في العشر الاواخر وليلة القدر: الاشراقات والتجليات

في العشر الاواخر وليلة القدر: الاشراقات والتجليات


ها نحن في الثلث الاخير من شهر رمضان المعظم، وها هي ايام وليالي شهر الصيام، شهر القيام بالقرآن تتوالى سراعا مؤذنة بقرب التوديع الى عام قادم لمن بقي في اعمارهم متسع. وما دمنا لا ندري انكون في العام القادم من الاحياء ام من الاموات باعتبار ان ذلك يدخل في الغيب الذي لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى فاننا مدعوون الى اغتنام هذه الايام والليالي الاخيرة من هذا الشهر المبارك والاستزادة فيها من الطاعات والقربات باعتبار ان هذا الشهر كله وبالخصوص الثلث الاخير منه هو موسمها ومناسبتها. فقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشهر الى ثلاث:الثلث الاول هو ثلث الرحمة والثلث الثاني هو ثلث المغفرة والثلث الثالث هو ثلث العتق من النار، وفي هذا الثلث الاخيرمن شهر رمضان المبارك يعظم الاجروالثواب ويتضاعف الجزاء ويقترب موعد المجازاة بعديد الجوائز الالهية التي اختص بها الله تبارك وتعالى الامة المحمدية والتي منها ليلة القدر التي هي خير من الف شهر، انها الليلة الهدية التي اكرم بها الله تبارك وتعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تعظيما لشانه وشان امته وتثقيلا لموازينها بالطاعات والحسنات • حرص الرسول على الامة فلقد راى رب العزة والجلال من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الحرص الشديد على الامة والرحمة والرافة بها فاستجاب له سبحانه وتعالى بتحقيق ما يتطلع له لهذه الامة، وكيف لا يكون كذلك وهو الذي يقول في حقه المولى سبحانه وتعالى (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) وقد تجلى هذا الحرص وهذه الرأفة والرحمة في اكثر من مناسبة سواء كان ذلك وهو يدعوهم الى الدخول في دين الله والاستجابة لما يحييهم متحملا بصبر كل ما لاقاه من صنوف الاذى والاساءة ولا يزيد على القول (اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون) او كان ذلك وهو يخر ساجدا تحت عرش الرحمان ليلة الاسراء والمعراج لا يسال الله الا لأمته قائلا لربه (امتي امتي ) ناسيا في ذلك الموقع المتقدم المقرب عليا وفاطمة و آل بيته غير داع على من لا يزالون يسلطون عليه وعلى اصحابه اصناف الاذى الشديد كما تتجلى هذه الرحمة المحمدية بذلك النزوع الى التيسير وطلب التخفيف على الامة وعدم تكليفها بما يفوق طاقاتها وامكاناتها وفي هذا الاطار تاتي الاستجابة لنصح اخيه موسى عليه السلام عندما دعاه الى العودة الى ربه وطلب التخفيف على الامة فيما يتعلق بالصلاة التي فرضت في الاول خمسين صلاة ثم لا تزال تخفف على الامة الى ان اصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة وثوابها ثواب الخمسين ويتجلى هذا الحرص المحمدي على الامة في ما ابداه عليه الصلاة والسلام من غبطة للامم الاخرى التي كانت تعمر مئات السنين فيتمكن الصلحاء منها من تقديم اعمال البر الكثيرة والعديدة في حين ان اعمار امة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هي دون ذلك بكثير فماذا عسى ان يقدم الصلحاء الموفقون من هذه الامة في هذه الاعمار القصيرة نسبيا؟، ذلك ما كان يدور في خلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ما كان يشغله ويود له من رب العزة والجلال ما يطمئنه ويهدأ له باله • ليلة القدر هدية المولى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وجاء الكرم الالهي مستجيبا لهذا التطلع المحمدي واذا بالقرآن يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمنا لهدية عظمى وجائزة كبرى هي هذه الليلة المباركة، ليلة القدر يقول جل من قائل (انا انزلناه في ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر سلام هي حتى مطلع الفجر) فليلة القدر هي ليلة من ليالي شهر رمضان المعظم، وهي ليلة من ليالي العشر الاواخر من هذا الشهر المبارك، اخفاها الله تبارك وتعالى بين هذه الليالي العشر لتجتهد الامة في الطاعة ولا تتوقف في ذلك عند حد ليلة واحدة وتعود الى الغفلة والتكاسل في بقية ليالي هذا الشهر الموسم. اذ كل ليلة من ليالي الشهر المعظم لا تخلو من البركة وابواب التوبة والاستجابة مفتوحة على مصراعيها، وابواب جهنم مغلقة والملائكة تغشى المؤمنين وتحفهم بالسكينة في حين ان الشياطين مصفدة فلن يحرم المؤمن المجتهد في الطاعات بالصيام في النهار والقيام في الليل بالصلوات وتلاوة القرآن والتسبيح والذكر والدعاء والضراعة لن يعدم الاجر والثواب بل سيتضاعف له كل ذلك اضعافا مضاعفة كما انه لن يحرم من الاستجابة لما يدعو به ربه وهو