تفسير سورة القيامة


بسم الله الرحمان الرحيم

يقول الله تبارك و تعالى بعد اعوذ باله من الشيطان الرجيم (لا تحرك به لسانك لتعجل به ’ ان علينا جمعة وقرانه فاذا قراناه فاتبع قرانه ثم علينا بيانه , كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الاخرة وجوه يومئذ باسرة تظن ان يفعل بها فاقرة كلا اذا بلغت التراقي و قيل من راق وظن انه الفراق و التفت الساق بالساق الى ربك يومئذ المساق ) صدق الله العظيم

ان سورة القيامة هذه من السور المكية و انها تبحث في مجموعها احوال النفس البشرية و مشاهد القيامة و لقد جاءت الايات الاربع الاول متعلقة بالنبي صلى الله علية وسلم بتلقيه للقران الكريم ذلك انها تحمل توصية النبي صلى الله علية وسلم بان يقاوم في نفسه طبيعة التعجل البشرية لانه ليس من النوع العادي و لان ما يتلقاه من ربه من كتاب مبين يستحق التريث و التثبت فلا يدفع التوق و الشوق اليه لسانك يا رسول الله الى التعجل فالله تكفل بجمعه بين يديك من صدرك و يحفظه من كل تحريف او تبديل او ضياع , و ما على الرسول الا ان يبلغه و يتبع تلاوة’ و ما عدا ذلك من كل شيء حتى من توضيحه و تبيينه و تيسير حفظه و فهمه قد تكفل به من انزله قرانا عربيا مبينا غير ذي عوج ’ الى كل هذه المعاني التي اراد الله ان يقرها في نفس رسوله , وان يفصل بها بين اشياء مرتبطة متصلة قلت الى كل هذه المعاني اشار القران بقوله (لا تحرك به لسانك لتعجل به ’ ان علينا جمعه وقرانه ) (اي تيسير قراءته )( فاذا قراناه فاتبع قرانه ثم علينا بيانه) و يعود السياق بعد هذا الاعتراض الطريف الجميل الي الحديث عن احد الغرضين الرئيسيين في السورة و هو الحديث عن النفوس البشرية فيقول (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الاخرة)ان هذه حقيقة سرمدية يشترك فيها الابرار و الفجار

.و المؤمنون و الكفارة لا يعصم منها ربك الا من طهرهم برسالته و نبوته او من زكاهم بولايته و معرفته ان النفوس البشرية مجبولة على حب العاجل و الارتماء بين احضان المنافع القربية و القران الذي هو سبيل الله و هدية المبين ما ينفك يؤكد في كل مناسبة على توخي جانب الحكمة و الانصاف بيعد النظر و الموازنة الدقيقة بين النافع لا من حيث القرب و البعد فقط بل من حيث الدوام و الزوال.

و من حيث الانعكاسات و الاثار ,اذكم من لذة عابرة تكون سبيلا الى شقاء طويل الامد مرير العاقبة , وكم من لذة نخالها بالمذاق عسلا مصفى في حين انها تبطن سما زعافا و ليس هذا مقصورا على الموازنة بين نعم الدنيا و نعم الاخرة و حسب بل ان نعم الدنيا في حد ذاتها تخضع الى هذه الموازنة الحكيمة ففيها المهم و الاهم و فيها الخاص و العام .وفيها اخف الضررين و فيها و فيها الى غير ذلك , و بهذه التربية العقلية و العاطفية و السلوكية التي يلح القران على تركيزها في النفوس المؤمنة ترتفع موازين القيم عند المسلمين و تنفذ بصائرهم الى حقائق الاشياء فلا يكونون سطحيين في احكامهم مرتجلين في اختيارهم و يابى الله سبحانه و تعالى الا ان يختصر المراحل في اشرطة الحياة الممتدة الطويلة ليوقف المؤمنين الصادقين امام النتائج المنتظرة وجها لوجه فيستخلص العقلاء منهم العبرة و يقفون قبل الوقوع في الهوة فلنستمع اليه يقول " وجوه يومئذ ناضرة الى باسرها ناظرة ووجوه يومئذ بايرة تظن ان يفعل بها فاقرة " انه للتقسيم الدقيق لصنفي البشر اللذين تنصهر فيهما جميع الاصناف الفرعية الأخرى لا يمكن ان يكون الناس إلا مؤمنين يعملون من اجل يوم تبيض فيه وجوه و تسود وجوه او عابثين لا هين يحسبون انهم خلقوا عبثا و انهم الى ربهم لا يرجعون و بدون شك فان وجوه الاولين ستكون جميلة مشرقة يوم تتكشف لهم الحقائق البعيدة ويوم يؤتيهم الله سبحانه و تعالى طاقة ربانية لا تصل اليها عقولنا اليوم يستطيعون بتلك الطاقة ان تتمتع وجوههم و ابدانهم لا عيونهم فقط برؤية النور الازلي و التمتع بالله جل جلاله و جماله سبحانه و تعالى هو القادر على كل شيئ , فلا حاجة اذا الى ان تؤول الاية بما اولها به الزمخشرى من جعل كلمة ناظرة مؤدية لمعنى منتظرة ثواب ربها.

مدعما ما ذهب اليه بقول الله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو الطيف الخبير) لأن الكيف والأبصار الذين يفر منهما الزمخشري وجماعته غنما يتسلطان على النظر بالعين المجردة في دنيا الفناء أما النظر يوم القيامة فقد أسلفنا انه من نوع غير متعارف وليس ذلك على الله بعسير، هذه وجوه المؤمنين العاملين الصادقين اما وجوه المفرطين العابثين اللاهين فهي وجوه المجرمين الآثمين الذين وقعوا تحت القصاص تراها باسرة كالحة شديدة العبوس تنتظر ما سينزل بها من مصيبة الفاقرة والداهية العظيمة التي تقصم فقار الظهر، وان هذا المشهد المريع الذي تصطك من هوله المفاصل والأضراس لكفيل بأن يعيد التوازن لدى أولئك الذين قدوه وسلب منهم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.