المسجد فوق الجميع وللجميع... المسجد بين الواقع والمأمول

المسجد فوق الجميع وللجميع... المسجد بين الواقع والمأمول


يجدر بنا أن نقدم لموضوع: المسجد للجميع وفوق الجميع المسجد بين الواقع والمأمول بتمهيد يتضمن تعريفا للمسجد وبيانا لمكانته ومنزلته في دين الاسلام وما ورد له من ذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة وما استنبطه العلماء للمسجد من احكام يتوضح بها دوره وما ينبغي الالتزام به تجاهه من طرف من يرتادونه ومن لهم به صلة من قريب أو بعيد. فالمسجد لغة: هو مفعل بالكسر اسم لمكان السجود وبالفتح اسم للمصدر وقد روي المسجد (بالجر) والمسجد (بالفتح) قال في الصحاح والمسجد بالفتح جبهة الرجل حيث يصيبه السجود والمسجد شرعا كل موضع من الأرض لقوله عليه الصلاة والسلام (وجعلت لي الأرض مسجدا) وهو طرف من حديث أخرجه البخاري عن جابر في باب التيمم وهذه من خصائص الأمة الإسلامية قال القاضي عياض: لأن من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته. *فالمساجد تطلق على البيوت المبنية للصلاة فيها لله فهي خالصة له سبحانه لعبادته وكل موضع يمكن أن يعبد الله فيه ويسجد وخصصه العرف بالمكان المهيأ للصلوات الخمس ليخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها فلا يعطى حكمه وكذلك الربط والمدارس فإنها هيأت لغير ذلك. ومن الألفاظ ذات الصلة بالمسجد الجامع ومن معاني الجامع في اللغة أنه المسجد الذي تصلى فيه الجمعة وسمي بذلك لأنه يجمع الناس لوقت معلوم ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن هذا المعنى والصلة بينهما هي أن الجامع أخص من المسجد والمصلى وهو في اللغة بصيغة اسم المفعول موقع الصلاة أو الدعاء.ويراد به في الاصطلاح الفضاء والصحراء وهو المجتمع فيه للأعياد ونحوها. والصلة بين المسجد والمصلى أن المصلى أخص من المسجد. الزاوية: وهي في اللغة واحدة الزاويا وزاوية البيت اسم فاعل من ذلك لأنها جمعت قطرين منه (1) وأول مسجد وضع للناس هو المسجد الحرام الذي في مكة قال تعالى (إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا) سورة آل عمران 96 وأول من بنى مسجدا في الاسلام عمار بن ياسر وهو مسجد قبا (2) *وفي فضل بناء المساجد وتشييدها وردت عديد الآيات ورويت أحاديث كثيرة نذكر منها قوله تعالى (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب) الآيات 36/37/38 سورة النور وقال تعالى (وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) الآية 127 البقرة والرفع إما حقيقي أو مجازي كالتطهير في قوله تعالى (وطهر بيتي للقائمين والركع السجود) الآية26 سورة الحج قال العلماء والمراد بالبيوت هنا المساجد وقيل (المساجد بيوت الله تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض) عن ابن عباس بمجمع الزوائد وفي صحيح مسلم (من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة) وعن عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة) قال القرطبي هذه المثلية ليست على ظاهرها ولكن المعنى أنه يبني له بثوابه بناء أشرف وأعظم وأرفع. قال ابن الجوزي وقوله لله يريد به الاخلاص في الفعل ومن بنى مسجدا فكتب اسمه عليه فهو بعيد عن الإخلاص. وروى ابن ماجة في سننه بإسناد صحيح من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من بنى لله مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) وفي حديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فقال ورجل قلبه معلق بالمساجد ) رواه مسلم قال النووي معناه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها وليس دوام القعود فيها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تذهب الأرضون كلها يوم