التكبر سلوك يأباه الله لعباده المؤمنين

التكبر سلوك يأباه الله لعباده المؤمنين


يقول الله تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) لقمان بهاتين الآتين الكريمتين ختم لقمان الحكيم وصاياه الثمينة لابنه وهما تتعلقان بالجانب السلوكي والأخلاقي للفرد وكيفية تعامله مع غيره من الناس الذين يعايشهم ويختلط بهم نهى لقمان الحكيم ابنه الصغير عن ان يصغر خده للناس تعاليا وافتخارا وتكبرا وعجبا والكبرياء خلق الجاهلين الغافلين الذين اعمى الشيطان أبصارهم وبصائرهم فأنساهم ذكر الله ومعرفة حقائق أنفسهم (ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين) الزخرف عجبا للمتكبرين وتعسا لهم كيف يغفلون عن حقائق لا ينكرها إلا أعمى ولا يتجاهلها إلا أحمق ترى هل نسي المتكبرون المتعالون على غيرهم من عباد الله المعجبون بانفسهم أنهم لا يختلفون في أصل نشأتهم وبدء خلقتهم عن أي كائن بشري ولا يختلفون في واقعهم المعيش عن غيرهم من الناس ولن يكون مصيرهم بدعا عن مصير كل كائن حي؟ ترى هل ينكر هؤلاء انهم من آدم وان آدم من تراب فأصل الناس واحد وعن هذا الأصل الأول تسلسل الجنس البشري بالتوالد والتناسل الناتج عن ماء مهين (مني يمنى) حتى إذا نزل هذا الكائن البشري الى الحياة في هذا الكون الفسيح فلن يختلف عن نظرائه من بني آدم يأكل كما يأكلون ويجوع كما يجوعون وينام كما ينامون ويحس بالآلام والأوجاع مثلما يحسون ثم يتغوط ويقضي حاجته البشرية كما يقضون ويشب كل كائن بشري ويشيب ويلحقه ما يلحق كل مخلوق من هلاك ورحيل لا بد منه عن هذا العالم فيصبح جثة هامدة نتنة وأثرا بعد عين ترى هل سمعنا او قرأنا أو رأينا نشازا عن هذا القانون السائد في جميع خلق الله وحدة الأصل واتفاق الحال والمآل (وان إلى ربك المنتهى)النجم، اليه سبحانه وتعالى المنتهى ومنه الابتداء قهر عباده بالفناء وكتب لنفسه البقاء والخلود (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) الرحمان إن أولي الأبصار والألباب لم يتركوا للشيطان منفذا إلا سدوه وأغلقوه وهذا الإمام علي كرم الله وجهه يعبر عن عجبه واستغرابه لأحوال المتكبرين المتعالين حيث يقول (عجبا لابن آدم كيف يتكبر وأصله نطفة قذرة وبين جنبيه يحمل العذرة وآخره جيفة) إن ما يعتري المتكبرين من مرح وفرح وعجب لا مبرر له إلا الغفلة التي أعمت بصائرهم ترى بأي شيء يفتخرون ويعجبون؟ أيظن هؤلاء ان ما بهم من نعمة لا يسلب وان ما ينزل عليهم من خير لا يحجب وان هذه النعم التي بها يفتخرون يمكن ان تسلب منهم بين اللحظة والأخرى فلا يستطيعون إرجاعها وإعادتها، إنهم لا يملكون شيئا مما بين أيديهم وفي حوزتهم وما خولهم ربهم واعطاهم إنها ودائع استخلفوا عليها وسيحاسبهم ربهم عنها وسيكون عذابهم شديدا إذا هم سخروها في غير ما خلقت له أو إن هم استعلوا بها على عباد الله الضعفاء وتجبروا وطغوا في الأرض وهل هناك ممن طغى في الأرض وبغى على الناس وتكبر عليهم خرج من نطاق البشرية الى نطاق الألوهية؟ بل هل هنالك من تجاوز محيط الأرض فخرقه؟ أم هل هنالك من تجاوز بطوله واستعلائه الجبال الشامخة غير العاقلة الرصينة المتزنة؟ كلا وألف كلا إنه الانسان الظلوم الجهول الذي نسي ذكر ربه وأعرض عن آياته وتناسى وعيده وعقابه ويأتي ما امر ان ينتهي عنه (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها) الإسراء إن الذين يتكبرون ويصيبهم العجب والخيلاء أخلاقهم أخلاق ابليسية ولكنهم لا يعتبرون بما نال ابليس اللعين من عقاب وما سيتسلط عليهم من عذاب شديد ترى ما الذي استحق به ابليس الطرد من الجنة؟ انه تكبر وتعالى وأعجب بنفسه وخاطب بربه بافتخار (خلقتني من نار وخلقته من طين) لم يقبل ان يسجد مع الساجدين لآدم خليفة رب العالمين فكان جزاؤه أن أخرج من الجنة وأطرد منها وان عليه اللعنة الى يوم الدين وإذا أراد المتكبرون المعجبون بانفسهم الذين يمشون في الأرض مرحا أن ينالهم نفس المصير وان يلحق بهم نفس العذاب فما عليهم إلا أن يسيروا في الأرض سيرة ابليس أفلا فليذكر هؤلاء المتكبرون ان العظمة والكبرياء هما لله وحده ولا يجوز ان يشاركه فيهما أحد من عباده مهما علا شأنه وارتفع مقامه لأنه بين اصبعين من أصابع الرحمان يفعل به ما يشاء متى شاء لله الأمر من قبل ومن بعد مالك الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير إنه على كل شيء قدير وإذا كان من يتكبر على الناس يتكبر بقوة بدن او فتوة أو صحة أو جمال أو مال أو جاه أو ولد فليعلم ان كل ذلك عطايا ومنح من الله وانها زائلة فانية مرتحلة عاجلا أو آجلا لا تدوم هذه النعم لأحد ولا بد من اغتنام هذه النعم في فعل الخير وشكر المنعم وتسبيل ما أعطى وتفضل به الله على عبده في نفع عيال الله لا في التكبر عليهم والعجب والخيلاء والمرح ترى من دامت له الصحة البدنية والسلامة الجسمية فلم يمرض؟ ترى من دام له الجمال أو المال أو الجاه؟ لا أحد لأجل ذلك وللاعتبار قص الله علينا في القرآن أخبار قارون وفرعون والنمرود لقد كانت قوتهم واستعلاؤهم وتكبرهم سبب هلاكهم في الدنيا واستحقاق العقاب في الدار الآخرة يقول جل من قائل (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها وأن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) الأعراف ما أشده من عذاب استحقه هؤلاء الغافلون المعرضون تكبرا واستعلاء عن الصراط المستقيم لقد منعهم غرورهم وإعجابهم بأنفسهم أن لا يسمعوا كلمة الحق ويؤمنوا بها ويل لهم (ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم) الجاثية إن المتكبرين في كل زمان ومكان أعداء للحق يحاربون رسالات السماء ويكذبون الرسل والأنبياء فهذا نوح عليه السلام يشكو الى ربه إعراض قومه واستعلاءهم وتكبرهم رغم انه دعاهم صباحا مساء ليعفر لهم ربهم ذنوبهم يقول الله على لسان نوح (واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واستكبروا استكبارا) نوح إن طبائع الأنبياء والرسل وشيمهم الصبر والتحمل للأذى لا يختلفون عن بعضهم البعض فما بال نوح يا ترى يشكو الى ربه بكل مرارة غفلة وقساوة، قومه لقد لبث فيهم ألفا إلا خمسين يدعوهم الى سبيل الرشاد فما آمن به إلا قليل وكذبه واستعلى عليه الأكثرون كرر الدعوة وألح فيها فلم يزدهم دعاؤه إلا كفرا واستكبارا ولما أوحى الله له أنه لن يؤمن إلا من قد آمن منهم هنالك دعا عليهم وتوجه الى ربه بقوله (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) نوح فويل للمتكبرين من عذاب رب العالمين إنهم لن يطمعوا بغفرانه ورضوانه ولن يدخلوا جنانه جزاء تكبرهم واستعلائهم عن الحق وعن عباد الله (ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) الأعراف ذلك هو بعض حديث القرآن الكريم عن المستكبرين المفتخرين المعرضين عن الحق المتعالين عن إخوانهم من عباد الله المستضعفين فالله تبارك وتعالى لا يحب المختال الفخور الذي تظهر عليه الخيلاء والاعجاب بالنفس حتى في مشيته ثم يوصي لقمان ابنه بما يبرهن عمليا على التواضع ويكره في التكبر والتعالي والافتخار إذ للتكبر مظاهر يتجلى فيها يقول له (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن انكر الأصوات لصوت الحمير) لقمان إن المتكبرين إذا مشوا فوق الأرض مشوا مشية الغافلين الجاهلين الجبارين بينما عباد الله المتقين عباد الرحمان يمشون على الأرض هونا، سيماهم الرفق واللين حتى في مشيتهم على الأرض (إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) إن المشي الهون على الأرض هو سمة التواضع والوقار والهيبة والاعتبار فكيف يزمجر ويتجبر فوق الأرض من ستضمه هذه الأرض في بطنها؟ ألا فليسمع هؤلاء الذين يمشون ببطش وخيلاء قول الحكيم المعري: صاح خفف الوطء ما أخال أديم الأرض إلا من هذه الأجساد صاح هذي القبور تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد؟ وإذا كان الانسان يستطيع ان يبلغ صوته بدون صراخ ولا زمجرة فلماذا رفع الأصوات؟ إن كان متباهيا وتعاليا فليعلم من يفعل ذلك ان أرفع الأصوات أنكرها وإن اخفت الأصوات وأرقها أجملها أفضلها عند الله وعند عباده إن عباد الرحمان لا يلغون وإذا مروا باللغو مروا كراما وحتى في لحظات القرب من الله ودعائه ومناجاته فإن أفضل الأصوات والدعوات ما كان همسا. إن رفع الأصوات والتعالي بها في كل مكان وفي بيوت الله وحلقات الذكر والعبادة مما يكره ولا يستحب وما دام المؤمن في عبادة دائمة فالواجب عليه ان يخفت من صوته فلا يعليه ولا يتعالى به ولا يصرخ ولا يزمجر على أحد من عباد الله تكبرا وتعاليا ولا يفهمن أحد ان التنعم بما وهب الله للانسان من نعم يدخل ضمن الكبر إذا النية هي مقياس الحكم على الفعل الذي يأتيه الانسان فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل: إن الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال: إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق (أي دفعه) وغمط للناس) أي احتقارهم رواه مسلم والترمذي فرق كبير بين التكبر والاستعلاء والعجب والتنعم بما وهب الله للانسان من خير فالله تبارك وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لكن الذي لا يجوز هو ان ينقلب ذلك التنعم افتخارا وتكبرا واستعلاء على عباد الله



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.