السماحة والتسامح في الإسلام بين النظرية والممارسة (القسم الأول)

السماحة والتسامح في الإسلام بين النظرية والممارسة (القسم الأول)


إن موضوع السماحة في الإسلام جدير بالإلحاح عليه وتعميق الوعي به خصوصا في هذا الظرف العصيب الذي يعيشه العالم والذي زالت فيه بين الشعوب والدول الحدود والحواجز وأصبح يموج بالتحولات والتقلبات التي وصلت في كثير من الأحيان إلى صدامات وحروب وخراب ودمار ودماء ودموع وضحايا بالآلاف مما يستوجب على قادة الفكر وحملة الأقلام والساسة وعلماء الدين أن يتحملوا مسؤولياتهم في التذكير بالقيم الإنسانية الخالدة التي يتفق عليها الجميع والتي هي وحدها الكفيلة بتجنيب الإنسانية جمعاء الوقوع في المآسي. ولقد حرصت على التعبير عما أردت بلورته واستعراضه بلفظة السماحة دون سواها من الكلمات المشتقة منها أو القريبة لها باعتبار أن كلمة السماحة كلمة شرعية صرحت بها النصوص الصحيحة مما يدل على تجذر هذه القيمة وتأصلها واعتبارها إحدى ثوابت الإسلام وخصوصياته. جاء في لسان العرب: سمح السماح الجود سمح سماحة وسموحة وسماحا جاد، ورجل سمح وامرأة سمحة من رجال ونساء سماح وسمحاء فيهما. ورجل سميح ومسمح ومسماح: سمح ورجال مساميح ونساء مساميح. قال جرير: غلب المساميح الوليد سماحة * وكفى قريش المعضلات وسادها وسمح لي بذلك يسمح سماحة واسمح وسامح: وافقني على المطلوب والمسامحة: المساهلة وتسامحوا تساهلوا والمادة في اللسان محاط بها من جميع جوانبها وقد جاء في الحديث الشريف يقول الله عز وجل “اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبادي” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السماح رباح أي المسامحة في الأشياء تربح صاحبها. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل شرب لبنا محظا أيتوظأ قال: اسمح يسمح لك ومعناه كما يقول الأصمعي: سهل يسهل لك وتقول العرب: عليك بالحق فإنا فيه لمسمحا أي متسعا والأحاديث التي جاءت فيه لفظة السماحة بمختلف صيغها وردت في الصحاح ورواها الثقاة من ذلك “أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة” رواه البخاري واحمد “رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا اقتضى” رواه البخاري وابن ماجة والترمذي “دخل رجل الجنة بسماحته” رواه احمد “اسمح يسمح لك أي يسهل عليك” رواه احمد “إني أرسلت بحنيفيه سمحة” أي ليس فيها ضيق ولا شدة رواه احمد. “أفضل المؤمنين رجل سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء سمح الاقتضاء” رواه الطبراني في الأوسط. أما القرآن الكريم فإنه وإن لم ترد فيه كلمة السماحة بالتصريح إلا أن المعاني القريبة من السماحة والمترتبة عنها والمجسمة لها في حيز الممارسة العملية السلوكية عبرت عنها عشرات الآيات الآمرة بالصفح والعفو والإحسان والتجاوز والرحمة والحلم. السماحة بمعنى الإحسان: إن مادة الإحسان مثلا تكرر الأمر بها وتعددت مجالاتها وميادينها. فهي في القول “وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة” البقرة 83. وهي في الفعل والسلوك (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) البقرة 195 وهي في أسلوب الدعوة والإرشاد (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) النحل 125. وهي في إقامة العدل وإيصاله إلى أصحابه (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون) النحل 90. وهي في الرد الجميل على من يعتدي ويجور “إدفع بالتي هي أحسن السيئة نحن اعلم بما يصفون” المؤمنون 96. وهي في مقابلة إحسان الله وجوده وكرمه بالشكر والحمد (وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) القصص 77. وهي في الموازنة بين السيئة والحسنة (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فصلت 34. وهي في التعامل مع أهل الكتاب (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون) العنكبوت 46. وهي في التعامل والتعايش مع الآخرين: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة 8 و9.السماحة بمعنى الصفح: كما وردت السماحة بمعنى الصفح في آيات عديدة منها: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل) الحجر85. (ود كثير من أهل الكتاب لو يرددونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق فأعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير) البقرة109. (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) المائدة13 (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) الزخرف (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر لكم الله والله غفور رحيم).السماحة بمعنى الرحمة: وغير بعيد عن الإحسان والصفح يمكن إلحاق قيمة الرحمة التي طفح بها الكتاب العزيز والسنة النبوية الطاهرة من ذلك قوله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) وقوله (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لأنفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) وقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) إلى غير ذلك من الآيات الداعية إلى الرأفة والرفق والرحمة واللين والتي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المجسم لها بفعله قبل قوله ومع القريب والبعيد في حالات العسر والشدة وحالات اليسر والفرج.رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في السماحة: فقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقابل الإساءة بالإحسان والظلم بالعفو والصفح تشهد على ذلك ضراعته يوم الطائف (اللهم لك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس) إلى أن يقول (إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي) ولما وضع الله مصير هؤلاء المسيئين بين يديه لم يزد عليه الصلاة والسلام على أن قال (اللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون). ولما فتح الله لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة ناد مناد أن احضروا حتى يخاطبكم الفاتح أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا على وجل وخوف وأمر النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا بلالا رضي الله عنه ليصعد على سطح الكعبة ويؤذن فقال كبير من المشركين واسمه عتاب بن أسيد يهمس في أذن رفيق له وهو أيضا مشرك: الحمد لله أن أبي مات وإلا لم يتحمل نهيق هذا الحمار الأسود على الكعبة (يريد آذان سيدنا بلال) وبعد صلاة مع الجماعة خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم بما فعلوا في العشرين سنة الماضية وكيف عاملوا من معه ثم سأل فماذا تنتظرون الآن مني؟ فاطرق المشركون رؤوسهم بالحياء وكان من السهل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر يقتلهم أو بإسترقاقهم أو بنهب أموالهم مكافأة لما فعلوه مع المسلمين ولكن لم يعمل شيئا من ذلك بل قال: “لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فانتم الطلقاء” ولم يتمالك عتاب بن أسيد المذكور آنفا أن قال على الفور: يا محمد أنا ابن أسيد واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله) وعلى الفور أيضا أجاب الرسول عليه الصلاة والسلام “وأنا أوليك على مكة” وفعل سائر أهل مكة كما فعل عتاب بدون إكراه في شيء ورجع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ولم يترك ولا جنديا واحدا من جند المدينة في مكة.(1) وتروى السيدة عائشة رضي الله عنها ما حكاه لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من قومه من شدة وغلظة قابله بالعفو والصفح والدعاء ورجاء الهداية. قالت عائشة: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى أم أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا بقرن الثعالب فرفعت راسي وإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فنادى فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فنادى ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم “بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” وتخبرنا السيدة عائشة رضي الله عنها عن رفق ولين وعفو وصفح رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى”. ويروي انس بن مالك وقد خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات بعسرها ويسرها فيقول: ما قال لي رسول الله في يوم من الأيام أف ولم يقل لشيء فعلته لم فعلته بل كان يقول ما شاء الله كان) ويصور انس عفو رسول الله وصفحه فيقول (كنت امشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء) متفق عليه. وكم هي المرات التي هدأ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم من روع الخائفين قائلا لمن وطأ رداءه “هون عليك إن أنا إلا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد” وكشف بطنه لمن طلب الاقتصاص منه، وكم هدّأ عليه الصلاة والسلام من غضب أصحابه الذين لم يتحملوا غلظة بعض الأعراب في التعامل مع الرسول صلى الله عليه وسلم داعيا لهم أن يتركوه وصاحبه الذي قال له: أعدل، وكم أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الرفق واللين من ذلك قوله للصحابة الذين تداعوا على ذلك الذي بال في ركن من المسجد “دعوه وأريقوا على بوله سحلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” البخاري. وكذلك كانت حاله دائما مع الضعاف من أمته: عجائز وأرامل، أيتاما وأطفالا صغارا يمسح على رؤوسهم ويضمهم إلى صدره ويلاطفهم ويمازحهم ويقول “من لا يرحم لا يرحم” يجبر خواطر الجميع ويجاملهم، يقف مع من يستوقفه ولا ينصرف إلا بعد أن يقضي المستوقف حاجته. وهديه عليه الصلاة والسلام العملي الفعلي في الصفح والعفو والرفق واللين والإحسان هو الذي جعله حجة الله على عباده وقدوة وأسوة لهم “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة” انه من قال في حقه ربه “وإنك لعلى خلق عظيم”. وهذا الهدي رصيد عظيم ونبع لا ينضب يجد فيه المربون والموجهون وعلماء الأخلاق مادة خصبة تدعو إلى فضيلة التحابب بين الناس والتراحم فيما بينهم ليس فقط فيما بين المؤمنين به المتبعين لهديه بل فيما بين الناس أجمعين من بني آدم هؤلاء الذين أعلن الإسلام كرامتهم “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” كما دعاهم إلى التقارب عوض التباعد والتعاون عوض التدابر “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم” لقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم المساواة التامة بين بني الإنسان (فالناس سواسية كأسنان المشط). والنفس البشرية أيا كان جنسها أو لونها أو دينها مصانة (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنها قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنها أحيا الناس جميعا). السماحة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: إن السماحة بمعنى الرفق واللين وحسن المعاملة والمعاشرة والسماحة بمعنى الصفح والعفو، والسماحة بمعنى التيسير ورفع الحجر ونفي الضيق والتشديد تحكيها وتدعو إليها آيات الكتاب العزيز وأحاديث الرسول