بمناسبة عيد المرأة:كرامة المرأة من كرامة الرجل وكرامتهما من كرامة الأمة

بمناسبة عيد المرأة:كرامة المرأة من كرامة الرجل وكرامتهما من كرامة الأمة


يحتفل التونسيون في شهر أوت من كل عام بذكرى إصدار مجلة الأحوال الشخصية على إثر إحراز البلاد على الاستقلال فقد تمت المبادرة بتقنين ما يضمن للمرأة التونسية حقوقها ويحقق لها كرامتها الفعلية، وقد استوجب إصدار هذه المجلة الرائدة على مستوى البلاد العربية والاسلامية الاستنارة بآراء أهل الذكر من رجال الفقه والقانون من شيوخ الجامع الأعظم ومن كبار أساتذة القانون: قضاة وخبراء ومحامين والذين استعانوا بأهل الذكر في مختلف الاختصاصات ذات الصلة بشؤون الأسرة بمختلف مكوناتها، وكانت وراء هذا الإنجاز (مجلة الأحوال الشخصية) إرادة سياسية متشبعة بالأفكار الإصلاحية التنويرية التي ترنو إلى تجسيم الكرامة الانسانية لطرفي المجتمع: المرأة والرجل، وهي كرامة امتن الله على بني آدم وحواء حين قال جل من قائل (ولقد كرمنا بني آدم...) كرامة تتنافى وتتعارض مع كل مظاهر المهانة والمذلة والدونية التي تنتفي معها كل معاني الخيرية (كنتم خير أمة) والعزة (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، وإنما أنزلت التشريعات وقننت القوانين لكي تجسم في حيز الواقع المثل والقيم النبيلة وتحول دون انتهاكها والنيل منها وقد قيل (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) وأولوا الأمر الذين أمرنا بأن نطيعهم بعد طاعة الله و طاعة رسوله، هم المستنيرون والمتحررون من هوى النفس: علماءا وحكاما فهم المؤهلون لرفع كل ضيم وظلم وامتهان وتعسف يرونه متسلطا على أي طرف من الأطراف التي يرعونها ويقومون على شؤونها الدينية والدنياوية. ورسالة الاسلام التي بعث بها رحمة للعالمين سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن تكون إلا متطابقة مع كل ما فيه المصلحة، إنها رسالة مبنية على درء المفسدة وجلب المصلحة، و (حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله) وقد اعتبر المصلحة في إصدار الفتاوي والأحكام كل الأئمة واختص من بينهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس بأصل من أصول مذهبه اختار له اسم: المصلحة المرسلة، وهي المصلحة المسكوت عنها وذلك بالنظر في الكتاب العزيز القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة الورود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنظر وهذا مهم جدا في السيرة المحمدية العطرة التي هي التجسيم العملي الأكمل والأجمل والأفضل والمحقق لمراد الله ومرضاته وبالاعتبار للواقع وتطور الحياة والمستجدات ومراعاة الأعراف كل ذلك مع التمكن من العلوم الشرعية وعدم التواني عن اعمال الرأي المجسم للاجتهاد الصحيح الذي حمده رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه الذي سأله "بماذا ستحكم؟ قال الصحابي: بكتاب الله فإن لم أجد فبسنة ر سول الله فإن لم أجد أعمل رأيي حينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي الله. إنه إقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة هي أقوال وافعال وإقرارات. فأهل الذكر من العلماء الأعلام المستنيرين المصلحين الذين يعيشون واقع الأمة مدعوون في كل الأزمنة والأمكنة إلى ان يرفعوا عن الأمة الحرج والضيم والغبن وكل ما يتعارض مع الكرامة والعزة. والاسلام هو دين الحرية والمساواة والعدالة والكرامة وهي قيم مشاعة وللجميع، للذكر وللأنثى على حد السواء والفوارق هي الاستثناء، والاستثناء محدود: فالأوامر والنواهي الموجهة إلى الذكر والأنثى عامة (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ...) (ولهن مثل الذي عليهن)(النساء شقائق الرجال) (واستوصوا بالنساء خيرا) وقد جاء ذلك في آخر وصايا حجة الوداع، والمجال لا يتسع لايراد الأدلة الشرعية فضلا عن الحجج العقلية المكرسة لكل مظاهر المساواة بين الذكر والأنثى والرجل والمرأة. والنصوص كثيرة وعديدة والمواقف النبوية متكررة ومتواترة وقد أحدثت إبان تنزلها وتطبيقها العملي في العهد النبوي ثورة فعلية وقفزة نوعية شهد بها القاصي والداني وقد كان ذلك في مجتمع يئد البنت حية ويتوارى من بشر بها عن أعين الناس، (وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت ؟)(واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) في هذا المجتمع ارتفعت مكانة ومنزلة المرأة وارتفع صوتها عاليا يقول للرسول الله صلى الله عليه وسلم: (غلبنا عليك الرجال اجعل لنا يوما تعلمنا فيه ديننا؟) فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن حمد لها موقفها وجرأتها وقال: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) تماما مثلما حمد للبنت التي اشتكت بأبيها الذي أراد أن يزوجها من ابن أخيه دون رضاها، وفي القرآن الكريم وفي السنة النبوية الطاهرة عشرات المشاهد والمواقف المكرمة للمرأة والمدافعة عن حقوقها والمكبرة لمواقفها الجريئة في الحق، وهي مع بعضها البعض متكاملة استند عليها وانطلق منها الناظرون من المصلحين في الأوضاع المتردية التي آلت اليها المرأة في المجتمعات الإسلامية حيث عادت بها العادات والأعراف إلى الجاهلية الأولى فإذا بها عورة كلها: جسدا وصوتا ورأيا !! وقضت هذه الأعراف الجائرة على أحد جناحي الأمة بالإعاقة فسقطت الأمة كلها في مهاوي الظلام والتخلف الذي انعكس على كل مناحي الحياة وكان لا بد من جرأة وإقدام وكان لا بد من تحرير وتنوير كل ذلك في إطار فهم مقاصدي للنصوص الشرعية في تفتح على كل المذاهب والمدارس الفقهية والآراء الاجتهادية التي صدع بها المصلحون و يمكن الظفر بها بيسر في ثنايا الأعمال العلمية لعلماء أعلام من أمثال الشيخ الإمام محمد عبده والإمام محمد الطاهر بن عاشور والأستاذ الزعيم علال الفاسي رحمهم الله وغيرهم ممن ساروا على نهجهم، فهم لم يعطلوا نصوص الكتاب والسنة وإنما أمعنوا النظر فيها عندما قالوا بتقييد المباح ومنع التعدد الذي اشتطرت له شروط مشددة لم تقع مراعاتها في أغلب الأحوال وكذلك الأمر بالنسبة لجعل الطلاق يكون أمام المحاكم فلا يمكن إنكار ما آل إليه أمر التعسف في استعمال هذا الحق في العهود الأخيرة وكذلك الأمر بالنسبة لتحديد سن للزواج ولا يمكن النزول دونها بالنسبة للبنت، فكل تلك الإصلاحات لا تعارضها النصوص المحكمة، وكلها تقتضيها مصلحة بينة جلية تتحقق بها للمرأة وللرجل وللأسرة وللمجتمع كله فوائد جمة ويجني ثمرتها الجميع، فكرامة المرأة من كرامة الرجل وكرامتهما من كرامة المجتمع والأمة جمعاء.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.