم البلدان العربية والإسلامية لا أخالها كلها إلا آخذة بنصيبها في المشاركة الفعلية بهذه الاحتفالية بالمدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية . إنها مجرد ملامسة أولى ومصافحة مسبقة ستتلوها أخرى وأخرى بإذن الله.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.