القيامة إلا المساجد فإنها ينظم بعضها إلى بعض) الطبراني في الأوسط وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال لابنه يا بني (لتكن المساجد مجلسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله ضمن لمن كانت المساجد بيته الأمن والجواز على الصراط يوم القيامة) رواه البزار وفي القرآن الكريم ذكر للمسجد الحرام والمسجد الأقصى ببيت المقدس * المسجد الحرام ذكر المسجد الحرام في خمسة عشر موضعا (ستة في البقرة) الأول: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) البقرة 144 الثاني: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك) البقرة 149 الثالث: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام) البقرة 150 الرابع: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) البقرة 191 الخامس: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) البقرة 196 السادس: (والمسجد الحرام وإخراج أهله) البقرة 217 *وفي سورة المائدة (أن صدوكم عن المسجد الحرام) الآية2 *وفي سورة الأنفال (وهم يصدون عن المسجد الحرام) 94 *وفي سورة التوبة في ثلاث مواضع الأول: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) الآية 9 الثاني: (وعمارة المسجد الحرام) 19 الثالث: (فلا يقربوا المسجد الحرام)28 وفي بني اسرائيل (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) سورة بني اسرائيل1 وفي الحج (المسجد الحرام الذي جعلناه للناس) الحج25 وفي الفتح موضعان الأول (وصدوكم عن المسجد الحرام) الفتح25 الثاني (لتدخلن المسجد الحرام) الفتح27 وقد أورد الزركشي في كتابه إعلام الساجد بأحكام المساجد للمسجد الحرام الكعبة المشرفة ولمكة المكرمة ما يزيد على مائة خاصية وخصوصية وحكم فقهي لا يتسع المجال لتلخيصها فضلا عن الإتيان عليها وكذلك فعل بالنسبة للمسجد النبوي والمسجد الأقصى فهما والمسجد الحرام التي تشد الرحال اليها ويتضاعف ثواب الصلاة فيها فالمسجد النبوي هو الذي أنشأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الموضع الذي اشتمل ضم الجسد النبوي في البقعة التي هي أفضل بقاع الأرض وقد حكى الإجماع على ذلك القاضي عياض وفي ذلك قال بعضهم جزم الجميع بأن خير الأرض ما قد حاط ذات المصطفى وحواها نعم لقد صدقوا بساكنها علت كالنفس حين زكت زكى ماواها وفي فضل المسجد النبوي والمدينة المنورة وما يجب لهما الأحكام أورد الزركشي ما يزيد على أربعين مسألة يتعذر استعراضها وهكذا فعل بالنسبة للمسجد الأقصى الذي في بيت المقدس والذي هو أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والذي قال في حقه تبارك وتعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) وقد أورد له الزركشي في إعلام الساجد عشرين مسألة بين خصوصية وفضيلة وحكم فقهي أما سائر المساجد المنتشرة في سائر بقاع الأرض في ديار الإسلام وخارجها والتي شيدها المسلمون حيثما حلوا يرتادونها لأداء صلواتهم: الصلوات الخمس في كل يوم وليلة وصلاة الجمعة والعيدين والتي لا تخلو منها مدينة أو قرية أو حي وهي في المداشر فهي الأماكن المقدسة التي يقصدها المسلم لاداء هذا الركن الأساسي من أركان الدين الخمسة أعني به الصلاة. فقد جعلت المساجد وأذن الله برفعها وإقامتها وتشييدها ليتقرب فيها إليه وأداء حقه عليهم الذي قضى به حين قال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهذه العبادة اشترط الله لقبولها منهم أن يخلصوا في القيام بها لوجهه الكريم (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فالله تبارك وتعالى لا يقبل من العمل إلا أخلصه وأصوبه، أما الإخلاص فهو تمحيص وتمحيض العمل والتقرب به إلى الله وحده واما أصوبه فيكون بالاتباع لا الابتداع