من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع (الحلقة السابعة عشرة): ضرورة الورع ومراقبة الله في ما يأتيه من تصرفات

من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع (الحلقة السابعة عشرة): ضرورة الورع ومراقبة الله في ما يأتيه من تصرفات


يقول الله تبارك وتعالى بعد أعوذ من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم: “يا أيها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون” 88 سورة المائدة صدق الله العظيم . لقد اعتنى الإسلام عناية كبرى بحياة المسلم وأحاط بها من جميع الجوانب وفي جميع المجالات فما من شر إلا وقد حذر الله ورسوله المسلم من الوقوع فيه وما من خير ومصلحة إلا وقد أرشد إليه المسلم بكتاب الله أوسنة رسوله عليه الصلاة والسلام . سواء كان الشر والخير فرديا أوجماعيا، عاجلا أو آجلا، جسميا أو نفسيا. ولقد ربط الإسلام ربطا واضحا بين كل الجوانب حياة المسلم فنظمها وحكمها بهدى وتوجيه الشريعة السمحة. وهو بذلك يحارب إزدواجية مقيتة غريبة ألا وهي اختلاف الظاهر عن الباطن واختلاف التصرفات الفردية الشخصية عن التصرفات الاجتماعية. فلا يجوز في شريعة الإسلام أن يكون الإنسان مسلما تقيا ورعا خاشعا في مواسم معينة “الحج أورمضان” مثلا أو يوما من الأسبوع (الجمعة) أو لحظات من اليوم (عند آداء الصلوات). حتى إذا انقضت انصرف إلى دنياه: حلالا وحراما وانهمك في الشبه والريب سواء كان ذلك قولا أو فعلا بيعا أو شراء أو غيرهما. إن حياة المسلم ينبغي أن تكون موجهة كلها في طريق التقوى والطاعة واجتناب المعاصي والمحرمات حتى الشبهات مما يمكن أن يكون فيها شيء من الحرام ، بذلك يكون مسلما صادقا وبذلك يحرز على مرضاة ربه أما إذا لم يكن للشرع في حياته اثر يذكر ، فكيف يحق له أن يعلن ويزهوويفتخر بإسلامه أويطمع في أن يكون له عند الله حظوة ومكانة ؟ إن مثل هذا كمثل رجل اغبر يطيل السفر ويرفع يديه إلى السماء داعيا يا رب يا رب فأنى يستجاب له ومأكله من الحرام ومشربه من الحرام وقد غدي بالحرام ". رواه مسلم. لقائل أن يقول: ما دخل استجابة الدعاء في المأكل الحرام والملبس الحرام والغذاء الحرام ؟ إن الصلة بين ذلك كله واضحة لكل ذي بصيرة فمن يدعوهذا المسافر الأشعث الأغبر ؟ ولمن يرفع يديه ؟ انه يدعوربه ويستغيث به ولكن أليس اللاجدر به أن يراجع نفسه وينظر إلى ما يأكله وما يلبسه وما يأتيه من تصرفات ، هل راقب الله فيها ربه الذي يدعوه في كل ذلك؟ هل اجتنب ما نهاه عنه من محرمات ومكروهات ؟ هل حكم شرع الله في إقدامه وإحجامه؟ هل توقف ولو برهة في ما سيدخله إلى جيبه وبيته وبطنه وبطون ابنائه وأفراد عائلته حتى يكون حلالا لا شبهة فيه ولا ريب ؟ لا شك أن القليل القليل من الناس من يأخذ نفسه بهذا الحساب الشديد ولكن الغالبية العظمى من الناس يخلطون الخبيث بالطيب والحلال بالحرام والصافي الطاهر النظيف بما فيه شبهة وشك. ولا عجب أن يكون جواب الله على طلبه ودعائه الرفض عندما يقول لبيك يقول الله له لا لبيك ولا سعديك وعملك ودعاؤك مردود عليك لماذا؟ لأنه لم يراقب الله في بيعه وشرائه في مأكله ومشربه وملبسه. لم يراقب الله في شركائه وخلطائه وإجرائه . فإذا أراد المسلم أن يكون موصولا بربه فليعتقد أن ذلك لا يتحقق بمجرد إتيان ما فرض الله من فرائض وما شرع من عبادات هي لا شك أركان الإسلام الثابتة بل ينبغي يضاف إليها كل التصرفات والمعاملات الاجتماعية التي يأتيها الفرد. اسمعوا النصيحة الموجزة البليغة التي أسداها الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه ولكل من يريد أن يسلك سبيل الرشاد قال سعد ابن أبى وقاص خال الرسول عليه الصلاة والسلام واحد العشرةة المبشرين بالجنة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم “أريد أن أكون مستجاب الدعوة ، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم”أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" ما ابلغه من جواب ولكن ما أصعب تحقيقه إلا على من وفقههم الله وسدد خطاهم وأعانهم على أنفسهم الإمارة بالسوء. عندما يجعل المسلم كل ما يدخل إلى بطنه طيبا حلالا لا شبهة فيه ولا حرمة ولا حق فيه لاى إنسان آنئذ يستجيب الله لدعائه ويحقق له مطالبه إن شاء. فإذا تأخرت الاستجابة فالمنطق يفرض علينا أن نحاسب أنفسنا ونراقب ما نأتيه من تصرفات لعل فيها حراما أوشبهة حرام ؟ وقد يجتنب المسلم الحرام الواضح من خمر وربا وميسر ولكنه يستهين بسواها من صغائر الأمور والتي تؤدى به في النهاية إلى الحرام. فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحلال بين الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن وقع الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وأن لكل ملك حمى ألا وأن حمى الله محارمه إلا وألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله وهي القلب " البخاري – مسلم – الترمذي . والشبهات عند العلماء هي ما تجاذبته المعاني وتنازعنه الأدلة اى تجاذبته معاني وعلل الحلية والحرمة وتنازعنه أدلة الحلية والحرمة. فكل الناس تقريبا يعلمون الحلال والحرام ولكن القليل منهم من يعرف المشتبهات. فمن ابتعد عن كل متشابه فقد حفظ دينه وعرضه. ولكن من وقع في هذه المشتبهات يقع على إثرها في الحرام لان صغائر الأمور خيرا وشرا تدفع إلى كبائرها. فمن وقع في الشبهات وقع في المحرمات، والمحرمات هي حمى الله. ولقد كان السلف الصالح وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير ليفعلوه وعن الشر ليجتنبوه فهذا الصحابي وابصة بن معبد رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا ادع شيئا من البر والإثم إلا سالت عنه فقال لي: ادن يا وابصة فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته فقال لي: يا وابصة: أخبرك عما جئت تسال عنه قلت بلى يا رسول الله اخبرني قال: تسال عن البر والإثم؟ قلت نعم، فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول يا وابصة استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وان افتاك الناس وأفتوك" رواه الإمام احمد. فالبر بمعنى الطاعة المقربة من الله ، هوما تطمئن إليه النفس ويطمئن إليه القلب، ما يجد فيه المؤمن راحة الضمير والرضا التي تتحقق بإتيان ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه، فالطمأنينة تتحقق بالذكر الدائم لله ليس باللسان وإنما بالقلب وسائر الجوارح، ذكر يمنع من الوقوع في المعاصي ويرغب في فعل الطاعات ويحببها لنفس المؤمن هذا هوالذكر المعنى في كتاب الله بقوله جل من قائل “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” أما الإثم فهوما يبدأ في الصدر بوسوسة النفس الأمارة بالسوء ومعاضدة الشيطان اللعين وهوما وقع إضماره في الصدر وتردد فيه . تلك هي حقيقة الإثم وفي رواية أخرى وكرهت أن يطلع عليه الناس انه وحى الله لرسوله الكريم وإلا فمن أين لرسول الهم صلى الله عليه وسلم أن يدخل إلى أعماق النفس البشرية فيسبر أغوارها ويعرف أسرارها ويشخص أمراضها وأدواءها ثم يقدم لها علاجها الشافي وصدق الله حين يقول “وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي”(النجم). ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب أروع الأمثلة لأصحابه في ترك ما فيه شك وريب تورعا وخشية من الله. فلقد روى البخاري عن انس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فقال:لولا إني أخاف أن تكون من الصدقة لآكلتها. فكل ما فيه شك وريب ينبغي على المسلم أن يتركه. قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، الترمذي والنسائي . فأبوبكر رضي الله عنه قدم له غلامة ذات يوم لبنا ليشربه فشربه ولم يسال الغلام عن مصدر هذا البن على عادته في سؤال الغلام عن كل طعام يقدمه إليه ففي هذه المرة لم يسأله فقال مالك لم تسألني اليوم عن مصدر هذا الطعام فقال أبوبكر رضي الله عنه من أين هذا البن ؟ فقال الغلام هذا اجر كهانة كنت تكهنتها لأهل بيت في الجاهلية فلم يعطوني اجري حتى جاء الإسلام فأعطوني اجري اليوم فأتيتك به فجعل أبوبكر يستقي ، حتى تزهق روحه . فالتقوى لا تتحقق إلا بالورع فقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به لما به باس”الترمذي. وسال رجل النبي صلى الله عليه وسلم: ما الإثم قال: إذ حاك “وقع في القلب” في نفسك شيء فدعه.قال: فما الإيمان ؟ قال:إذا ساءتك سيئتك وسرتك حسنتك فأنت مؤمن "الإمام احمد. فالإثم ما تردد في الصدر من الشر وعلامة الإيمان أن تسوء السيئة فلا يزينها الشيطان وأن يجد المؤمن فرحة وسرورا بالحسنة روى انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:ثلاث من كن فيه استجوب الثواب واستكمل الإيمان: خلق يعيش به في الناس وورع يحجزه عن محارم الله وحلم يرد به جهل الجاهل "البزار. وروى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع "الطبراني وروى أبوهريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله“كن ورعا تكن اعبد الناس وكن قنعا تكن اشكر الناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا واحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما واقل الضحك فان كثرة الضحك تميت القلب”ابن ماجة والترمذي. وروى عن نعيم بن عمار الغطفاني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : بئس العبد عبد تجير واختال ونسي الكبير المتعال ،بئس العبد عبد يستحل الدنيا بالدين بئس العبد عبد يستحل المحارم بالشبهات بئس العبد عبد هوى يضله ، بئس العبد عبد رغبته تذله "رواه الطبراني والترمذي.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.