في رياض السنة النبوية:الهمّ بالحسنة والهمّ بالسيئة وجزاء الله عليهما

في رياض السنة النبوية:الهمّ بالحسنة والهمّ بالسيئة وجزاء الله عليهما


عن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال: “إن الله كتب الحسنات والسيآت ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة، وان هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة” متفق عليه هذا حديث من الأحاديث التي أوردها الإمام النووي في كتابه الجليل رياض الصالحين في باب الإخلاص وإحضار النية وراوي هذا الحديث هو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب التي حوصر فيها بنو هاشم دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “اللهم فقهه في الدين وعلمه الحكمة والتأويل، اللهم علمه تأويل القرآن اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين اللهم زده علما وفقها” اشتهر رضي الله عنه بالعلم بكتاب الله فكان مرجع الأمة في المأثور من تفسير كتاب الله العزيز إليه يرجع الجميع وعليه يعتمدون فيما يوردون من أقوال مأثورة، قال رضي الله عنه: “ما من آية إلا واعلم أين نزلت ومتى نزلت وفيمن نزلت”، أجلسه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مجلس كبار الصحابة إجلالا لعلمه وتقديرا لمقامه مات رضي الله عنه بالطائف ودفن بها سنة ثمان وخمسين للهجرة. هذا الحديث الذي يرويه ابن عباس رضي الله عنهما هو من الأحاديث القدسية التي هي غير الأحاديث العادية التي المعنى واللفظ فيها من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى من عند الله وهي بهذا المعنى كلام الله إلا أن الأحاديث القدسية تختلف عن كلام الله الذي هو القرآن في أنها لا يصلى بها. هذا الحديث عظيم الشأن مثل كل الأحاديث النبوية القدسية والعادية لما تشمل عليه من بيان عظمة رحمة الله وسعتها وتجاوزه سبحانه وتعالى وكرمه وإحسانه ورحمته لعباده وحبه الشديد لهم وإقباله عليهم وفرحته الشديدة بإقبالهم عليه وتوبتهم من ذنوبهم وخطاياهم وإنابتهم وعودتهم إليه، إنهم كما ورد في حديث آخر إذا تقرب الواحد منهم (من العباد) من ربه شبرا فإن ربه يتقرب إليه ذراعا وإذا أتى الواحد منهم إلى ربه مشيا يأتيه ربه هرولة" (ولله المثل الأعلى وإنما التشبيه هو لتقريب الأفهام). فالله تبارك وتعالى الغني عن عباده يرضى منهم بالقليل وتكفيه منهم النية الصادقة الخالصة والعزم الراسخ على فعل الخير واجتناب الشر لقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بان العبرة بالنية وقد بينا ذلك في حديث سابق (إنما الأعمال بالنيات) “إن الله كتب الحسنات والسيآت” كتب الحفظة من الملائكة الحسنات والسيآت التي يأتيها عباد الله في هذه الحياة الدنيا، انه كتاب الأعمال الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة وقد جاء في الحديث القدسي قول الله تبارك وتعالى “يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه”. “فمن هم بحسنة” أي من أراد وعزم على فعل حسنة وعلم الله منه الجزم على فعل تلك الحسنة والله يعلم ما في القلوب ولا يمكن مغالطته (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور). “فلم يعملها كتبها الله عنده” فلم يعملها لسبب من الأسباب ومانع قاهر جعله لا ينفذ ما عزم عليه من خير فإن الله كرما وجودا وتفضلا وإحسانا يكتب هذا الهم وهذا العزم الصادرين كأن صاحبهما قد أتم ما أراد فعله من خير، فالله تبارك وتعالى يجازي جزاء الحسنة على مجرد النوايا الحسنة، يكتب الله –عنده- وجل الله عن المكان والزمان وإنما هو تشريف لعمل عبده الصالح يكتب الله هذا الهم والعزم على عمل الحسنة بأن يكتبها كاملة فإذا هم العبد المؤمن بالحسنة ثم لم يكتف بالهم والعزم وإنما تجاوز إلى العمل والفعل والتنفيذ فإن الله تبارك وتعالى يكتبها عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والدليل على هذا من كتاب الله تعالى قوله جل من قائل (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) وكذلك قوله عليه الصلاة في الحديث الصحيح (إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فانه لي وأنا أجزي به) فخزائن الله ما فيها لا ينفذ والله هو الغني الكريم. فالحسنة الواحدة يفعلها العبد المسلم مخلصا بها لوجه الله يضاعفها الله تبارك وتعالى ويجدها يوم القيامة في صحائفه تصل إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة وبذلك يتبين لنا أن الله تبارك وتعالى إذا صدقت نوايانا واخلصنا في أعمالنا يجعل هذه الأعمال كثيرة أضعافا مضاعفة أكثر بكثير مما عملناه. وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ومن عزم وهم على اقتراف سيئة فلم يعملها شرط أن يكون الامتناع والترك لفعل هذه السيئة هو خشية الله والخوف من عذابه وعقابه فإن الله تبارك وتعالى يكتب هذا الامتناع عن فعل السيئة مع القدرة على فعلها يكتب ذلك حسنة كاملة عنده لعبده الذي منعه خوفه وخشيته لربه من اقتراف الذنب والمعصية، أما إذا كان الامتناع عن فعل السيئة هو لمجرد العجز والخوف أو الرياء بعدم فعل السيئة فإن هذا الصنيع لا يكتب حسنة. والحديث الذي نحن بصدد شرحه هو في باب الإخلاص وإحضار النية وكما هو معلوم ومبين لا يقبل الله من العمل إلا أصوبه وأخلصه والله تعالى يقول (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء). “وان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة” وزاد الإمام أحمد “ولم تضاعف عليه” ويدل على أن السيئة إذا عملها العبد تكتب سيئة واحدة قوله تعالى (فلا يجزى إلا مثلها). * فالسيئة تكتب واحدة لا تضاعف على عكس الحسنة التي تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة كما تقدم وهذا أيضا من كرم الله وجوده على من أعمى قلوبهم وأعمى أبصارهم فاعرضوا عن رحمة ربهم ولم يقبلوا عليه ولم يتوبوا إليه وابوا إلا أن يصروا على اقتراف المعاصي والسيآت ويكثروا منها ويعبوا منها عبا، هؤلاء مساكين عشوا عن ذكر ربهم فكان الشيطان لهم قرينا وساء قرينا. نسأل الله العافية والسلامة والهداية للقيام بصالح الأعمال وأخلصها وأن يجنبنا المزالق والمهالك وأن يجعل سيآتنا سيآت من يحب فيمحوها ويغفرها لنا إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.