ما احرى المسلمين ان ينسجوا على منوال هؤلاء “التنانين”

ما احرى المسلمين ان ينسجوا على منوال هؤلاء “التنانين”


مثلما بث الله في الكون وفي الانسان نواميس وقوانين، العاقل من اعتبرها وجعلها في حسابه وبنى حياته ونشاطه وسائر تحركاته وتصرفاته عليها فانه سبحانه وتعالى جعل في حياة الأفراد والمجتمعات قوانين ونواميس معنوية هي منطقية ومعقولة لا تتخلف فيها النتائج عن الأسباب اللهم الا بخرق العادة وخرق العادة من قبيل المعجزة انتهى بختم الرسالات . ومن هذه القوانين الواضحة الجلية التي نراها في حياة الأفراد والمجتمعات ان اكتساب العلوم والمعارف انما يكون بطلبها وتحصيلها والاجتهاد في ذلك والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل رفع الجهل والانتقال من الاستهلاك في هذا المجال الى الخلق والابداع والابتكار كما ان القضاء على الفقر والحاجة والحرمان والتخلف على مستوى الأفراد والشعوب انما يكون بالجد والكد والعمل الذي لا يعرف التوقف والسعي الذي يرى فيه ويلاحظ بذل الجهود الذي بدونه لا سبيل الى ان يشبع جائع أو يكسى عار أو يتحقق كفاف.وكذلك الأمر بالنسبة لصد الأعداء والوقوف في وجه الغزاة فانه لا بد من اعداد العدة المعنوية والمادية والبشرية وكذلك الشأن بالنسبة للمسائل الجسمانية الصحية فان التداوي وقبل ذلك التوقي والاحتياط هما السبيلان الوحيدان لتحقيق السلامة والمناعة الجسدية. وكثيرا ما يحتاج تحقيق هذه الآمال والتطلعات بعد القيام بما يجب من طرف المعني بالأمر الذي منه وبه يبدأ التغيير (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) يحتاج الى الاستعانة بالآخر والاقتباس منه ومد الجسور معه وكثيرا ما يكون هذا الآخر مختلفا معنا في اللغة والتاريخ والمعتقد واغلب الخصائص والمميزات وهنا يثار التساؤل بالنسبة للمسلم: هل ننغلق عن انفسنا (وهو امر اصبح اليوم مستحيلا) وننتظر ساعة رحيلنا عن هذا العالم وانتهاء الحياة في الكون لنسعد برضوان الله ونعيمه في جنانه؟ وهو الأمر غير المضمون لأن الاسلام ربط بين الدنيا والآخرة ولا يمكن ان يامل في رضوان الله ونعيمه في الجنة من اهمل دنياه واثر الجهل على العلم والدعة والاسترخاء على الجد والكد والتواكل والتكاسل على الاعداد والاستعداد والأخذ بالأسباب، ومن جعل من تصرفاته سببا لكي يكون المسلمون عالة على غيرهم في مؤخرة القافلة ايديهم هي السفلى وايدي غيرهم هي العليا. ولا شك ان كل العوامل تتظافر على التاكيد بان دين الاسلام يابى على المسلمين الذلة والضعف والمهانة ويدعوهم بصريح النصوص القرآنية والسنية الى تغيير ما بانفسهم والتوكل على الله فضلا عما تهدي اليه العقول النيرة وسواء صح ذلك الأثر ام لم يرتق الى درجة الصحة فانه سيظل علامة مضيئة على فتح الاسلام للأبواب على مصراعيها لطلب المعارف والعلوم في اي مكان من العالم مهما كان نائيا وبعيدا “اطلبوا العلم ولو في الصين” أثرا خالدا وبرهانا ساطعا على عقلية ايجابية وفعالة لا تعرف الكلل أو الملل تتفانى في سبيل طلب العلم وتعتبره عبادة ويقع التفاضل بمقدار ما يحصل منه الناس (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (يرفع الله الذين آمنوا والذين اوتوا العلم درجات) فطلب العلم والمعرفة في الاسلام هو من المهد اللحد، وسالك طريق طلب العلم هو سالك الطريق الى الجنة، وطالب العلم يستغفر له الله كل ما في الكون من المخلوقات حتى حيتان البحر. المهم هو ان يكون هذا العلم نافعا بقطع النظر عن جنس أو لون او دين أو معتقد المعلم لذلك العلم، الم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم (الحكمة ضالة المؤمن اين وجدها التقطها)؟ الم يطلق سراح الأسرى من الكفار الذين تعهدوا بتعليم المسلمين القراءة والكتابة؟ فكل هذه الآثار هي خير دافع للمسلمين اليوم كي لا يستكنفوا عن الاقتباس من غيرهم والاستفادة من علوم الآخرين والتتلمذ عليهم وتعلم لغاتهم (فمن تعلم لغة قوم امن شرهم) وفي بعض الأحيان لا تكون الاستفادة من الآخرين بمجرد تحصيل وتلقي ما عندهم من معارف وعلوم بل تكون ايضا بالاستفادة بما لديهم من عادات حسنة وتصرفات مفيدة واخلاقيات يتعجب الانسان عندما يجدها تتطابق تمام التطابق مع ما صرحت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة و ذلك مثل التفاني والإخلاص في العمل والسعي الى جعل الانتاج وافرا وجيدا قادرا على المنافسة كل ذلك بدوافع معنوية ونفسية واعتقادات راسخة بان اعز المراتب واشرفها مرتبة العمل والكد الى حد الانهاك مع ما في ذلك من شطط في بعض الاحيان يكون على حساب طاقة الانسان وقدرته وقوته الجسمانية ومن الأمم والشعوب التي اصبحت اليوم مضرب المثل في الخلق والابداع وتحقيق المعجزات البشرية شعوب جنوب شرقي آسيا، هذه الشعوب التي قلبت الموازين ويوشك ان يصبح مقود البشرية في المجالات العلمية والمادية والاقتصادية بين ايديها، انها ما يسمى بالتنانين الآسيوية، لم تعد تنينا واحدا هو اليابان بل لحق باليابان كوريا وتايلاندا وسنغفورا وهونغ كونغ وحتى الفيتنام، أما الصين فحدث عن المعجزة ولا حرج فاغلب هذه الشعوب هي من ذوات الكثافة السكانية المرتفعة والثروات المادية المحدودة جدا وهي مجتمعات شرقية ذات معتقدات وتاريخ موغل في الغيبيات والروحانيات ومع ذلك فانها استطاعت بسر يمكن التعرف عليه واكتشافه من افتكاك مقود الانتاج والاختراع من ايدي الأروبيين والأمريكيين وما ذلك الا بالمحاكاة والاقتباس وتقديم الإضافة فتحصيل العلوم والمعارف والمهارات هو ضالتهم المنشودة لكانهم يعملون بالأثر القائل (الحكمة ضالة المؤمن اين وجدها التقطها) وما أحرى المسلمين اليوم ان ينسجوا على منوال هؤلاء.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.