وإذا كان ما يؤدى في المساجد من صلوات مكتوبة مفروضة أو ما هي من قبيل النوافل الشأن فيها الإسرار بها لا إظهارها خشية الوقوع في الرياء وهو الشرك الخفي والأفضل أن تؤدى في البيوت عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجعلوا بيتوكم قبورا) أي اجعلوا فيها نصيبا من صلواتكم غير المفروضة. إذا كان الشأن فيما يؤدى في المساجد هو الإخلاص فإن بيوت الله أي المساجد والجوامع ينبغي أن تمحض لطاعة الله وطاعة الله فقط قال تعالى (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) بمعنى لا تعبدوا مع الله غيره، والدعاء مخ العبادة وأي أمر وشأن أو حركة أو حتى كلمة ينطق بها من يرتاد المسجد ليصلي لنفسه أو لؤم الناس ويرشدهم ويوجههم فلا ينبغي لكل ذلك أن يكون متنافيا أو متعارضا أو مناقضا لمنطوق العبادة الخالصة لله تبارك وتعالى. *والمساجد لأنها بيوت الله فإن حق ارتيادها والتقرب فيها إلى الله بالطاعات ينبغي أن يكون متاحا للجميع لا يحتكره طرف بعينه فردا كان أو جماعة ولا يمنع من ارتيادها أحد فذلك ما نهى الله عنه وشدد الوعيد عليه حين قال جل من قائل (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) فلا يمنع من ارتياد المسجد ذكر ولا أنثى ولا كبير ولا صغير ولا غني ولا فقير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وإذا كانت المساجد لله بصريح الآية (وان المساجد لله) فهي بذلك فوق الجميع لا يحتكرها طرف ولا وصاية عليها لأحد إلا ما يقتضيه واجب القيام بخدمتها وصيانتها ممن تتوفر فيهم المؤهلات العلمية والأخلاقية والسلوكية من أئمة وعلماء هم الطائفة من الأمة التي أمرت ان تنفر لتتفقه في الدين ولتقوم بواجب الإرشاد والتوجيه والتعليم الصحيح البعيد عن كل توظيف رخيص تأباه تعاليم الدين الحنيف ولا يرضاه الله ممن يرثون الأنبياء في دعوة الناس إلى الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، ولا ضرر فيه ولاضرار ولا حض فيه للأهواء والأغراض الشخصية والطموحات الدنيوية *المساجد بيوت الله فوق الاختلافات والتجاذبات بكل أنواعها وأشكالها مما الشأن فيها ميادين الحياة الرحبة وعبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشؤون الحياة الدنيا فقد قال وهو صاحب الرسالة ومبلغها ومبينها للناس (لتبين للناس ما نزل إليهم) قال بكل تواضع (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وبذلك حسم رسول الله صلى الله عليه وسلم القول فيما هو من شوون الحياة الدنيا وما هو من شؤون الدنيا وهذا الفصل والحسم لا ينقص من أمر الدين: عقيدة وعبادة وقيما أخلاقية سلوكية وحضارية. *فالمسجد في دوره الصحيح ورسالته الحقيقية مكان للتزود بخير زاد والخروج منه إلى معترك الحياة ومصاعبها بشحنة روحية تمنع صاحبها ومحصلها من الوقوع في أي منكر من القول و الفعل والتصرف وبذلك تكون الصلاة التي يؤديها المسلم في المسجد ناهية له عن الفحشاء والمنكر وهو كل ما ينكره العقل السليم من شر وضرر وظلم وعدوان (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) *المسجد في دوره الصحيح ورسالته الحقيقية بما فيه من سكينة وطمأنينة وسمو روحي يحتاج إليها الجميع ولا غنى لأحد عنها ولا توجد إلا في المسجد فلا يمكن أن يكون المسجد مصدرا للاختلاف والتنازع ولا يمكن أن يشحن القلوب بالكراهية والبغضاء. *والخطاب الذي يلقى على منابر المساجد في الجمع والأعياد وفي الدروس وسائر ما يدور في رحابها لا يمكن أن يكون إلا خطاب دعوة للتحابب والتآخي ينبذ الفتنة ويتصدى لدعاتها إذ (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) إنه خطاب يجمع و لا يفرق وينير ولا يثير إنه خطاب السماحة والرفق واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، إنه