المسلمون خارج ديار الإسلام وواجب تجسيم قيم الأصالة والوسطية والتفتح والتسامح

المسلمون خارج ديار الإسلام وواجب تجسيم قيم الأصالة والوسطية والتفتح والتسامح


لابد في البداية من التنويه بمحافظة الجالية المسلمة المقيمة بالخارج (فرنسا وبقية البلدان الأروبية) على خصوصيات الإسلام ومميزاته والتي هي صفات السماحة والاعتدال والوسطية والابتعاد عن كل مظاهر التزمت والتعصب والانسياق الأعمى في متاهات الفتنة والاختلاف المؤدية حتما إلى التطرف والإرهاب. فالمسلم هو مثال للرفق واللين، ييسر على نفسه وعلى الناس ويأبى أن يشدد ويعسر وينفر وهو في هذا المنهج القويم السليم متبع غير مبتدع يتطابق تمام التطابق مع مقاصد دينه الحنيف ونصوص كتابه العزيز. يقول الله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) آية ويقول نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق) حديث و(يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) حديث و(إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) حديث و(إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) حديث و(إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) حديث. * فالمسلم المقيم بالخارج وريث لإسلام السماحة، إسلام الوسطية، إسلام الاعتدال، وإسلام الأخذ بالأسباب، إسلام التفتح على الآخر دون عقد ولا مركبات، إسلام الجسور غير المقطوعة والأيدي الممدودة بيضاء من غير سوء، إسلام التعايش الذي نادت به آيات الكتاب العزيز (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) آية، (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء) آية (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) آية (ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان) آية. تلك هي بعض عناوين إسلام المسلمين المقيمين بالخارج، وهي عناوين معبرة عن جوهر الإسلام وروحه، إنها آيات بينات وأحاديث محكمة كانت منطلقا لأعمال علمية رائدة عميقة هي من مظاهر العبقرية الإسلامية التي يمتد سمط روادها في هذه الربوع من سحنون إلى ابن عاشور رحمهم الله وجازاهم عن دينهم وأمتهم خير الجزاء. ولم تبق هذه الخصوصيات والمميزات دفينة في الكتب المتراكمة على الرفوف بل نزلت إلى حيز الواقع المعيش في الحواضر والمدن الكبرى وفي القرى والأرياف والفيافي. * إسلام فطري بسيط على السجية لا تكلف فيه بل تلقائية وعفوية ومصداقية ومسايرة لمقتضيات العقلانية وسنن التطور التي لا تعرف التوقف. تناقلت هذه الخصوصيات الأجيال المتعاقبة وتوارثتها ولم تزدها الأيام والأحداث إلا تمسكا بها. ومن منطلق المسؤولية أمام الله وأمام الأمة ودينها الحنيف جاءت العزيمة في جعل هذا السمت السليم القويم يبقى ولا يتعرض للاهتزاز والزعزعة لأن ذلك لو وقع لا قدر الله لتعذر إصلاحه ورأبه. فما يعيشه المسلمون داخل حدود البلاد الإسلامية (وخارجها اشد) من مغريات وعواصف هوجاء لا تستثني قيمة من القيم ولا ثابتا من الثوابت وما نشهده من اختلاط للحابل بالنابل وفتنة وفرقة وتفسيق وتكفير وحتى ترويع وتقتيل للأبرياء يجعل من تكثيف الإحاطة بالمسلمين المقيمين بالخارج وتعزيزها وتنويعها واستعمال كل أساليب ووسائل الإبلاغ والإقناع أولوية لا ينبغي أن يستكثر ما يبذل فيها لان مردودها كبير وكبير جدا ولأن غيابها وضعفها وتأخير مرتبة أولويتها يعود بالضرر الكبير العاجل والآجل على بقية الجوانب، إن هذه الإحاطة هي حجر الزاوية وهي صمام الأمان. إن الجالية المسلمة المقيمة في أروبا تواجه خطرين: * خطر المسخ والذوبان والوقوع فريسة ولقمة سائغة لأطراف ذات إمكانات مادية وبشرية لا يتصورها العقل. * وخطر الوقوع في فخ تيارات متعصبة ومتزمنة لا هم لها إلا تعبئة من تقتنصهم وجعلهم كالدمى بين أيديها تفعل بهم ما تريد من شر مستغلة قداسة الدين وتأثيره على النفوس وبراءة وبساطة اغلب من تستهدفهم، مسارعة إلى ملء ما يتراءى لها من فراغ لا