“ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا...”

“ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا...”


الحج إلى بيت الله الحرام هذا الركن من أركان الإسلام لابد فيه من توفر عنصر الاستطاعة، ذلك أن الله تبارك وتعالى لا يكلف عباده بما هو فوق طاقتهم ومستطاعهم ولأجل ذلك قال جل من قائل (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقد توسع المفسرون والفقهاء في تبيين معاني الاستطاعة فقسموها إلى استطاعة بدنية ومالية بدونهما يسقط الحج على المسلم. فالحج يسقط على المريض مرضا يعيقه على القيام باركان الحج وهي التي تحتاج إلى جهد إضافي غير معتاد ولا يقدر عليه إلا السليم المعافى. * ففي الحج سفر-والسفر قطعة من عذاب- مهما كانت الوسيلة المستعملة فيه لأنه انتقال من الاستقرار إلى اللااستقرار من عادات وطقس معين إلى عادات أخرى وطقس آخر. * وفي الحج طواف بالبيت في زحام كبير، وفي الحج سعي بين الصفا والمروة. * وفي الحج وقوف بعرفات ونزول إلى مزدلفة وإقامة في منى ورمي للجمرات. * وفي الحج إحرام وتجرد كل ذلك لا يستطيعه إلا من كان بدنه سليما معافى ومن لم تتقدم به السن إلى الدرجة التي يصبح بها عالة على غيره. ويسقط الحج على الفقير غير القادر على توفير مصاريف حجه وهي على مر الأيام في ارتفاع متواصل، أو الذي يوفرها على حساب ضرورياته وضروريات عياله. يجب الحج على القادر المستطيع مرة واحدة في العمر وفي ذلك من معاني التيسير ما لا يخفى على احد. وقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم بصرامة مبينا الحكمة والمغزى حين خطب ذات يوم فقال: أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا فقام رجل يسال بلا موجب: أفي كل عام يا رسول الله؟ وأعاد السؤال ثلاث مرات بدون أن يجيبه الرسول عليه الصلاة والسلام وكان عليه أن لا يعيد ثانية وثالثة لان ما سأل عنه كان السكوت عليه من طرف الرسول صلى الله عليه وسلم مقصودا وهو من قبيل التيسير على الناس لأنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد السؤال للمرة الثالثة: لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم. ولقد نهى القرآن الكريم عن السؤال الذي لا موجب له وقص علينا خبر بني إسرائيل الذين أكثروا من السؤال فكان الجواب مزيدا من التشديد وكانوا هم السبب فيه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يكره قيل وقال وكثرة السؤال. وتوعد عليه الصلاة والسلام بشديد العقاب لمن تسبب بأسئلة في مشقة لنفسه ولغيره من المسلمين وقد كانوا في حل منها. والسكوت من طرف المولى سبحانه وتعالى أو من طرف الرسول صلى الله عليه وسلم هو من قبيل الرحمة بالناس لا من قبيل الغفلة عن ما يسال عنه. ولسنا في حاجة إلى مزيد التفصيل في بيان مناحي التيسير والتسهيل والرحمة بالناس في مبادئ الإسلام الحنيف إذ لذلك مجالات ومناسبات أخرى. إنما نريد ونحن نتحدث عن الحج أن نؤكد أن من لا يجب عليه الحج لعدم استطاعة بدنية أو مالية لا ينبغي له أن يعتقد أن أبواب الطاعة والبر والخير قد أوصدت أمامه فهي عديدة وكثيرة جدا لا تحصى إذ له في بقية العبادات والقربات والطاعات العوض الكافي. فهناك الصلاة والصوم وهناك الذكر والتسبيح وهناك صلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهناك إصلاح ذات البين وقضاء حاجات المحتاجين، بل هناك إماطة الأذى عن الطريق، وهناك حتى الصمت إذ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت). وإذا كان من لا يستطيع الحج هذه أبواب العوض مفتوحة أمامه فان من يسر له الله أداء هذه الفريضة فان عليه أن يستعد كامل الاستعداد لأداء هذا الركن من أركان الإسلام فليس الحج سياحة ولا هو سفرة للتجارة وتحقيق الأرباح وإنما الحج عبادة لله ثوابها إن أديت على أحسن الوجوه أن يخرج من قام بها من ذنوبه كيوم ولدته أمه وإذا كان هذا الحج مبرورا فان ثوابه الجنة. وعلى قدر الجزاء العظيم الذي أعده المولى سبحانه وتعالى لمن كان حجه مبرورا ينبغي أن يكون الجهد المبذول فيه كبيرا ابتداء بالنية إذ ليس للعبد من أي عمل يقوم به إلا ما كان مصحوبا بنية تكون خالصة لوجه الله ثم ما يتبع النية من ضرورة تحري المال الحلال ذلك أن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا ومن قال من الحجيج: لبيك اللهم لبيك ومال حجه حلال أجابه ربه: لبيك وسعديك. ومن قال: لبيك اللهم لبيك ومال حجه حرام أجابه ربه لا لبيك ولا سعديك... كما أن للحج أركانا وسننا لابد من أدائها لان المولى سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا أصوبه ومن هنا تأتي ضرورة العلم بأحكام الحج الأساسية ووجوب السؤال عنها (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) حتى لا يذهب جهد الحاج البدني والمالي سبهللا. ولا شك أن للحج وأركانه وسننه حكما وأسرارا لابد من السعي لإدراك بعضها تحقيقا للموعظة والعبرة فللتجرد من المخيط والمحيط مغازيه وعبره، وللطواف بالبيت مغازيه وعبره، وللسعي بين الصفا والمروة مغازيه وعبره، وللوقوف بعرفات مغازيه وعبره، ولرمي الجمرات ونحر الهدي مغازيه وعبره، وقد أطنب في بيانها العلماء من قديم الزمان بما فتح الله به عليهم. فإذا استحضر الحاج الأحكام والحكم واستصحب الآداب وما يوحيه جلال الكعبة وهيبة الموقف على عرفات والنزول إلى منى ورمي الجمرات ثم وقف في المواجهة الشريفة للسلام على صاحب الرسالة والشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصلى في مسجده وروضته فلاشك أن حياته في سائر تصرفاته بعد آدائه لهذا الركن من أركان الإسلام ستشهد منعرجا نحو المزيد من فعل الخير واجتناب الشر وهذا هو الهدف الأسمى الذي تسعى إلى تحقيقه كل العبادات والطاعات.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.