ايام وليال رمضانية مع الجالية المسلمة في بعض المدن الفرنسية

ايام وليال رمضانية مع الجالية المسلمة في بعض المدن الفرنسية


تهيا لي ان اقضي اياما من شهر رمضان المبارك متنقلا بين عدة مدن فرنسية (باريس في سان دني وسفرون وارجنتاي وكورون... روون، مرسيليا) القي الدروس واخطب الجمعة واسامر واحاضر بحضور مكثف ودعوة وترحيب كبير من الجمعيات والهيآت القائمة على المساجد والمصليات التي تزداد اعدادها على مر الايام. وبعد ان كانت اماكن اداء الصلوات محدودة في عددها متواضعة في هيئتها تشهد اليوم كل المدن الفرنسية حضائر بناء لمساجد تتسع لآلالف المصلين مزودة بكل المرافق والبعض منها تضم الى جانب قاعة الصلاة المركبات المدرسية بعديد القاعات وتحصل اليوم الجمعيات المشرفة على مشاريع تشييد المساجد على الرخص من السلطات المحلية والجهوية بكل يسر بعد ان غيرت السلطات الفرنسية رايها في اتجاه المزيد من الشفافية والعلانية والظهور التي رحب بها المسلمون باعتبار انه ليس للمسلم ما يخفيه وهو يحبذ ان يتعامل معه وفق هذه الكيفية التي تتحقق بها غاية الطرفين (السلط الفرنسية والمسلمون) ورغم ان رمضان وسيستمر كذلك لاعوام قادمة ياتي في فصل تطول فيه ساعات النهار وتقصر فيه ساعات الليل حيث يحل وقت الافطار في الساعة العاشرة ليلا ووقت السحور حوالي الثالثة والنصف صباحا وترتفع درجة الحرارة في بعض الايام وهي حرارة مصحوبة برطوبة يشتد معها العطش والتعب علما وان نسق العمل والدراسة لا يشهدان تعديلا ومع كل ذلك فان المسلمين في فرنسا يحرصون على ان يؤدوا شعيرة الصيام مستوفية لكل مستلزماتها من صلاة التراويح وحضور ما يلقى من الدروس والمسامرات، يسعون الى نوال الاجر والثواب بصبر ومصابرة وفي تآلف وتآزر فتراهم تكتض بهم المصليات والمساجد حتى لا تكاد تتسع اعدادهم المتنامية والمتنوعة: كهولا وشيوخا، نساء ورجالا وشبانا وحتى اطفالا تاتي بهم اسرهم من اجل تجذيرهم في هويتهم الاسلامية مغتنمة اجواء رمضان الاحتفالية التي يحييها قراء مهرة يرتلون القرآن ترتيلا باصوات جميلة تشد السامعين (وياتي هؤلاء الائمة القراء باعداد كبيرة من المغرب والجزائر) * وتحرص المساجد والمصليات على اقامة موائد افطار تؤمها اعداد كبيرة تصل الى المئات في بعض المساجد وهي مفتوحة امام كل من يرتادها من اولئك الذين لا يقيمون مع عائلاتهم (طلبة وعمالا) وكذلك يجد الفقراء والمحتاجون في موائد الافطار الرمضانية ما يغنيهم عن الطلب والمسالة وينفق المحسنون على هذه الموائد بسخاء رغبة في نوال الاجر والثواب الذي اعده الله لمن فطر صائما. * ولم تقتصر موائد الافطار على المساجد والمصليات بل يتنافس بعض اصحاب المطاعم (في مرسيليا مثلا) في اقامة موائد افطار مجانية تحضرها اعداد كبيرة من المسلمين وغير المسلمين في مظهر يشد الانتباه ويجلب الاحترام والاعجاب بفعالية تعاليم الاسلام واثارها على المسلمين في تجسيم قيمة التآزر والتراحم بين الناس * والذي يلاحظه المتابع للحضور الاسلامي في الغرب وفي فرنسا بالخصوص ذلك الاقبال المتزايد على التدين والذي يبدا بالتعرف على الاسلام من خلال ما يبث و يذاع ومن خلال ما يصدر من كتب وما تخصصه الجرائد والمجلات من