الكريم من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس: “إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة” رواه مسلم وقوله “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله” متفق عليه “إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه” رواه مسلم “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شأنه” رواه مسلم “من يحرم الرفق يحرم الخير كله” رواه مسلم “إنما بعثت رحمة ولم ابعث عذابا” البخاري في التاريخ “إنما أنا رحمة مهداة” الحاكم “إن الدين يسر” البخاري “إن الله إنما أراد لهذه الأمة اليسر ولم يرد بهم العسر” ابن مردويه “إن الله شرع الدين فجعله سهلا سمحا واسعا ولم يجعله ضيقا” الطبراني “إنما بعثني مبلغا ولم يبعثني متعنتا” الترمذي “إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” الترمذي “لو جاء العسر ودخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه” ابن أبي حاتم “إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤرنة وإن الصبر يأتي من الله للعبد على قدر المصيبة” البيهقي في شعب الإيمان “إن خير دينكم أيسره” احمد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم (أصحابه) أمرهم من الأعمال ما يطيقون“البخاري”عليكم ما تطيقون من الأعمال“البخاري”لا يتكلف أحدكم من العمل ما لا يطيق“أبو نعيم”خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا“الستة”القصد القصد تبلغوا“البخاري”لن يشاد الدين أحد إلا غلبه“”بعثت بالحنيفة السمحة" احمد والخطيب قواعد فقهية في السماحة ومن هذه الأحاديث النبوية ومما سبق أن اشرنا إلى بعضه من آيات قرآنية استنبط علماء الأصول قواعد فقهية نذكر منها: “المشقة تجلب التيسير” “إذا ضاق الأمر إتسع” “الضرر يزال” “الضرورات تبيح المحضورات” “إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفها” “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح” “يتحمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام” السماحة أول أوصاف الشريعة واكبر مقاصدها: ولسماحة الشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في كتاب مقاصد الشريعة كلام نفيس أتخذ له عنوانا السماحة أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها. يقول رحمه الله “السماحة سهولة المعاملة في اعتدال، فهي وسط بين التضييق والتساهل وهي راجعة إلى معنى الاعتدال والعدل والتوسط ذلك المعنى الذي نوه به أساطين حكمائها الذين عنوا بتوصيف أحوال النفوس والعقول فأضلها ودنيها وانتساب بعضها من بعض فقد اتفقوا على أن قوام الصفات الفاضلة هو الاعتدال أي التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط لأن ذينك الطرفين يدعو إليهما الهوى الذي حذرنا الله منه في مواضيع كثيرة منها قوله تعالى”ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله“وقوله تعالى”يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم“وقوله” فما رعوها حق رعايتها" فإن ذلك متعلق بأهل الكتاب ابتداءا مراد منه موعضة هذه الأمة لتجتنب الأسباب التي أوجبت غضب الله على الأمم السابقة... فالتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط هو منبع الكمالات... فالسماحة هي السهولة المحمولة في ما يظن الناس التشديد فيه ومعنى مونها محمودة إنها لا تفضي إلى ضرا وفساد. ثم يقول سماحة الشيخ بعد أن يورد آيات وأحاديث تدعم ما ذهب مما سبق إيراده "وأقول إن حكمة السماحة في الشريعة أن الله جعل هذه الشريعة دين الفطرة وأمور الفطرة راجعة إلى الجبلة فهي كائنة في النفوس سهل عليها قبولها ومن الفطرة النفور من الشدة والإعنات وقد أراد الله تعالى أن تكون شريعة الإسلام عامة ودائمة فاقتضى ذلك أن يكون تنفيذها بين الأمة سهلا فلا يكون ذلك إلا إذا انتفى عنها الإعنات فكانت سماحتها أشد ملائمة للنفوس لأن فيها راحة للنفوس في حالي خويصتها ومجتمعها. وينتهي سماحة الشيخ الإمام رحمه الله إلى القول بأن لظهور السماحة أثر عظيم في انتشار الشريعة وطول دوامها فعلم أن اليسر من الفطرة لان فطرة الناس حب الرفق (2) وكلام سماحة الشيخ الإمام في اثر السماحة في انتشار الإسلام وتقبله عليه عشرات الأدلة من كتاب الله منها قوله جل من قائل: “ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج” المائدة7 “ما جعل عليكم في دين من حرج” الحج78 “ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج” النور61 “لا يكلف الله نفسا إلا وسعا” البقرة286 “لا نكلف نفسا إلا وسعها” الأنعام152 والاعراف42 “لا تكلف نفس إلا وسعها” البقرة233 “لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها” الطلاق7 “فاتقوا الله ما استطعتم” التغابن16 “سيجعل الله بعد عسر يسرا” الطلاق7 “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” البقرة185 “فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا” الانشراح6 و8 “يريد الله أن يخفف عنكم” النساء28 “ونيسرك لليسرى” الأعلى7 “الذين يتبعون الرسول النبيء الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم” الأعراف157 “ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به” البقرة286 “خذ العفو” الأعراف199(2) انظر الصفحات 60، 61، 62 من كتاب مقاصد الشريعة لسماحة الإمام محمد الطاهر بن عاشور. (1) انظر : الأسوة الحسنة النبوية للعسكر لمحمد حميد الله العدد4 السنة4 مجلة جوهر الإسلام الصفحة29.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.