الوسطية تلمح في كل تعاليم الاسلام
للاسلام الدين الخالد خصائص ومميزات عرف بها بين المذاهب والأديان جعلته اقرب منها جميعا الى انفس الناس وامزجتهم، وهي خصائص ومميزات متعددة منها تلك الوسطية التي نلمحها في كل تعاليم الاسلام وتوجيهاته حتى كادت تتخذ شعارا له ولأمته. وتاريخ البشرية الطويل – سواء قبل مجيء الاسلام أو بعده عندما وقع الابتعاد عنه في بعض الاحيان- حافل على مستوى الافراد والجماعات بالافراط والتفريط وبالفعل ورد الفعل وبالمبالغة والتقصير وكان لكل ذلك اثره السلبي على مسيرة المجتمع. ولا ننكر ان المسلمين – افرادا وجماعات- برز بين صفوفهم في بعض الاحيان نزوع الى الافراط أو الى التفريط ومرد ذلك الى عمليات التاويل المتعسف للنص الشرعي التي تنتهي اليه به الى حد الافراغ من محتواه ومقاصده ولقد كانت لهذه التاويلات المتعسفة جذور خارجة عن الاسلام غريبة عنه وخلفيات لم يستطع اصحابها – أو لم يريدوا- التخلص منها. وكانت هذه التاويلات المتعسفة الممتدة من التقيض الى النقيض محل جدل كبير ورفض عنيف من طرف جمهور الامة الإسلامية. لكن الذي يعود الى اصول الاسلام وبالخصوص الى القرآن الكريم وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد من الحجج والادلة على المنزع الوسطي ما لا سبيل الى انكاره أو تجاهله. والذين ينزعون بالاسلام منزعا عقليا أو روحيا أو ماديا يسقطون من حسابهم كل ما لا يوافق افهامهم وغاياتهم من النصوص الشرعية مركزين على ما يخدم اغراضهم واهدافهم. وتلك خيانة عظمى للامانة العلمية ووقوف عند ويل للمصلين وهي ايمان ببعض الكتاب وكفر بالبعض الآخر من يستطيع ان ينكر ان الاسلام استجاب لرغبات الجسم وغرائزه باباحته التمتع بالطيبات وزينة الحياة وعدم تحريمه الا لما خبث – وهو قليل- مما بث في هذا الكون. بل بلغ الامر بالاسلام الى حد الارتفاع بما ياتيه المسلم من متع جسدية غريزية في اطار الشرع الى مرتبة العبادة والقربة الى الله سبحانه وتعالى وتلك آية اعجاز وابداع في هذا الدين الحنيف. ومن يستطيع ان ينكر ان الاسلام استجاب لما في الانسان من طاقات عقلية منطقية وما فيه من ابعاد روحية وجدانية اعطى لكل منها ما يستحق من العناية. ثم من ينكر ما في الاسلام من دعوة ملحة للمسلم كي يعمل لدنياه ورقيه وقوته وعزته دون نسيان للمصير الذي ينتظره والرحيل الذي لا بد منه لكل كائن حي. وكيف نستطيع ان نتجاهل ما في تشريعات الاسلام من ملاءمة بين مطالب الفرد ومطالب المجتمع بحيث يتكاملان ولا يتصارعان والنصوص المحكمة التي تدعم هذه المعادلات اكثر من ان تحصى أو تحصر يدعمها ما نقلته كتب السير والتاريخ الصحيح عن المسلك والمنهج الذي توخاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك اصحابه فكان يأتي امامهم كل ما اباحه الاسلام للمسلم من طيبات ويتمتع امام اعينهم بما في الدين من رخص وتيسيرات فلم يخير عليه الصلاة والسلام بين امرين الا اختار ايسرهما ما لم يكن حراما وكان يصوم ويفطر ويمشي في الاسواق ويتزوج النساء ثم يقول لاصحابه ولامته من بعده (ومن رغب عن سنتي فليس مني)