يمكن إنكاره. من هنا تعظم المسؤولية تجاه الجالية المسلمة وتصبح الإحاطة الدينية الصحيحة وتقديم الزاد العلمي المناسب لكل الفئات التي تتكون منها الجالية وبالخصوص الجيل الصاعد من أبناء الجيل الثاني والجيل الثالث أولوية وضرورة وعملا متواصلا لا يعرف التوقف مع التقويم المستمر لسد الثغرات ومراجعة ما ينبغي مراجعته في الإبان وقبل فوات الأوان. إن المسلمون الذين يعيشون في مختلف المدن الأوروبية بأعداد كبيرة يحتاجون هم وأبناؤهم وبناتهم إلى كل مظاهر الرعاية المادية والمعنوية، إنهم يحتاجون في هذا الظرف الصعب والدقيق والمليء بالتحديات والمخاطر إلى مزيد من التحصين بالدين الصحيح والفهم السليم لمبادئه والممارسة الصادقة المشرقة لتعاليمه السمحة وهذا لا يكون إلا بمزيد التوظيف الأتم والأكمل للمتاح من الإمكانات البشرية والمادية واستخدام كل وسائل الإبلاغ العصرية والمتطورة. وحصيلة التجربة في الإحاطة بالجالية المسلمة تسمح لنا بأن نتوق إلى الأمثل والأفضل والأحسن ونحن قادرون على ذلك ومهيؤون تاريخيا وحضاريا ومؤهلون في هذه المرحلة من تاريخ الإنسانية للقيام بدور رائد في إشاعة قيم التسامح والسلام والتضامن، قيم التعايش والتمدن والتحضر ويمكن أن يكون أبناء الجالية المسلمة المقيمة في الخارج الصورة المثلى والنموذج الذي يقتدى به والذي يكون محل ترحيب شعوب وبلدان الاستقبال واعتزاز تونس بلد المنشأ والترعرع والتغذي من معين هذه القيم الإنسانية والإسلامية السمحة. والمسلمون المقيمون بالخارج يعيشون في مجتمعات لا تقاسمهم المعتقد والعادات والتقاليد والثقافة والحضارة والتاريخ ومع ذلك فانه محكوم على الذين هم في وضعهم أن يراعوا أصول الإقامة الوقتية أو الدائمة في البلاد التي هم موجودون فيها. وللتوعية الدينية دور كبير واثر لا ينكر في الوصول إلى هذه الغاية التي تتحقق بها مصالح جميع الأطراف بما في ذلك بلاد الإقامة. تعاليم الأديان بصفة عامة ودين الإسلام بصفة خاصة لا يمكن أن تتعارض أو تتناقض مع كل ما يمكن أن يتحقق به الوئام والانسجام والتعايش والتعاون بين بني الإنسان مهما كانت عقائدهم وأجناسهم وفئاتهم. ومهما ألصقت بالدين وقيمه من مواقف وتصرفات شاذة ومنحرفة مشوهة إلا أن الأديان تظل دائما وأبدا بريئة لا يمكن أن يحكم عليها إلا بما تضمنته أصولها الثابتة من أحكام ومواقف وما جسمه في حيز الواقع رسل الله وأنبياؤه عليهم السلام إذ هم وحدهم الحجة والمرجع يقول الإمام مالك (كلكم راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم). إن التوعية الدينية الموجهة إلى الجالية لا بد أن تركز على التعريف بما تزخر به تعاليم الإسلام من قيم إنسانية سامية وضرب الأمثلة من واقع الممارسة الفعلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم وهي أجمل صورة على كمال وجمال وواقعية تعاليم الإسلام. * فكرامة الإنسان والمنزلة المتميزة التي يحتلها في دين الإسلام تنطق بها آيات الكتاب العزيز التي أعلنت كرامة بني آدم مهما كانت أديانهم وألوانهم وأجناسهم (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) آية. * إن الإنسان في دين الإسلام خليفة الله في الأرض (إني جاعل في الأرض خليفة) آية. * والنفس البشرية في دين الإسلام عزيزة على ربها لا يجوز التعدي عليها وظلمها (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) آية. * والحد من حرية الإنسان وإكراهه وقهره واستعباده حرام في دين الإسلام وظلم عظيم (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراما فلا تظلموا) حديث قدسي * فهذه المعاني وغيرها كثير ما يجب أن تتضمنه التوعية الدينية اليوم في ديار الإسلام وخارج ديار الإسلام حيث تروج كثير من الأحكام المسبقة والشبهات حيث تلصق بالإسلام وبالمسلمين ترهات وأباطيل لا تصمد أمام النصوص الصريحة والمحكمة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة سلف الأمة الصالح. * وتقديم النصوص والحقائق