حول تداعيات “شارلي ايبدو”في الساحة الفرنسية على الإسلام والمسلمين

حول تداعيات “شارلي ايبدو”في الساحة الفرنسية على الإسلام والمسلمين


تعيش فرنسا وبالخصوص العاصمة باريس تداعيات الحوادث التي انطلقت شرارتها باقتحام الشقيقين سعيد وشريف كواشي مقر الجريدة الأسبوعية “شارلي ايبدو” وقتل المحررين والشرطي المسلم وملاحقة المعتدين وقتلهما وقتل كولوبالي المشتبه في الصلة بهما والذي احتجز في المحل التجاري اليهودي مجموعة من الرهائن وقتله لبعضهم وهي أحداث شدت الرأي العام الفرنسي بكل مكوناته السياسية والاجتماعية وتكثفت تغطية كل ذلك بمختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فضلا عن الانترنت وفايسبوك ومنذ اندلاع هذا الحادث الذي باغت الساحة الفرنسية والحوارات جارية بين المحللين من المختصين وغير المختصين والكل مجمع تقريبا على أن المعالجة الفرنسية للشأن الديني تحتاج إلى مراجعة جذرية فرغم المبادرات المتخذة في السنوات الأخيرة على مختلف المستويات والجهات المتدخلة في هذا المجال وعلى رأسها السلطات المركزية متمثلة في وزارة الداخلية وهي الوزارة المتكفلة والمشرفة على الملف الديني ورغم ما استحدث من هيئات وما نظم من استشارات واجتماعات بينها وبين القائمين على المساجد والمصليات والجمعيات النشيطة في المجال الديني إلا أن التأطير الديني لم يعرف بعد المسار الصحيح والسليم الذي من شأنه في مجتمع تعددي وفي دولة قانون ومؤسسات وبلاد حريات وحقوق انسان أن لا يسمح بظهور مثل هذه الأحداث التي أثبتت وجود خلل بل أخلال فالمساجد والمصليات هي اليوم بالمئات والكثير منها مما بني وشيد في السنوات الأخيرة وفق أحدث المواصفات العمرانية والمعمارية والمدارس والمعاهد الإسلامية بالعشرات في كامل التراب الفرنسي بالخصوص في المدن الكبرى (باريس ليون بوردو قرونوبل تولوز مرسيليا سترازبورغ) والنداوت والملتقيات والاجتماعات الإسلامية لا تكاد تنقطع تؤطر كل ذلك جمعيات ومنظمات ذات مشارب وتوجهات متعددة ويبدو ان تلك هي المشكلة والمعضلة التي تتسبب في ضياع الجهود المبذولة فالمتدخلون في الشأن الديني في فرنسا فيهم من هو من داخل فرنسا والكثير منهم بل لربما الأغلب هو من الخارج من بلدان الأصول (الجزائر والمغرب وتونس بصفة أقل) ومن بلدان أخرى بل وامتدادا لجماعات ومدارس فكرية وحركات دينية مراكزها الأصلية التي اليها يتوجه وبآرائها يأتمر جمهور عريض في البلاد الفرنسية يوجد خارج فرنسا إذن ما وقع في الفترة الماضية وما يمكن أن ينجر عنه هو نتيجة متوقعة لتفاعلات وتحركات لما يمكن التعبير عنه بكيانات ظاهرها يجمع بينه الاسلام كمسمى كبير وفي حقيقته وواقعه انقسامات واختلافات لا يكاد يجمع بينها جامع فاعل يحقق الحد الأدنى من الانسجام وقد زاد في حدته ذلك الحيز الكبير من الحريات التي تكفلها القوانين الفرنسية والتي لم يستفد منها الاستفادة الايجابية التي تجعل مسلمي فرنسا أو المسلمين في فرنسا يقدمون للدين إضافة نوعية هو في أمس الحاجة إليها،فالفرص متاحة على الأقل قبل وقوع الأحداث الإرهابية التي تعتبر إفرازا لأطروحة الصراع الحضاري الذي روج له “هنتقتون” و“برنارد لويس” وغيرهما وجاءت الأحداث الأخيرة وما قبلها كتصديق لهذه الأطروحة الصدامية الدموية، هذه الفرص لتقديم الإضافة كانت موجودة لكنها اليوم أصبحت في تضاؤل فصحيفة شارلي ايبدو التي استهدفت في مقرها وفي عقر دارها ووقعت التصفية الجسدية لأسرة تحريرها والتي أصبحت رمزا لما يعتبر مكسبا لا تفريط فيه ألا وهو حرية التعبير ولو وصل الأمر إلى حدّ الإساءة إلى الرموز الدينية والمقدسات !! ورغم ما يصدر بين الفينة والأخرى من تصريحات وبيانات للساسة وقادة الرأي من أن الحرب التي أعلنت اليوم في فرنسا وفي بقية البلدان الغربية (بلجيكا والنمسا