في حديث مع الدكتور صلاح الدين كشريد: لا خوف على القرآن من التفسير العلمي

في حديث مع الدكتور صلاح الدين كشريد: لا خوف على القرآن من التفسير العلمي


قد لا يعرف قراء اللغة العربية الدكتور صلاح الدين كشريد نظرا لان اغلب مؤلفاته ودراساته مكتوبة باللغة الفرنسية فقد نشأ في أسرة قيروانية عريقة تنتسب إلى العلم والفضل والتقوى، تدرج في مراحل تعليمه إلى أن تخرج صيدليا محللا من مستشفيات باريس عرف اللغة الفرنسية واصولها اللاتينية كما يعرفها أهلها ففتحت له آفاقا في الدعوة إلى ما آمن به من مثل سامية وقيم إسلامية زادتها مكتشفات العلم رسوخا وجلاء فانبرى ينشر حقائقها بين قراء اللغة الفرنسية واخرج أول ما اخرج كتابا يحمل عنوان: الوجه الحقيقي للإسلام Le vrai visage de l’islam اشرف على اثر إصداره على القسم الفرنسي من مجلة جوهر الإسلام فأتحف قراءه في تونس والشمال الإفريقي وفرنسا وغربي إفريقيا بدراسات عميقة فرنسية اللغة إسلامية الروح والفكر ثم اخرج بعد ذلك كتابا آخر يحمل عنوان: أسس وقواعد المدنية الإسلامية Assises et structuration de la cité islamique، ولقد لفتت دراساته أنظار الهيئات والتجمعات الإسلامية فدعته ليحاضر في ملتقياتها وندواتها في فرنسا والجزائر ومدغشقر وجزر الرينيون. وتواصل عطاؤه الإسلامي ليتوج بإصداره لترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية لاقت رواجا كبيرا فطبعت عدة طبعات. وفي هذا الحديث الذي أجريناه مع الدكتور صلاح الدين كشريد تطرقنا إلى عدة قضايا تتعلق بالخصوص بالعلم والقرآن ومشكلات الحضارة المادية وموقف المسلم منها والمنهج الأقوم الذي ينبغي توخيه في التعريف بحقائق الإسلام في هذا العصر. * السؤال الأول: هل يمكن أن تساعد العلوم الحديثة المسلم على مزيد من الفهم لآيات القرآن الكريم والحديث الشريف؟ الجواب: إن الله عز وجل كرم الإنسان بالعقل وجعل له الحواس التي يدرك بها وجود بعض الكائنات التي يعيش في محيطها بينما حجب عليه كائنات أخرى رفقا بضعفه البشري واختبارا لمقدار إيمانه بالغيب لان الإيمان بالمحسوسات شيء حتمي لا فضل للإنسان في الإقرار بها.وهكذا جعل الله لنا من السمع والبصر والشم جزءا محدودا جدا تَفُوقُنَا أكثر الحيوانات الأخرى ولكن ميزنا على تلك الحيوانات بالقلب أو البصيرة وهي حاسة داخلية تنمو في الإنسان مع نمو الجانب الروحي فيه ومع تقلص ماديته وجانبه البهيمي وذلك برياضات خاصة وطقوس تعبدية معينة من صلاة وصوم وحج وذكر وسياحة وجود وبذل وتقشف لا سبيل لسلوك منهجها الموصل السليم إلا بإتباع كتاب الله والالتزام بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه وعليهم جميعا أزكى الصلاة وأفضل التسليم، ولقد قال جل من قائل في كتابه العزيز “الرحمان، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان” (3-2-1/55) نرى من خلال هذا الترتيب أن الله عز وجل علم القرآن قبل خلق الإنسان ولعل معنى ذلك انه خلق نظام الكون وقواعده المحكمة وسننه القارة (ولن تجد لسنة الله تبديلا) ثم خلق الإنسان ليكون خليفته أي المسؤول عن تطبيق هذا النظام والحرص على احترام شريعته وحمل جميع المخلوقات هكذا إلى عبادة الله الواحد الذي ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه. فالقرآن أذن: كتابان أولهما ذلك الدستور الشامل الذي يسير الكواكب والاجرام وكل المخلوقات الكونية مهما كبرت ومهما صغرت إذ لا تسقط ورقة إلا بإذنه ولا ينبض عرق إلا بعلمه وقدرته، وهناك منا سمي بالقرآن وهو ذلك الكتاب المبين الذي أوحاه الله لنبيه عليه الصلاة والسلام والذي