التاريخية وحسن عرضها والتذكير بها والإلحاح عليها مما يقتضيه الظرف وهو أيضا مما يرسخ في الأذهان الفهم الصحيح للدين الحنيف ويحول دون كل تحريف أو انحراف بالدين عما أراده به ومنه الله من صلاح أحوال الناس وفي ذلك أيضا ابلغ رد على الشبهات والأباطيل التي أذكتها أحداث واستغلتها أطراف ويتحمل تبعاتها الإسلام والمسلمون بدون استثناء!!. * إن التوعية الدينية لا يمكنها أن تتجاهل الواقع والمستجدات ولأجل ذلك فإنها تغتنم المناسبات والمواسم التي يشتد فيها الاستعداد للتزود بالزاد الروحي لكي تجعل من هذا الزاد زادا ذا مردود ايجابي وفعال في سلوك المسلم وتصرفه وما يصدر عنه من مواقف وذلك لعمري داخل في التقوى وهو صميمها وجوهرها (وتزودوا فان خير الزاد التقوى) آية، (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) آية (قل آمنت بالله ثم استقم) حديث، (اتق الله حيثما كنت) حديث وهذا قليل من كثير من هدي الإسلام الذي يجعل من سلوك المسلم وتصرفه ومعاملته فعلا وقولا جوهر الإسلام وروحه (فالدين النصيحة) حديث و(المسلم من سلم الناس من يده ولسانه) حديث. * إن التوعية الدينية لا ينبغي أن تمل من التذكير (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) آية، بالحقائق الأولية البديهية الأساسية التي قد يقال إنها معروفة من قبل الجميع ولكن الواقع والممارسة الفعلية في حياة الناس تؤكد ضرورة الإلحاح عليها وإعطائها الأولوية المطلقة حماية للدين وحفاظا عليه من الانحراف به عما أراده منه وبه المولى جل وعلا. وان التفاعل لا يمكن أن يكون إلا كبيرا مع النصوص الموثقة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام الداعية إلى التسامح والتعايش والحرية والمساواة بين بني الإنسان من مثل قوله جل من قائل (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) آية (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) آية (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) آية (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) آية (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) آية (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) آية (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) آية (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) آية (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراما فلا تظالموا) حديث (ألا وإن دماءكم وأعراضكم وأموالكم بينكم حرام) حديث (ادخلوا في السلم كافة) آية (أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم) حديث (ظلمناك أخذنا من الجزية صغيرا وتركناك كبيرا) اثر وامتناع عمر من الصلاة في الكنيسة عندما دخل بيت المقدس مخافة أن يتخذ المسلمون فعله ذريعة فيفتكون من النصارى كنائسهم. بوحي من هذه النصوص وغيرها اهتدى المسلمون عبر تاريخهم الطويل وفي كل ديار الإسلام، وكان المسلمون نموذجا لهذه السماحة حيث عاش في أمان واطمئنان وفي سلام اليهود والنصارى تصان أرواحهم وأعراضهم وأموالهم ولا تنتهك معابدهم في جربة حيث الغريبة وفي تونس وقرطاج وغيرها من مختلف مدن والحواضر الإسلامية مشرقا ومغربا حيث ظلت كنائس مختلف الطوائف المسيحية ترتفع عالية وبحفاوة كبيرة استقبل أهل الشمال الإفريقي في تونس والجزائر والمغرب إخوانهم الأندلسيين المسلمين ومن جاء معهم من اليهود الهاربين من ويلات التعذيب الذي تسلط عليهم من غلاة المتعصبين الصليبيين. وكان ولاة الأمور قبل حلول الحماية بهذه الربوع سباقين إلى إعطاء العهود والمواثيق لأهل الذمة من المسيحيين واليهود. وبعد الاستقلال تمت المبادرة إلى تنظيم شؤون ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين واليهود وأصدرت في ذلك القوانين والتراتيب حماية لحقوق كل من يعيش في هذه البلدان الإسلامية مهما كانت ديانته ومعتقده.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.