الدور الذي ينبغي ان تلعبه الاديان في إنقاذ المجتمعات البشرية مما تردت فيه

الدور الذي ينبغي ان تلعبه الاديان في إنقاذ المجتمعات البشرية مما تردت فيه


شهر جانفي هو الشهر الاول من السنة الادارية وهو ايضا بداية السنة الميلادية المسيحية التي تقترن بذكرى ميلاد عيسى عليه السلام. والذي يستعرض سور القرآن الكريم وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام يجد فيهما تكريما وتبجيلا لعيسى وأمه عليهما السلام، فعيسى هو نبي الله ورسوله وامه صديقة طاهرة زكية، وأتباع سيدنا عيسى عليه السلام هم أهل الكتاب، وأهل الكتاب يحظون بمكانة متميزة ومعاملة راقية أساسها المجادلة بالتي هي أحسن والتحاور معهم للوصول الى كلمة سواء بيننا وبينهم.

         *ولا مجال في علاقة المسلمين بأهل الكتاب وبالخصوص النصارى الى الغلظة والشدة او الاكراه والارغام على الدخول في الاسلام واعتناقه. ومسألة اعتناق الاسلام ودعوة الناس الى الدخول فيه لا يمكن ان تكون الا بالحكمة والموعظة الحسنة وتقديم الاسوة والنموذج العملي. وفي القرآن الكريم يقول جل من قائل (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) كما نقرأ قوله تعالى (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ونقرأ (لكم دينكم ولي دين) الى غير ذلك من الايات المحكمة الواضحة الجلية التي ترسم للمسلمين سبيل التعامل مع غيرهم من الناس وأثر هذه التوجيهات تجسد في الواقع المعيش منذ صدر الاسلام والى يوم الناس هذا وقد أعطى الرسول عليه الصلاة والسلام عهدا وموثقا امن به غير المسلمين من اليهود والنصارى ممن كانوا يعيشون بين ظهراني المجتمع الاسلامي واقتداء بهذه المعاملة سار من بعده خلفاؤه الراشدون فهذا سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يخرج مودعا الجيش الفاتح فيوصيهم بعدم ترويع الامنين او اكراه الناس على الدخول في الاسلام او الحاق اي أذى بهم يقول رضي الله عنه (لا تحرقوا الاشجار، لا تقتلوا الحيوان ستجدون اناسا نذروا أنفسهم للعبادة في صوامع فاتركوهم وما نذروا أنفسهم اليه لا تقتلوا النساء والاطفال والشيوخ) الى غير ذلك من الوصايا الانسانية السمحاء

  • ومثل هذا الصنيع فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل بيت المقدس حيث أعطى لنصارى بيت المقدس عهدا أمن لهم به سائر حقوقهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية وأشهد على ذلك في كتاب مسطور، وعندما دخل الكنيسة وهم بأداء ركعتين شكرا لله تراجع عن الصلاة مخافة ان يتخذ المسلمون من بعده فعله ذلك ذريعة لافتكاك كنائس النصارى وهو صنيع تأباه تعاليم الاسلام وتحرمه آيات الكتاب العزيز.
  • ولم يقتصر أمر تعامل المسلمين مع أهل الكتاب واحترامهم لعقائدهم وتمكينهم من ممارستها في أحسن الظروف على ذلك بل تجاوزه الى حماية هؤلاء الكتابيين من كل ما يمكن ان يحصل لهم من تجاوز او حرمان او عدوان فهذا عمر رضي الله عنه نفسه يناول القبطي الدرة ويمكنه من الاقتصاص من ابن عمرو ابن العاص واليه على مصر صارخا في وجه الاب وابنه بقوله (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)

كما أنه رضي الله عنه اجرى لذمي وجده يتسول عند باب المسجد راتبا من بيت مال المسلمين وقال له (ظلمناك أخذنا منك الجزية صغيرا وتركناك كبيرا)

  • وعندما دخل صلاح الدين الايوبي بيت المقدس فاتحا لم ينصب المشانق ولم يزهق الارواح ولم يقتص من أحد بل اعلن العفو والصفح وبشر بعودة عهد التسامح والتعاون مقتديا في ذلك بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لقريش يوم الفتح (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
  • ولسنا في حاجة الى التذكير بالآلام التي عاشها المسلمون في الاندلس عندما زالت دولتهم وأخرجهم من شبه الجزيرة الخضراء الاسبان الغزاة بعد ان نصبوا محاكم للتفتيش وسلطوا على المسلمين وعلى اليهود معهم أشد انواع التعذيب والتنكيل مما اضطر (من استطاع منهم) الى هجرات جماعية مشردة الى أقطار الشمال الافريقي. وكان ما كان مما لست أذكره
  • ومع ذلك فان دين المسلمين وكتابهم العزيز وسنة نبيهم الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم تفرض عليهم ان يظلوا دائما وأبدا دعاة امن وسلم وحوار بالتي هي أحسن يمدون أيديهم للتعاون البريء والصادق الى كل الايدي التي تمتد اليهم ويستجيبون باخلاص لكل المبادرات التي تتخذ هنا وهناك لا ينكثون عهدا او موثقا ولا يتاخرون عن تجسيم ما يتلزمون به ويلزمهم به دينهم الحنيف من تعاون على البر والتقوى ودفع للاثم والعدوان بكل ما في هذين القيمتين من معان انسانية خالدة
  •  وهذه الالفية الجديدة تعطي الجميع مسلمين وغير مسلمين من العبر والدروس والمواعظ ما يجعل معاضدة جهود الانسانية المضنية في سبيل تحقيق الامن والسلام والوئام بين بني البشر واجبا لا يمكن التاخر عن أدائه.
  • فالأخطار الجسيمة التي تهدد الكرة الارضية بما عليها ومن عليها لن تفرق بين مسلم و نصراني بل بين انسان وآخر، وبدون تعاون صادق وتكامل واضح بين الجميع لن ينجو أحد من أخطار الاسلحة الفتاكة والافات الزاحفة بسبب ما ظهر في البر والبحر من فساد
  • والوعي بهذه الاخطار نراه اليوم يتجسم في ما ينشأ من منظمات وهيآت وما يعقد من مؤتمرات وندوات يجمع بينها جميعا السعي الى تظافر الجهود من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه وتجنب ما يمكن تجنبه من أخطار وويلات
  • ونعتقد جازمين ان للاديان في هذه المرحلة من تاريخ البشرية دور كبير يمكن ان تلعبه في سبيل اعادة الانسان الى انسانيته التي بدونها رايناه ينقلب عديد المرات الى مارد يفعل بنفسه وباخيه الانسان وبالطبيعة ما لا يفعله العدو بعدوه

ولن تقوم الاديان بهذا الدور العظيم والخطير الا اذا ارتفع الوعي بهذه المشكلات لدى اتباع كل الديانات وتساموا عن الحزازات والانقسامات وجسموا في ممارستهم ما تدعو اليه الاديان من حب وتآخ وتسامح وتعاون ونبذ للأحقاد والشرور والكراهية ودانوا جميعا بدين الحب أنى توجهت اركانه فهو دينهم وديدنهم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.