وغيرهما) هي على الإرهاب وليست على الإسلام وان هناك فرق بين الإرهاب والإرهابيين من ناحية وبين الإسلام كدين والمسلمين كأصحاب حق مشروع في ممارسة شعائر دينهم وتمثل ثقافتهم وهويتهم الحضارة العربية الاسلامية!! ولكن ذلك يبقى تنظيرا بعيدا كل البعد على الواقع المعيش على كل الأصعدة وفي مختلف الفضاءات “شارلي ايبدو” في عددها الصادر بعد الأحداث الأليمة التي عاشتها فرنسا بكل مكوناتها وعبرت عن وقوفها صفا واحدا في مظاهرات مليونية وبيانات ومواقف رسمية وشعبية واصلت المضي في خطها بإصرار فيه شيء من التحدي التي تتخذ له التبريرات التي لا تقنع المسلمين سواء أولئك الذين يمثلون امتدادا وعمقا لهم أعني المسلمين في البلاد العربية والإسلامية بهيئاتهم العلمية و الدينية الكبرى كالأزهر وسائر فئاتهم الرسمية والشعبية فجميع هؤلاء تضامنوا مع ضحايا الحوادث الإرهابية وأدانوها ولم يعتبروها الإجابة الحكيمة والرصينة والمشروعة للإساءات الموجهة إلى أقدس مقدسات المسلمين المتمثلة في الذات المحمدية عليها من الله أفضل صلاة وأزكى تسليم والتي هي براء من الإرهاب والترويع والتقتيل وسفك دماء الأنفس البشرية ومهما كانت هذه الإساءة مؤلمة ومؤثرة فإنه يبقى الرد المشروع على الكلمة السيئة بالحجة البالغة الداحضة والمفندة لهذا الخلط المقصود وغير البريء بين الإسلام والإرهاب!! والتمادي في هذه الإساءات لا تزيد الطين إلا بلة وسيبقى مبررا وحجة للمتطرفين لإتيان ما يأتونه ولكن من يملك السيطرة على هذه الفئة من المسلمين الذين زاد عددهم في السنوات الأخيرة بسبب عوامل عديدة يطول شرحها ولا يمكن تبرئة بعض الأطراف المتضررة منها بأنها كانت وراء ظهورها وانتشار وازدهار بضاعتها وهي بضاعة لا يمكن أن تصمد أمام الفهم الصحيح والعلم الدقيق والممارسة الصادقة الخالصة للدين والتي لم تتوفر لها كل الفرص المواتية لتحول دون بروز ظهور التطرف والتعصب والتزمت والإرهاب • لقد طبعت من العدد الصادر بعد هذه الأحداث خمسة ملايين نسخة من صحيفة شارلي ايبدو وتهافت الناس من مختلف الفئات على اقتنائها ونفدت هذه الطبعة قبل التاسعة صباحا من يوم صدورها وتقاطرت على الجريدة المساعدات والهبات فقد أصبحت رمزا لحرية الرأي والوقوف في وجه مد الإرهاب الذي يعمل اليوم على محاصرته في مختلف تجلياته وتعبيراته بما في ذلك الالكترونية فالشعار المرفوع اليوم كلنا شارلي ايبدو، شعار محاربة الإرهاب يرفعه الساسة وبالخصوص اليمين المتطرف الذي وجد فيه ضالته ويرفعه رجال الإعلام ويرفعه المثقفون والفنانون والمرأة، يرفعه الجميع إنه أشبه ما يكون بقميص عثمان ونأمل أن لا يكون كلمة الحق التي يراد بها غير الحق لا تخلو اليوم نشرة إخبارية في الإذاعات والمحطات التلفزية ولا تخلو الصفحات الأولى بالإضافة إلى التحاليل المستفيضة من الحديث عن “شارلي ايبدو” والأحداث الدامية نقرأ ذلك في لوموند و لوفيقارو وليبرسيون و البارزيان و غيرها، الجميع وفي صف واحد ضد الإرهاب والتطرف في حملة لا يعلم أحد إلى أي حد ستنتهي خصوصا وان الاكتشاف لما يسمى بالخلايا النائمة الإرهابية لا تزال تتابع أخباره في كل آن وحين ورغم التطمينات من ان الحرب هي على الإرهاب إلا أنك لا تكاد تسمع إلا كلمة واحدة يرددها المسلمون في فرنسا أو مسلمو فرنسا: ان الانعكاس علينا أي على الإسلام والمسلمين سيكون كبيرا وسلبيا جدا، فالمسلم في فرنسا يعيش اليوم في كابوس وخوف كبير لا يدري ما تخبئه له الأيام القادمة من تصرفات وتحركات وردود أفعال طائشة وغير مسؤولة تصدر عن اليمين المتطرف العنصري الذي هو في تنام في فرنسا وفي أروبا وكذلك ما يمكن أن يتخذ من إجراءات وما يمكن أن يصدر من قرارات لن تكون في الغالب في مصلحة الإسلام والمسلمين



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.