خطاب الرحمة لأن الاسلام دين الرحمة ونبي الاسلام هو نبي الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) هذا هو الدور الصحيح للمسجد وهذه هي رسالته إنها رسالة تسام وترفع عن كل ما يمكن أن يحبط الأعمال ومما فيه اتباع لخطى الشيطان لذلك ورد النهي والوعيد الشديد للذين يحيدون بالمسجد عن هذا الدور الروحي الخالص لله رب العالمين وجمعت كتب الفقه والتفسير وشرح الحديث وأوردت كتب السيرة والتاريخ أحكاما وخصوصيات للمسجد واجبة الالتزام لكل من يرتاد المسجد راغبا في تحصيل الأجر والثواب أورد منها الزركشي في إعلام الساجد بأحكام المساجد ما يزيد عن المائة وثلاثين مسألة جديرة بأن تستخرج وتتخذ دستورا للمسجد يلتزم به الجميع يضاف إليها كل ما استنبطه العلماء والفقهاء وما أصدروه من فتاوى استندت إلى نصوص الشرع من قرآن وسنة في أفهام عميقة بعيدة الأغوار تجعل المساجد مثلما أراد الله لها أن تكون بيوتا أذن الله إن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له ما فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة *فلم تجعل المساجد للبيع ولا للشراء لا قاعاتها ولا الساحات المحيطة بها ولا ينبغي أن يرتادها من لا يعظم شأنها فضلا عن وجوب تجنيبها أي أذى بكل مظاهره المادية والمعنوية فهي اماكن مطهرة ترتادها الملائكة تغشى فيها المؤمنين بالسكينة والطمأنينة ليست المساجد مكانا للنوم أو قضاء الحاجات البشرية وكثيرة هي الأحاديث الناهية عن تنجيس بيوت الله بمختلف النجاسات بما فيها الروائح المؤذية جراء الأطعمة والأغذية (ثوما وبصلا ...) ولا يقرب المسجد من لا يكون على طهارة حسية كاملة عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم) *وفي الحديث من الأحكام الفقهية ما يجعل من المسجد في أرفع منزلة فالنهي كما يقول الأصوليون يقتضي الوجوب وما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من عينات وأمثلة يأخذ حكمها في المنع كل ما يماثلها من الممنوعات حتى وإن لم ينص عليها فالعلة هي المعتبرة. والمراد والمطلوب من المسلم هو أن يتجنب في المسجد كل ما يمكن أن يترتب عنه فساد وإفساد. وإذا كان ما يترتب عن دخول الصبيان والمجانين إلى المسجد تعكير صفو المصلين والقائمين والذاكرين (والمساجد هي المحل الأفضل لذكر الله (يذكر فيها اسمه) فإن تفريق كلمة المسلمين وبث الفتنة بين صفوفهم والوصول إلى حد تكفيرهم وإخراجهم من ملة المسلمين إن ذلك منكر أعظم ومنعه أولى الأولويات والتصدي له أوجب الواجبات فلا ترفع الأصوات في المساجد حتى بذكر الله خشية التشويش على المصلين فما بالك إذا كان هذا الرفع للأصوات هو من قبيل النكير والتنكيل والوصم بأبشع النعوت. *والمساجد لا ينبغي أن تكون محلا للخلافات والنزاعات والصراعات، إنها فضاءات للجميع فيها حق الارتياد مكفول وللجميع حق أن يجدوا فيها السكينة والطمأنينة. وقد نص الفقهاء على عدم إلزام الناس برأي بعينه أو بمسألة خلافية إذ في الأمر سعة (واختلاف الأئمة رحمة بالأمة) (ولا يزالون مختلفين وكذلك خلقهم) وكان العلماء من السلف الصالح حقيقة لا ادعاء يقول الواحد منهم (رأيي صواب قابل للخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) وقد عد متمثلا وموافقا للصواب من صلى العصر في الطريق قبل الوصول إلى بني قريضة ومن أخر الصلاة إلى أن وصل إلى بني قريضة عندما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تصلين العصر إلا في بني قريضة) ولكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من وراء الغيب وهو يرى فعلا من وراء الغيب (وما ينطق عن الهوى)عندما نهى عن سل السيوف في المساجد (وبالأمس سيوف واليوم قنابل ومتفجرات) إنه تحذير فيه تأكيد على ما نصت