لا للانتقاد المغرض نعم للنصيحة الصادقة

لا للانتقاد المغرض نعم للنصيحة الصادقة


منذ أن درج الإنسان فوق مسرح الحياة صحبته أوصاف لا تكاد تفارقه إلا نادرا فقد كان و لا يزال مغرما باستقصاء عيوب غيره، يقظا إلى أبعد الحدود اليقظة في التنبيه إلى أبسطها وأدقها وأخفاها فهو يضخمها ويهولها ولا يلتمس لصاحبها عذرا وينهال عليه نقدا لاذعا. كله استنقاص وسخرية وعداء ونراه يتعامى عن الكمالات كأن بعينيه قذى أو كأنه في غفلة وذهول عنها أو كأنها من توافه الأشياء التي لا يؤبه بها ولا يقام لها وزن. كل الأشياء في نظره عادية مهما كانت جميلة ورائعة إذ ما وهبه الله للانسان من يقظة وتنبه وحيوية هي نعم معطلة إذ لم يرد منها تسجيل الخير والاشادة به وبأصحابه وهي مؤدية رسالتها على أكمل وجه إذا ما أريد منها ذلك المؤمن الحق يجب أن يكون مرآة أخيه وهل رأينا المرآة تبدي من الانسان دمامته وقباحته وتحجب عنه ما فيه من حسن وجمال. الأخوة الصادقة تصفو مرآتها فتظهر الخير خيرا مجسما وتبرز الشر كما هو بدون تفضيع ولا تهويل ولا شماتة، لو تحققت هاته الأخوة لعاش الناس في المجتمع المثالي الذي تحلم به الانسانية منذ نشأتها ولم تظفر به إلا في فترات قصيرة هي إلى الأطياف أقرب منها إلى الحقائق الماثلة. إن الانسان مهما قويت مدراكه وسما تفكيره في حاجة إلى أخ يراقب سلوكه ويتعهد أفعاله وأقواله ليرى منها ما لا يرى من نفسه فلكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة. والمؤمن بأخيه يأخذ بيده بلطف وحنان. فينهضه من كبوته ليستأنف السير من جديد مستخلصا من عثرته العبرة وآخذا منها درسا عمليا يفيده في ما يعترضه من مشاكل معقدة هكذا نرى الإسلام يتعهد منا هذا الضعف البشري وهذه الغرائز الشريرة ويقدم لها أنجع الأدوية فيدعونا ملحا إلى مراقبة أنفسنا وضبط ما يصدر عنها من أقوال وأفعال حتى تستهين بصغائر الأمور وتوافه الكلم. فرب كلمة يقولها العبد ولا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا والمؤمن الكامل هو الذي يجعل نفسه ميزانا في ما بينه وبين الناس فيحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكرهه لها إنه مجبول على كراهية الاستنقاص والنقد المسموم الهدام إذا ما واجهه بذلك احد فكيف لا يتصور نفسه هدفا لما يجعل الناس غرضا له من ثلب واغتياب واستنقاص؟ وما دمنا نؤمن بأن الغلط والنسيان من خصائص الجنس البشري فلما نشدد النكير على من لم يخرق النواميس البشرية. ولم يشذ بما يخالف العادة؟ لماذا لا يلتمس المؤمن لأخيه العذر وهو لو كان مكانه واحاطت به ظروفه لما أفلت مما وقع فيه أخوه؟ تصاب الأمة بطائفتين منها هما أشد خطرا عليها من عدو خارجي يهدد كيانها ويتربص بها الدوائر أولى هاتين الطائفتين هم أولئك الانطوائيون الذين تعظم في اعينهم صغائر الأمور. فيداهمهم اليأس الأسود ويرددون في جهل وسوء تأويل قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فيعيشون في عزلة تامة كأنهم قد انفصلوا عن جسم الأمة في حين أنهم بعض أعضائها وخلاياها ومنها حياتهم وسعادتهم وما اليأس من شيم المؤمن الصحيح الإيمان (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) ولا يستفحل الشر في قوم إذا لم يدفع بصبر ومصابرة وثقة بالله وايمان بالطاقة البشرية التي أودعها الله في الانسان وسخر له بتلك الطاقة الهائلة هذا الكون الجبار بما فيه من حي وجماد. وهناك إزاء هذه الطائفة الميتة طائفة أخرى هي أشد خطرا منها وأعظم ضررا، هذه الطائفة هي طائفة الهدامين الذين لا يملأ عيونهم أي عمل مهما كان عظيما والذين يصدق عليهم قول منقذ البشرية صلى الله عليه وسلم (لو كان الرجل كالقدح المقوم لقال الناس فيه لو ولولا) نرى هؤلاء المصابين بجرثومة النقد والمبتلين بسرطان الاستنقاص إذا ما جاء ابان العمل الجدي يتسللون لواذا كأنهم منه في حل أو كأن كل جارحة منهم قد عطلت ليفسح المجال للسان هو أشد فتكا من لسان الحية الرقطاء يعيشون قابعين منجحرين طالما كانت الأجواء غير ملائمة لبث سمومهم وعند سنوح أول فرصة لهم يشيعون أراجيفهم وينفثون سمومهم المبيدة يتحدث أحدهم عن الإخلاص فتخاله قطبا من أقطاب الدين والوطن يكاد يتميز حمية وحماسا ويطلب المستحيل ويصور المستحيل ويصبح في أجواء الخيال الفسيح وينتقي أبلغ العبارات وأجود الأساليب للتأثير على مخاطبه ودفعه في ذلك الطريق المنحرف الذي هو البلاء العظيم عليهم وعلى الأمة جمعاء. أشرت ان النقد هو لقاح الأفكار وعمارة الخير وعماد السعادة والازدهار وعربون الأخوة الصادقة وكيف لا يكون ذلك وهو ثمرة أنفس طاهرة بريئة تنظر للأمور نظرة مجردة نزيهة فهي إن أصابت الهدف فذاك والا آبت إلى صاحبها مطمئنة راضية مرضية. أين مثل هذه النفس الطاهرة من تلك الأنفس المليئة حسدا وكراهية، المتعامية عن كل خير والمتجاهلة لكل جليل نافع. يجب أن يتقبل توجيه الأولى ولو كان مرا وجارحا بصدور رحبة وثغور باسمة ولا يمكن أن تأخذنا العزة بالإثم ونشيح بوجوهنا عن الناصح الأمين. فلقد حل مقت الله بقوم قال لهم نبيهم(ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) وعلينا أن نفتح آذاننا وصدورنا حتى لما يلقيه المغرضون والذين في قلوبهم مرض من نقد ما أريد به وجه الله فقد تبرز في زحمة آرائهم المتضاربة وأفكارهم المتلعثمة بعض الحقائق التي لا غنى لنا عنها فهي كوردة من مزبلة، وهي كلمة حق أريد بها باطل والنصيحة تؤخذ من ابليس والعدو يخدم مصلحة عدوه من حيث لا يشعر فهو ينبهه إلى أغلاطه ويتكلم حيث يسكت الصديق إشفاقا أو تحت مغالطة عين الرضا التي هي عن كل عيب كليلة وعلينا ختاما أن نأخذ بالنصيحة الخالدة (الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها).



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.