يجعل القلوب السليمة قادرة على قراءة الكتاب الأول أي الوصول إلى الحقيقة من خلال البحث والتأمل “سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق” (فصلت-53) ومن هذا السياق نستنتج أن قلب المؤمن لا يزال يقترب من الحقيقة مادام يطالع القرآن الكريم بمفهومه المزدوج الذي ذكرناه آنفا لان حقائق الكون لا يمكنها إلا أن تدعم ما جاء به القرآن ولان إشارات القرآن تسوقنا حتما إلى تلك الحقائق ذاتها. ولهذا فمهما اتسعت أفاقنا العلمية إلا وازداد فهمنا الصحيح للآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة" خصوصا ما تعلق منها بأسرار الكون وعجائب التكوين. * السؤال الثاني: بصفتكم احد المختصين في العلوم التجريبية المعملية التحليلية هل يمكن أن تذكروا لنا أمثلة تبين تطابق مكتشفات العلوم الحديثة مع ما ورد من إشارات علمية في القرآن الكريم؟ الجواب: سوف نسوق بعض الأمثلة البينة ونذكر من الإشارات والالماعات القرآنية ما يؤيد ما قدمناه. أ- اذكر أني تعلمت في الثانوية أن الكواكب تدور حول الشمس في حين أن الشمس ثابتة في مكانها، فلما قرأت الآية الكريمة من سورة يس، “والشمس تجري لمستقر لها”، شعرت بشيء من الخجل والتأسف وقلت: ليته لم يقلها"، حتى جاءت الاكتشافات الحديثة تعلن أن الشمس وكل النظام الشمسي يسير في المجرة على خط حلزوني مضبوط وان مجرتنا هذه واحدة من ملايين المجرات التي تسبح في فضاء الكون الفسيح فتحول الخجل اعتزازا والتأسف بهجة ويقينا والحمد لله.ب- هناك حقيقة أخرى لم يأت بها علم قبل علم القرآن ألا وهي ازدواجية جميع ما في الكون ما عدا الخالق سبحانه وتعالى الذي تفرد بالوحدانية والبقاء-فلكل مخلوق زوج أي لا ينفرد بذاته ولا بد له من زوج مقابل يلتحم معه ليكونا جميعا عنصرا فعالا وقادرا على البقاء السليم- فهناك الذكر والأنثى في عالم الحيوانات وعالم النباتات وهناك الكهرباء الموجبة والكهرباء السالبة، وهناك الفعل ورد الفعل والمادة والمادة المضادة الخ. فيقول سبحانه وتعالى في سورة يس. “فسبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون” (36/36) وهو لا يذكر مخلوقا إلا بنعت الزوجية. ج- ولقد اثبت العلم أخيرا أن الكون نشا نتيجة لانفجار هائل هز السديم الأول “ثم استوى إلى السماء وهي دخان” (فصلت 11) وان قوة هذا الانفجار الرهيب لا تزال تدفع حدود الكون إلى الأمام فهو إذن في توسع مستمر وهذا ما تذكره الآية الكريمة بكل وضوح (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) (الذاريات 46) فلنكتف بهذه الأمثلة الثلاثة مع التأكيد أن إلى جانبها أمثلة أخرى لا تحتاج لأي تعسف في التأويل ولا لأي تلاعب بمعاني الألفاظ. * السؤال الثالث: لكل عصر إعجازه الذي اختص به هل يمكن اعتبار عصرنا الحاضر عصر الإعجاز العلمي للقرآن الكريم؟ الجواب : إن في عصرنا هذا الذي بلغ فيه العلم ذروته تبين لنا بكل وضوح معنى الآية الكريمة التي تذكر إن الله سَيُرِي المتشككين آياته في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وهكذا نرى والحمد لله شخصيات بارزة في عالم العلم والبحث تأتي تلقائيا إلى الإسلام وتصبح من اشد معتنقيه حماسة ويقينا، وهناك في نفس الوقت ظواهر خارقة للعادة أخذت تلوح في الأفاق منذ بداية القرن العشرين اذكر منها تجلي السيدة مريم العذراء سلام الله عليها، قبيل الحرب العالمية الأولى بمكان باسبانيا وبلغت بعض الرعاة عدة وصايا منها كيفية الصلاة على الطريقة المسلمة وتنبأت لهم بالحرب العالمية الأولى وبما يهدد الكون من أهوال ولكن سرعان ما عمل رجال الكنيسة على طمس هذا