سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودورها في إقامة الحجة وانتشار الاسلام

سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودورها في إقامة الحجة وانتشار الاسلام


 

ذكرى المولد النبوي مناسبة سنوية للوقوف مع صاحب الذكرى عليه السلام للاعتبار والتدبر والتزود بخير زاد يعين المسلم في رحلة حياته وسعيه نحو ربه فحياة سيد الكائنات محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام مليئة بالمواعظ كل جانب فيها يحتاج الى وقفة مطولة للاستفادة منها وما ذلك الا لأن سيدنا محمدا جمع الله فيه وله ما تشتت عند سواه من الأنبياء والرسل والمصلحين والعظماء. فهو النبي والرسول الخاتم والمتوج لمسيرة الأنبياء والرسل وهي مسيرة امتدت عبر آلاف السنين لتنتهي به عليه السلام وطبيعي -وهو المبعوث بالدين الخاتم، دين الاسلام، دين الرحمة بالناس أجمعين- ان يكون النبي الذي جاء بهذا الدين جامعا لكل الكمالات الخُلقية والخِلْقية وذلك لكي يكون مثلا ونموذجا يقتدى به وأسوة لهم جميعا فيما ياتونه من تصرفات فقد حاز سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قصب السبق في مجالات الكمال الانساني سواء كان ذلك قبل بعثته او بعدها لقد أدبه عليه الصلاة والسلام ربه فأحسن تأديبه وشهد له أهله وعشيرته ومن عاشوا معه من قرب بالصدق والامانة وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين، وكم كانت السيدة خديجة رضي الله عنها معبرة عن هذه الكمالات في سيدنا محمد قبل بعثته عندما عاد اليها من الغار بعد ان لقيه جبريل عليه السلام لاول مرة فقد قالت له رضي الله عنها (والله لن يخزيك الله انك لتحمل الكل وتصل الرحم وتقري الضيف...) وهل يمكن ان يخيب او يغلب او يحل به مكروه من هذه بعض صفاته وأخلاقه؟

         لقد كان اهله وقومه يعرفون صدقه وامانته وعفافه فهو منهم ومن اعلاهم نسبا وحسبا، من الله به عليهم واصطفاه من بينهم (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) لقد اصطفى الله تبارك وتعالى العرب من بين سائر الامم واصطفى من العرب قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفى من بني هاشم محمدا بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فهو صفوة الصفوة وخيرة الخيرة من الناس وصدق الله العظيم حين قال (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) ولقد هيأ الله تبارك وتعالى لهذا الاصطفاء كل اسباب النجاح والكمال والفلاح ليكون محمدا صلى الله عليه وسلم حجة الله على عباده وليقيم به الشهادة عليهم حتى يقيموها بدورهم على بقية الناس مصداقا لقوله جل من قائل (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) ولاقامة الشهادة على الناس وكان لا بد لهذا الرسول الكريم وهذا النبي العظيم ان لا يختلف عن بقية الناس المبعوث لهم بالدين الخاتم في أي شأن من شؤون الحياة البشرية العادية فقد كان صلى الله عليه وسلم بشرا سويا وانسانا عاديا في مولده ونشأته وسائر تصرفاته، فقد ولد من ابوين وذلك على خلاف سيدنا عيسى عليه السلام الذي لازمته المعجزة في المولد والانجاب وحتى في الرحيل عن هذا العالم الدنيوي