ملفات وتحقيقات ودراسات لما يسمونه في الغرب بالظاهرة الاسلامية التي تشكلت في مظاهرة عديدة (ماكلا ومشربا وملبسا...) وهي ممارسات تجد تبريرا لها في الرغبة لدى هؤلاء في الحفاظ على الهوية الاسلامية * وتحرص الهيآت الاسلامية والجمعيات القائمة على المساجد والمصليات على تنظيم موائد افطار مفتوحة تدعو لها السلطات المحلية والجهوية وممثلي الدينين المسيحي واليهودي ترسيخا لقيم التعايش في امن وسلام واحترام متبادل يتوج كل ذلك بلقاء يعقده الوزير الاول ووزير الداخلية باعتباره المسؤول على شؤون الديانة مع ممثلي المسلمين في فرنسا وتتبادل الكلمات التي تحمل رسائل من طرف المسؤولين الفرنسيين تدعو الى تكريس قيم المواطنة والاحترام لقيم الجمهورية والعيش في امن وسلام ونبذ التعصب والتطرف والارهاب مع التاكيد على تطبيق القانون والحيلولة دون ان تستغل وتنحرف المساجد عن دورها لتبث خطاب الكراهية والعنف !! وهي رسائل يتجاوب معها الطرف الاسلامي بجد ومصداقية فاغلب المساجد والمصليات على كثرة اعدادها (هي آلاف بدون مبالغة) تنشر خطاب الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش وهو الذي يلقى الآذان الصاغية ويشد مرتادي المساجد الا ان ذلك لا يعني انه لا توجد اخلال وتجاوزات وهذه تغذيها بعض التيارات المتشددة التي تتلقى افكارها وآراءها في الغالب من الانترنات والفايسبوك واليوتيب والهواتف النقالة ينساق اليها بالخصوص المهتدون الجدد الذين لا يجدون الرعاية والاحاطة الكافية ويا للأسف مما يجعلهم لقمة سائغة لهؤلاء المتشددين وعدد هؤلاء المهتدون لا يستهان به تضاف اليهم اعداد كبيرة من شباب الاحياء العائدين الى الدين الذي يمثل بالنسبة اليهم ملاذا ولكنه ملاذ غير مؤطر ولا مهيا ولا مستجيب لتطلعاتهم وارشادهم الارشاد السليم القويم الذي يجنبهم الوقوع في مهاوي التعصب والارهاب. اعداد هؤلاء الشباب كبيرة وما لم تقع المسارعة بوضع برامج خصوصية لهؤلاء تتكامل فيها الجهود وتتابع فيها المبادرات بحيث لا تكون ظرفية موسمية ولا تكون جزئية مقتصرة على الجانب الديني بل تضيف اليه الجانب الاجتماعي والثقافي والمادي العملي بفتح آفاق الحياة الكريمة لان الفراغ والشباب مفسدة اي مفسدة كما قيل ما لم يقع ذلك فان مخاطر الانحراف والانجراف واردة بقوة * المسلمون في فرنسا ثقل كبير وواقع بارز ظاهر لا يمكن تجاهله والكل هذه الايام مشغولون به حتى اصبح هاجسا بالنسبة للسلطات الفرنسية بعد الاحداث المؤلمة التي شهدتها الساحة الفرنسية في عدة مدن ومما لفت الانتباه لدى الراي العام الفرنسي في الفترة الاخيرة هو برغم العدد الكبير للمساجد والمصليات وبرغم اتساعها والاضطرار في بعض الاحيان الى استعمال قاعات الرياضة ووضعها على ذمة الجمعيات الدينية لاقامة الصلوات فانه في مقابل ذلك يضطر القائمون على الكنائس التي خلت من مرتاديها الى التنازل عنها للبلديات لاتخاذها فضاءات اجتماعية وثقافية وحتى بيعها وهو ما دعا عميد مسجد باريس الى الدعوة لاعطائها للمسلمين ليقيموا فيها صلواتهم الامر الذي سانده بعض رجال الدين المسيحي الذين قالوا انه افضل من ان تحول الى مطاعم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.