من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع (الحلقة الحادية والعشرون): الصدق أساس كل خبر للفرد والمجتمع

من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع (الحلقة الحادية والعشرون): الصدق أساس كل خبر للفرد والمجتمع


يقول الله تبارك وتعال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرحيم بسم الله الرحمان الرحيم: “يا أيها الدين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” صدق الله العظيم (التوبة). من الأخلاق الكريمة والمثل السامية التي ركزها الإسلام في نفوس المؤمنين فضيلة الصدق. وهي أساس كل خير للفرد والمجتمع. في النشأة عليها وتوطين النفس وتعوييدها عليها خير عميم واجر كبير. ولقد كان الصدق في القول صفة الأنبياء والرسل عليهم السلام الذين اصطفاهم الله واختارهم لإبلاغ رسالاته إلى عباده وائتمنهم على وحيه المنزل ليكونوا مثلا عليا يقتدي بهم الناس ويسيرون على منوالهم. من ذلك قوله سبحانه وتعالى في سياق المدح لخليله إبراهيم عليه السلام “واذكر في الكتاب إبراهيم انه كان صديقا نبيا” فصدقه وتصديقه خلد ذكره في الكتب المنزلة وعلى رأسها القران الكريم. وإسماعيل عليه السلام ابنه سار على نهجه وطريقه صادقا صديقا فاستحق علوالشأن وطيب الذكر والثناء من رب العالمين في كلامه العزيز حيث يقول “واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا” وكذلك كان إدريس عليه السلام إذ تحدث الله عنه في محكم تنزيله “واذكر في الكتاب إدريس انه كان صديقا نبيا” (مريم). فكل أنبياء الله ورسله عليهم السلام وهم صفوته من خلقه كانوا في اعلي مراتب الصدق. بل أن الصدق قبل البعثة وبعدها هوشرط الاختيار والاجتباء الإلهي وهوالعمود الفقري والأساس لتحمل الرسالة والأمانة . ولا يمكن أن يشذ عن ذلك نبي أورسول من رسل الله فهذا نبينا ورسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان قومه وأهله في الجاهلية قبل الإسلام يلقبونه بالصادق الأمين ويتقبلون كل خبر أوقول يصدر عنه لأنهم جربوه وعرفوه وخالطوه وجاوروه وسافروا معه فلم يجدوا في أقواله زيادة ولا نقصانا ولا تحريفا . فما إن أعلن للناس خبر بعثته حتى اقبلوا عليه وصدقوه إلا النزر القليل منهم ممن اعمي الحقد والحسد قلوبهم فأنكروا الشمس في رابعة النهار، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعمل حجة الصدق وعدم تجربة الكذب عليه لإقناعهم بان من ترك الكذب على الناس لا يمكن أن يكذب على الله وأن الصدق عادة وجبلة تتعودها النفس. كان يقول للكافرين “إن الرائد لا يكذب أهله ارايتم لوقلت لكم أن جيشا وراء الجبل امصدقى ؟ اننى أنذركم من عذاب يوم عظيم”. وعندما أوقف هرقل أبا سفيان بين يديه يسأله عن النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن دعوته وسيرته قبل البعثة وبعدها سال هرقل آبا سفيان "هل جربتم عليه الكذب قبل ادعائه الرسالة ؟ قال أبوسفيان : لا . قال هرقل: ما كان ليترك الكذب عليكم ويكذب على الله ؟ لا غرابة أن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم من أول أوليات عمله في بناء مجتمع الإسلام تربية إفراده على الصدق في القول، الصدق مع الأهل والأولاد، الصدق مع الزوجة، الصدق مع الاجوار، الصدق مع الشركاء، الصدق مع كل فئات المجتمع. فالصدق سبب لنجاح كل الأعمال وصلاح كل الأحوال وقوة كل العلاقات بين أفراد المجتمع. والصدق عمل من أعمال اللسان واللسان مصدر من مصادر الخير أوالشر والهلاك أوالفلاح وقديما قيل “المرء بأصغريه قلبه ولسانه” والرسول صلى الله عليه وسلم أنكر نكيرا شديدا على الذي استهان بعمل اللسان وفعله وقال رادا على من سأله “أفنؤاخذ بما تنطقه ألسنتنا” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ثكلتك أمك وهل يكب الناس في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟”. إن الصدق يتمثل في مراقبة الله سبحانه وتعالى في كل كلمة ينطق بها اللسان وتحرى الصدق والمسؤولية أمام الله عليها فان الإنسان ينطق بالكلمة لا يحسب لها حسابا تهوى به سبعين خريفا في نار جهنم. لهذا حذر الإسلام تحذيرا شديدا من ترويج الأكاذيب والأباطيل بين الناس وتزييف الحقائق بغرض التقرب ممن يكذب عليه أوبغرض بث الفتنة والبغضاء والكراهية بين المتحابين المتوادين وإفساد العلاقة بينهم لتعكير صفوهم وإفساد ذات بينهم وهي الفتنة الحالقة التي تحلق المجتمع وتحلق الخير فيه كما يحلق الموسى شعر الرأس . يجب على المسلم أن يصدق في حديثه ويراقب الله في شهاداته ويتذكر انه سيسال عن كل ما قدمت يداه ونطق به لسانه أما عاجلا في الدنيا لان الكذاب يفضح ويتبين للناس تزييفه في الآخرة ينتظره من الله سبحانه وتعالى عذاب شديد. لقد أمر الإسلام المسلمين بالاحتياط والتثبت فيما يبلغهم من أخبار وما يروج بينهم من أقوال قد تكون دوافعها شريرة وأغراضها خسيسة. يقول الله تبارك وتعالى “يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” (الحجرات). فالاحتياط والتثبت فيما يتعلق بأعراض الناس وحقوقهم وأموالهم مما أوجبه الله على المسلمين حتى يردوا كيد الكذابين المفترين الذين وجدوا في كل زمان وفي كل مكان والذين لم يسلم منهم حتى الرسل والأنبياء عليهم السلام فيوسف عليه السلام ادخل السجن ولبث سنوات طويلة افتراء وبهتانا واختلاقا ، ولكن الصادق لا يخاف ولا يخشى فحبل الباطل قصير ومصير المفترين الفضيحة والعقاب وسخط الخالق والمخلوق إن لم يتوبوا من قريب ويبتعدوا عن طريق الاختلاق والافتراء والكذب أنهم يلعبون بالنار ويعرضون أنفسهم وأولادهم وممتلكاتهم وكل أعمالهم للهلاك في الدنيا قبل الآخرة. والسيدة عائشة أم المؤمنين افترى عليها واتهمت في عرضها وألصقت بها ابشع التهم كذبا وافتراء وبهتانا ولكن عين الله التي لا تنام ورعايته وحفظه لعباده الذين يتوكلون عليه ويعتمدون عليه ويلتجئون إليه بالدعاء في ظلام الليل الدامس تحرسهم وترعاهم وتكلاهم وتحفظهم من كيد الكائدين وشرهم . نجى الله يوسف وخاصة من السجن وبوأه أعلى المقامات وخاب وخسر المبطلون المفترون ووقفوا بين يدي يوسف يعتذرون. وكذلك برا الله أم المؤمنين من كذب الكذابين وانزل فيها قرانا يتلى إلى اليوم بين الناس “وتحسبونه هينا وهوعند الله عظيم”. إن الصادقين والصديقين هم عند الله في اعلي عليين “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” (الأحزاب). لا عجب أن يقول الرسول الله صلى عليه وسلم “إن الصدق يهدى إلى البر والبر يهدى إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدى إلى الفجور وآن الفجور يهدى إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا”. رواه البخاري ومسلم فالصدق طريق الجنة وطريق السلامة والكذب طريق النار وسبيل الندامة. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أربع من كن فيه فقد ربح الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر”.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.