القائل في محكم التنزيل (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) والقائل (واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان) كما ان اخفاء ليلة القدر بين الليالي العشر الاواخر فيه من الرافة والرحمة بالامة وذلك اذا وقع من وقع في المعصية والذنب وهو لا يعلم باليقين انها ليلة القدر يكون الذنب منه اهون • ليلة القدر في الوتر من العشر الاواخر ومع كل ذلك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر على الامة واعانها على تحري ليلة القدر وعدم حرمان الانسان المؤمن نفسه منها فقد قال عليه الصلاة والسلام (التمسوها في العشر الاواخر ) ثم قال (التمسوها في الوتر من العشر الاواخر) فهي اما ليلة واحد وعشرين او ثلاث عشرين او خمس وعشرين او سبع وعشرين او تسع وعشرين. وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعده الله لمن قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا فقال (من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) قال قتادة رضي الله عنه (ان الله اصطفى من الملائكة رسلا واصطفى من الكلام ذكره واصطفى من الارض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والاشهر الحرم واصطفى من الايام الجمعة واصطفى من الليالي ليلة القدر فعظموا ما عظم الله تعالى) *فليلة القدر ليلة عظيمة القدر والشان ولا بد على المؤمن ان يجتنب فيها (وهي غير معلومة اذ هي في ليالي العشر الاواخر وبالاخص الوتر منها) كل ما يغضب الله من معاصي وذنوب، اذ في ليلة القدر التي هي خير من الف شهر من الطاعة والعبادة – تتنزل الملائكة يتقدمهم الروح الامين الى الارض فلا يبقى موضع شبر فيها الا وهو معمور بطاعة وقربة الى الله. اللهم الا المواضع التي اتخذت اماكن للمعصية، فملائكة الرحمان المتنزلة لتعبد الله في تلك الاماكن تجار الى الله من سوء ما فعل العصاة والمذنبون وتستمر هذه الليلة حافلة مشرقة خاشعة الى طلوع الفجر يسعد بها المؤمنون الموفقون الذين يتحرون هذه الليلة المباركة ويحرصون على احيائها وقيامها فتغشاهم السكينة وتعمر قلوبهم بالطمأنينة وتعتريهم القشعريرة ويحصل لهم خشوع ولذة بالطاعة يسعدون وتنهمر لها اعينهم بدموع الخشوع والخشية والرجاء في الله سبحانه وتعالى الذي يسالونه بما امرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم : العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والاخرة • امة محمد صلى الله عليه وسلم اعطيت خمسا في شهر رمضان ان هذا الشهر المبارك شهر عظيم الشان كثير الخير اعطى فيه الله للامة المحمدية ما لم يعطها في بقية الاشهر الاخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اعطيت امتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي اما واحدة: فانه اذا كان اول ليلة من شهر رمضان نظر الله اليهم ومن نظر الله اليه لم يعذبه ابدا ما الثانية : فان خلوف افواههم حين يمسون اطيب عند الله من ريح المسك واما الثالثة: فان الملائكة تستغفر لهم في كل ليلة واما الرابعة فان الله عز وجل يامر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي اوشكوا ان يستريحوا من تعب الدنيا الى داري وكرامتي واما الخامسة فانه اذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعا فقال رجل من القوم: أهي ليلة القدر؟ قال: لا الم تر الى العمال يعملون فاذا فرغوا من اعمالهم وفوا اجورهم) ولا يزال المسلمون والحمد لله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفون برمضان ويستعدون له اتم استعداد للتزود منه بخير زاد فهو محطة روحية يقف عندها المسلم ليزداد ايمانا وتقوى ينطلق بهما في غمار الحياة يجنبانه كل منكر من الفعل ويدفعانه الى الخير دفعا *رمضان موسم القرآن تنزلا وتقربا به ولان شهر رمضان هو شهر نزول القرآن الكريم فقد استنارت ليالي رمضان بالقرآن الكريم يتلى في البيوت والمساجد تتدبر آياته ويسعى لحضور اختامه ومجالسه العطرة وهل هناك افضل من تلاوة كتاب الله الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد وردت في الترغيب في تلاوة كتاب الله وحفظه وتدبره احاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وقوله (الذي يقرأ القرآن وهو به ماهر مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له اجران) وقال (ان الله تعالى يرفع بهذا الكلام اقواما ويضع آخرين) وقال (اقرؤوا هذا القرآن فانه ياتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) الى غير ذلك من الاحاديث المبشرة بعظيم الاجر وجزيل الثواب لمن يعظم كلام الله العزيز



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.