عليه الآيات والأحاديث من حرمة قتل النفس البشرية وترويعها شهر بذلك الله في كتابه وحذر منه شديد الحذر واعتبر قتل نفس بشرية واحدة هو كقتل الناس جميعا (من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا) وكان من آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (لا تنقلبوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا وإن دماءكم وأعراضكم وأموالكم بينكم حرام ألا هل بلغت اللهم فأشهد) *فالاسلام لا يقدس القتل، وقتل الأنفس البشرية والتحريض عليها وتكفيرها ليس كل ذلك من الدين في شيء والدين كان وينبغي أن يظل داعية الرحمة والرفق واللين والتسامح والحرية والاعتدال *والمساجد ينبغي ان تظل ملاذا للمؤمنين بكل فئاتهم وتوجهاتهم واختلافاتهم الفكرية والسياسية وتعدديتهم الحزبية والجمعياتية. *وكل انحراف بالمسجد عن هذا الدور المتميز لا يجوز الاستمرار فيه لأن عواقبه وخيمة لا تبقي ولا تذر وتأتي على الأخضر واليابس ولا تستثني أحدا وصدق الله العظيم الذي يقول (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) *فالمساجد ينبغي أن تظل سفينة النجاة وبحيرة الأمن والسلام والسكينة والوئام *والحياد بالمسجد الحياد الكامل والحقيقي والفعلي فيه أعظم خدمة للدين وللمؤمنين به وفيه رفع لمنزلة المسجد ومكانته التي هي رفيعة عند الله وعند عباده المؤمنين حقا والايمان لا يكون بالتمني ولا بالتحلي ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل والله تبارك وتعالى لا تغره المظاهر والأشكال (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى وجوهكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) والتقوى محلها القلب وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: (التقوى ههنا) وهي وحدها مقياس التفاضل عند الله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولا يوجد في الاسلام رجال دين يوزعون صكوك الغفران وإنما هنالك علماء دين هم أهل الذكر مثلما يوجد أهل ذكر في كل اختصاص. *وأهل الذكر من العلماء والفقهاء كانوا دائما نموذجا للسماحة والرفق واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة يتمثلون دائما بالآيات الكريمة (ادفع بالتي هي أحسن) (فأعف عنهم واستغفر لهم) إلى غير ذلك من النصوص الشرعية لقد كانوا بمنآى عن كل تعصب وتزمت وتطرف وإرهاب. *وأهل الذكر من العلماء والفقهاء هم من ينبغي أن يوكل إليهم أمر الإرشاد والتوجيه والنصح والتعليم بعيدا عن الأهواء والنزغات والنزاعات التي ما أنزل الله بها من سلطان خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بربوع مثل هذه الربوع، ربوع الغرب الاسلامي وقد كانت افريقية تونس بزيتونتها المباركة كعبة علمية يهتدى بتحريرها وتنويرها ما وراءها من البلدان والشعوب. * إن المسجد إذا كتب الله له أن يعود لأداء سابق رسالته التي أداها على أحسن الوجوه وأتمها وذلك ممكن إذا تظافرت الجهود وخلصت النوايا وتطابقت الأقوال مع الأفعال يمكن للمسجد أن يكون فوق الجميع وللجميع ويمكن للمسجد أن يتجاوز الواقع الذي هو عليه الآن وهو واقع بكل المقاييس وبما يرى ويشاهد وبما يسمع ولا يسمع واقع لا يرضي الله ولا يرضي المؤمنين واقع لا يمكن السكوت عليه ففيه انحراف ظاهر ومنه توشك أن تبرز فتن عمياء. *المسجد في الواقع الذي آل إليه يمكن وليس بالمأمول فقط يمكن أن يعود إلى سابق دوره بل ربما إلى دور يقوم به في أريحية وحرية أكبر لفائدة العباد والبلاد. موضوع مداخلة قدمت في إطار ندوة علمية انعقدت بتونس يوم الخميس 11/9/2014 نظمتها مؤسسة كونراد اديناور بالتعاون مع منتدى الحوار بين الثقافات والأديان نداء تونس



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.