الحدث العظيم لما فيه من إظهار حقيقة الإسلام وأخيرا أخبرت التلفزة الايطالية بنفس التجلي للسيدة مريم بأحد الأماكن بيوغسلافيا حيث رآها بكل وضوح عدد من الصبيان مرات متكررة ولعلها أبلغتهم أمورا خطيرة وحقائق دامغة لان رجال الكنيسة لم يترددوا في تكذيب هذا الحدث الخارق زاعمين أن الشيطان هو الذي تمثل لهؤلاء الأطفال في هيئة العذراء “ليفسد عليهم دينهم”. هذا ومن الملاحظ إن لجنة من الأطباء وعلماء النفس اجروا فحصا دقيقا على هؤلاء الغلمان فتأكد لديهم أنهم سليمو العقل والمزاج من جميع النواحي.* السؤال الرابع: يذهب البعض إلى أن المبالغة والتعسف في تفسير القرآن الكريم بالاستناد إلى العلوم الحديثة فيه مخاطر ومحاذير ويضربون لذلك مثال الكنيسة في القرون الوسطى التي تبنت بعض النظريات العلمية وصبغتها بصبغة القداسة ثم اثبت العلم خطا تلك النظريات فاضطرت الكنيسة إما إلى التراجع أو إلى تبني الآراء القديمة الخاصة وتكفير معارضيها من العلماء فما رأيكم ألا يمكن أن يؤول التعسف في تفسير القرآن بالعلم إلى نتائج سلبية؟ الجواب: إن الدكتور موريس بوكاي في كتابه “التوراة والإنجيل والقرآن والعلم” بين بطريقة منطقية بحتة أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لم يتعارض البتة مع العلوم الحديثة واني أرى لذلك سببين رئيسيين لم ينطبقا في الماضي على ما جرى من اختلاف بين الكنيسة والعلم، وهذان السببان هما أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لم تدخل عليه إضافات وتحريفات من صنع الإنسان وان العلوم القديمة لم تكن تعتمد التجريب الدقيق والقياس المحكم والمرتكز على الواقع الملموس فكان أكثرها يعتمد على الظن والتخمين فجاء القرآن ينبه الإنسان أن “الظن لا يُغْنِي من الحق شيئا” وبالفعل حدث مع علماء المسلمين انقلاب كامل في طرق البحث العلمي وكانت نتيجتها تلك القفزة الهائلة التي عرفها العلم والتي مهدت لعصر النهضة بأوروبا التي يسرت بدورها ميلاد العلوم الحديثة التي أتت ولا زالت تأتي بالعجب العجاب. ولهذا فلا خوف على الإسلام من الارتكاز على الاكتشافات العلمية لتأويل الآيات والأحاديث ما دام العلم صحيحا والتأويل سليما.* السؤال الخامس: ترجمتم القرآن الكريم إلى الفرنسية وقبلها أخرجتم كتبا عن الإسلام بالفرنسية فإلى من تتوجهون بهذه الكتابات وما هو صدى هذا التوجه؟ الجواب: إن الناطقين بالضاد في العالم الإسلامي لا يمثلون إلا عُشُرَهُ وهناك مئات الملايين من المسلمين يتقدون حماسا لدينهم ويتشوقون أحر الشوق لتفهم معاني القرآن والأحاديث الشريفة إلا أنهم يجهلون العربية أو لا يلمون بدقائقها. وما دامت الانقليزية والفرنسية لغة تخاطب ودراسة بينهم فمن واجبنا أن نعد لهم تراجم محكمة لمعاني القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ريثما نتيح لهم فرصة تعلم العربية تعلما جيدا. فهذا ما دفعني إلى كتابة بعض البحوث الدينية بالفرنسية وكذلك ترجمة معاني القرآن واني أتوجه بهذا المجهود المتواضع إلى كل من يحسن الفرنسية، مسلما كان أو غير مسلم، ولعل شبابنا “العربي” المعاصر في اشد الحاجة إلى تلك التراجم. ومن فضل الله وبركته أني وجدت بعض كتبي معروفة لدى الجماهير في جزر المحيط الهندي وحتى جزيرة “مدغشقر”. ولقد أعيدت طبعة “الوجه الحقيقي للإسلام” عدة مرات في فرنسا وتونس والكويت وهناك عدد لا باس به من الأوروبيين اعتنقوا الإسلام بعد قراءته نذكر منهم راهبة سويسرية كاتبت في هذا الموضوع السيد الهادي عبد الغني الذي اخرج الطبعة الأولى.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.