الانفاق في سبيل الله ودوره في تقوية اواصر الاخوة بين افراد المجتمع
يقول الله تبارك وتعالى بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) صدق الله العظيم .سورة البقرة 261/262 تتطرق هذه الآيات من سورة البقرة الى موضوع الانفاق في سبيل الله الذي رغبت فيه عديد الايات الكريمة ودعت اليه المسلمين بكل الحاح، وذلك قياما بواجب التعاون بين المسلمين والتكافل والترابط ليتحقق لهم ما اراده الله منهم من وحدة وترابط وشعور بآلام وافراح بعضهم البعض فيتعاونون على البر والتقوى ويهتمون بشؤون بعضهم البعض ليكونوا بحق كالجسد الواحد الذي يتداعى كل اعضائه بالسهر والحمى اذا اصيب احد اعضائه بعلة والمال الذي بين يدي الانسان وديعة وامانة وهو مستخلف فيه مسؤول عنه يوم القيامة بين يدي الله. وللمال دور فعال في الربط بين الاواصر وتقوية لحمة التآخي بين افراد المجتمع الواحد ولذلك اعتبر المسلم انفاقه في اوجه البر جهادا عظيما وبابا من ابواب الخير ندب اليها المسلمين واعتبر ذلك جهادا لا يقل عن الجهاد بالنفس بل انه في عديد الايات الكريمة مقدم على الجهاد بالنفس لاجل هذا حارب الاسلام النزعة الانانية في النفس البشرية وحذر المسلم مما يامر به الشيطان من بخل وطمان المؤمن الى ان تخويف الشيطان للانسان بالفقر ان هو انفق وتكرم وجاد وبسط بالعطاء يديه هو كذب وافتراء وباطل يدعو اليه الشيطان عدو الانسان بقصد اهلاكه والاضرار به. ان الله سبحانه وتعالى هو الرزاق، خزائن السماوات والارض بين يديه فهو الذي يخلف ما انفق عبده ابتغاء مرضاته (قل ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) ازاء هذه التطمينات من رب العالمين لا يملك المسلم الا ان يندفع بدون تخوف ولا تراجع فيتكرم ويجود وينفق في سبيل الله امتثالا لامره جل وعلا حين قال (انفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) ان ما بين يدي المسلم هو من عند الله فهو سبحانه المالك لكل شيء في الكون وهو المسخر له فاذا ما ملك عبد من عباده شيئا فالملك في الحقيقة والواقع هو لله رب العالمين والعبد هو مجرد خليفة له سبحانه وتعالى فما على المستخلف الا ان يذعن للامر ويندفع نحوه لينال اجر السعي فالمال مال الله والفقراء عيال الله والاغنياء وكلاء الله وما على الوكلاء الا ان ينفقوا على عيال الله والا فان الله سبحانه وتعالى يذيقهم وباله فيحجب عنه خيره وعطاءه وهو على كل شيء قدير وانفاق المال مظهر من مظاهر اليقين في ما بين يدي الله من خير عميم، وهو علامة من علامات صدق التوكل على الله سبحانه وتعالى وهو سبب من اسباب الاحراز على مرضاة الله ونوال جزائه الاوفر في الدنيا والاخرة (الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والانفاق في سبيل الله مكفر للخطايا والسيئات ومحقق للفوز ودخول الجنات يوم القيامة لاجل ذلك دعا الله سبحانه وتعالى عباده المتقين الى المسارعة الى هذا الخير حتى يدركوه يقول جل من قائل (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء) فلا عجب اذا ما تلقى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اوامر ربهم فاتوها بدون تكاسل ولا تراخ ولا عجب ان يكون ذلك سببا من اسباب ترابطهم وتلاحمهم وتحقق مفهوم الجسد الواحد فيهم فلم يبق بينهم المحروم أو المسكين الذي لا يجد بماذا يقتات. وبهذه الروح التضامنية والتعاونية واجهوا مشكلات الفقر والهجرة وضيق ذات اليد وبناء دولة الاسلام الفتية فاصبح المال بينهم متداولا واصبح الخير فيهم متقاسما واصبحوا رحماء بينهم يشدون بعضهم البعض وصاروا بذلك مضرب المثل في التكافل والتآخي الصادق. وآثروا بعضهم البعض ولو كانت بهم خصاصة يطعمون المساكين والفقراء والايتام لوجه الله لا يريدون من وراء ذلك لا جزاء ولا شكورا انما يطعمونهم لوجه الله سبحانه وتعالى ورجاء مثوبته وحسن جزائه وما اجدر المسلمين اليوم ان يقتدوا بالسلف الصالح في مثل هذا العمل الصالح فيهبوا جميعا لتفريج كروب بعضهم البعض وقضاء حوائج بعضهم البعض فالمحن والشدائد والمصائب هي الممحص وهي الدليل على صدق الاخوة وهي التي تظهر قوة الإيمان والتصديق والتوكل حق التوكل على الله.
