نفي الازدواج بين القول والفعل هو المقياس الحقيقي للتدين الصادق

نفي الازدواج بين القول والفعل هو المقياس الحقيقي للتدين الصادق


يكثر الاقبال في شهر رمضان على ارتياد المساجد وحضور الدروس واداء صلاة التراويح والتصدق على الفقراء والمساكين. وكل ذلك عمل طيب يؤجر عليه المسلم ويثاب لكن الذي لا يبرر للمسلم هو انتظار هذا الشهر الكريم لترك المعاصي والذنوب واتيان الواجبات والفروض والتقرب الى الله بالنوافل حتى اذا انقضى هذا الشهر وودع عاد المسلم الى ما كان ياتيه من معاص وموبقات وترك ما فرض الله عليه فضلا عن النوافل والسنن وتصبح العملية كانها الحيلة التي يلتجا اليها ضعاف النفوس والارادة لكن هيهات ان تخفى مقاصدهم وغاياتهم عن علم ربهم الذي يحاسب على النوايا والمقاصد والاعمال وسائر التصرفات. لا ننكر ان الايام والاشهر والاماكن تتفاضل عن بعضها البعض، فيوم الجمعة هو افضل ايام الاسبوع وفيه يضاعف ثواب العمل الصالح الذي ياتيه المسلم عن بقية ايام الاسبوع. وشهر رمضان واشهر الحج هي اكثر ثوابا واجرا من غيرها من بقية الشهور. وكذلك الامر بالنسبة للاماكن فالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الاقصى لها افضليتها على بقية المساجد وثواب الصلاة فيها يضاعف فصلاة في المسجد الحرام تساوي مائة الف صلاة في ما سواه من المساجد وصلاة في المسجد النبوي تساوي الف صلاة في ما سواه من المساجد وصلاة في المسجد الاقصى تساوي خمسمائة صلاة في ما سواه من المساجد. لكن هذه الأفضلية للايام والاشهر والاماكن وهذه المضاعفة لثواب الاعمال الصالحة فيها تقابله مسؤولية ثقيلة وعقوبة مضاعفة في صورة ما اذا اقدم وتجاسر المسلم على المعصية وارتكاب الذنب في هذه الايام والاشهر والاماكن المقدسة كان يشرب خمرا في رمضان مثلا او يرتكب موبقة في الحرم !! وكثيرا ما يقع ذلك من الاشقياء عميان الابصار والبصائر فيهلكون ويتردون في هوة العذاب السحيقة. اننا لا نناقش في تخصيص هذه الايام والاشهر والاماكن بعناية خاصة فذلك مندوب ومرغوب فيه للمسلم بل ان وجود هذه المواسم هو مظهر من مظاهر رحمة الله بعباده وحبه لهذه الامة الإسلامية فيتحقق لها في هذه المواسم من الاعمال الصالحة ما لا يتحقق الا في السنوات الطويلة. وما ليلة القدر التي هي خير من الف شهر الا دليل ومثال لذلك. اننا نلاحظ في شهر رمضان نشاطا دينيا مكثفا في المساجد والنوادي ووسائل الاعلام التي تكثف في مادتها الاعلامية فتكثر المسلسلات والندوات والمواعظ والاحاديث فضلا عن الاناشيد والابتهالات حتى اذا انقضى رمضان عادت الى بث حصة أو حصتين في الاسبوع قد لا يكون موعد بثهما مناسبا لمتابعتهما وما سوى الحصتين فطرب وغناء وبث على الهواء واحاديث لا تتجاوز الحديث العادي بل كثيرا ما تكون دونه بكثير بحيث يفرض على السامع والمشاهد ان يجلد بترهات وبسائط وترد في الذوق والخلق في اجهزة المفروض فيها ان لا تسخر الا لطاقات قادرة على العطاء والبذل واضحة في اذهانها اهمية هذه الاجهزة وخطورة دورها وتاثيرها على الافراد والاسر وكل المجتمع. • انه انخرام في التوازن ندعو الى معالجته فتكثيف الحصص الدينية في رمضان شيء طيب نشكر عليه كل اجهزتنا الاعلامية والتثقيفية والدينية ونطالبها بالمزيد كما نطالبها بالنفاذ الى جوهر الاسلام واعماق معانيه فيغتنم هذا الشهر وشفافية روح المسلم فيه لتركيز الجانب الخلقي والسلوكي والعلمي من الاسلام. • فالله تبارك وتعالى ما فرض الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان واداء الزكاة وحج البيت الا لكي تترك آثارها الايجابية في اخلاق المسلم ومعاملاته ذلك ان الاسلام هو دين المعاملة ودين النصيحة ودين الخلق الرضي بمفهومه الواسع الشامل الذي يتجاوز الابتسامة الصفراء والكلمة المعسولة. • ويا للاسف الشديد فهذا الجانب من الاسلام هو الذي اختفى اليوم في مجتمعاتنا العربية الإسلامية وقل ان نظفر بمسلم او مسلمة تذكرك سيرته بالسلف الصالح الذين كانوا اسلاما يمشي على الارض • وما لم يحل هذا الاشكال في حياة المسلمين بنفي الازدواج بين القول والفعل والشعار والتطبيق فانه لا يمكن القول بان اوضاع المسلمين في تحسن وان اكتظت بهم مساجدهم وطالت لحيهم وازدحمت بهم البقاع المقدسة في الحج او العمرة. • لا يمكننا ان نقول ان المسلمين يعيشون في صحوة حقيقية الا اذا رايناهم مثالا للاستقامة في السلوك والجد في العمل والتفاني في العطاء والبذل آنئذ يكونون بحق خير امة اخرجت للناس • ان التوعية بان عبادة الله والوقوف عند حدوده ينبغي ان تكون في سائر الايام والاشهر وعلى مر السنين وانها ليست طقوسا ورسوما خالية من الروح بل فرائض تقوي صلة العبد بربه ومحطات يتزود منها بخير زاد ليتغلب بعد ذلك على اهواء النفس الامارة بالسوء والشيطان الرجيم اللذين يسعيان بجد لاغواء الانسان واطغائه. • هذه هي المعاني التي ينبغي ان تتظافر الجهود لتركيزها من طرف الائمة في المساجد والوعاظ في حلقات الدرس والاساتذة والمربون والموجهون والسياسيون كل في ميدانه. اما اذا اقتصر الامر على مجرد الاحتفال الشكلي والفلكلوري بالمواسم الدينية والاعداد المادي لها فستبقى النتائج المرتقبة دون المامول وستكون الاثار ضعيفة جدا في حياة الناس الخاصة والعامة كما هو الحال.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.