         *لقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يمشي في الاسواق ويأكل الطعام ويتزوج النساء، فيه ما في سواه من بني الانسان من المطالب والحاجات والرغبات والتطلعات ولكنه سواء كان ذلك قبل البعثة أوة بعدها لم يكن ذلك الخاضع لنفسه وهواه بل كان عليه السلام المستجيب لما خلق الله فيه في الاطار المشروع. واذا كان التحكم في الرغبات والتطلعات البشرية أمرا طبيعيا من النبي والرسول بعد البعثة بحكم العصمة فان التحكم فيها قبل البعثة هو مما يدل على كريم أخلاقه ومستقيم سلوكه وسمو أدبه وذلك ما شهد له به من آمنوا به أو من كفروا ولا أدل على ذلك ما عبر عنه في مجلس هرقل أبو سفيان عندما دعي من طرف هذا الملك الرومي للاجابة عن مجموعة من الاسئلة الدقيقة والهادفة والتي اقامت الحجة والبرهان على ابي سفيان وشهدت لسيدنا محمد بن عبد الله بصدق نبوته وبعثته بالدين الخاتم، نفس الموقف الذي يتكرر مع النجاشي في الحبشة عندما وقف بين يديه عمرو بن العاص طالبا منه ان يرجع لقريش من اعتبرتهم مارقين خارجين عن طاعتها فما كان من النجاشي الا ان سأل جعفر ابن ابي طالب رضي الله عنه وهو أحد الفارين من قريش المهاجرين الى الحبشة وبعد جلسة الاستماع اليه  الانصاف لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان التسليم له بالنبوة والرسالة وهو عليه الصلاة والسلام الغائب جسدا عن هذين المجلسين التاريخيين المشهودين، وهما مجلسان (مجلس هرقل ومجلس النجاشي) غلبت فيهما قوة الحجة والبرهان وسلامة المسار ونبل الغاية وعظمة الرسالة التي جاء بها سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، انها رسالة تدافع عن نفسها بقيمها ومثلها وغاياتها النبيلة والتزام صاحبها عليه الصلاة والسلام بما يدعو اليه الناس. وهذان الموقفان اللذان انتصر فيهما الحق على الباطل والخير على الشر ليسا فريدين وحيدين في تاريخ الرسالة المحمدية انهما يذكران بموقف آخر في البعثة المحمدية يوم أن أخذت السيدة خديجة رضي الله عنها زوجها محمدا بن عبد الله من يده الى ابن عمها ورقة بن نوفل العارف بأخبار الكتب والرسالات ليقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاهد ورأى في الغار فما كان من ورقة بعد ان استمع الى اجوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة والدقيقة ان قال: انك النبي الذي بشرت به توراة موسى وأناجيل عيسى وقد نزل هذا التطمين من خبير عريف على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته خديجة رضي الله عنها بردا وسلاما

 

         *ومثل هذه المواقف المنصفة، ومثل هذه الشهادات الصادرة عن أناس صفت سرائرهم وتسامت انفسهم عن الاهواء والاغراض والاحقاد ونضجت أفكارهم وآراؤهم هي خير شاهد ودليل على ان الحق يعلو ولا يعلى عليه وان الله تبارك وتعالى قد هيأ للرسالة المحمدية كل أسباب النجاح والظهور والتمام (والله متم نوره ولو كره الكافرون) ولم يتوقف عبر تاريخ الاسلام الطويل مدد هذه الشهادات المنصفة المبكتة للاعداء المقيمة للحجة على المجادلين والمعاندين فقد ظلت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وظل الهدي الذي جاء به عليه السلام خير وسيلة لهداية الحيارى والضالين واستمرار انتشار دين الاسلام ليعم الافاق

         *وحتى في عصرنا الحديث فلا نزال نسمع ونقرأ مواقف من هذا القبيل رغم شدة الحملات التي تشن على الاسلام من طرف الحاقدين المتعصبين والتي كثيرا ما تتخذ لها حجة وسندا تصرفات ومعاملات المسلمين التي كثيرا ما تتنافى وتتعارض مع ما يدعو اليه دين الاسلام وبشر به سيد الانام وجسمه بسيرته وسلوكه من معاملات.

         فرغم قساوة هذه الحملات الشرسة التي شنت وتشن ظلما وعدوانا وافتراء على دين الاسلام ونبي الاسلام الا ان وعد الله لا بد ان يتم وكثيرا ما تكون النصرة للاسلام والاشادة بنبي الاسلام من طرف اناس لا تتوقع منهم هذه النصرة ولا تلك الشهادة، فكثير من عمالقة الفكر في عصرنا الحديث ممن لا يمكن ان يتهموا بالسطحية او التعصب من القساوسة والرهبان لا يملكون الا ان يعلنوا شهاداتهم مدوية لتسمعها البشرية جمعاء ان محمدا ابن عبد الله هو أعظم موجود ومولود عرفته البشرية منذ ان خلق الله آدم، ولم يتأخر بعض المؤلفين من أن يعطوه عليه الصلاة والسلام المرتبة الاولى من بين المائة عظيم من عظماء البشرية في مختلف الفنون والعلوم ومن مختلف الاجناس والالوان والاديان

         *ولأجل ذلك فان وقوفنا معاشر المسلمين كل عام وفي مثل هذا الشهر شهر المولد النبوي لنعدد بعض ما يمكننا التوصل اليه من جوانب الكمال في شخصية الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام هو وقوف يمليه الواجب نحو من رحمته شملت البشرية جمعاء وخصت من آمن به واتبعه من المسلمين

         وهذا الوقوف المشروع في مثل هذه الايام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من قبيل التشخيص او ما يمكن ان يؤدي الى نوع من الشرك بالله بل هو وقوف عند التطبيق الفعلي والعملي لما دعا اليه الاسلام من قيم ومثل وكان لذلك اعظم وأكمل وأدق تجسيم سيدنا محمد بن عبد الله عليه السلام وكم كانت السيدة عائشة ملهمة عندما قالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولتها الخالدة (كان خلقه عليه الصلاة والسلام القرآن) فسلام على سيدنا محمد يوم ولد وسلام عليه في الاولين و سلام عليه الاخرين



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.