أبواب التوبة والغفران مفتوحة على مصراعيها أمام المسلم

أبواب التوبة والغفران مفتوحة على مصراعيها أمام المسلم


يرغم أن علاقة المسلم بربه لا يمكن أن تكون ظرفية في المواسم والأعياد وعند الملمات والشدائد فقط بل هي علاقة دائمة متواصلة لأنها مبنية على تلازم لا يعرف الانفكاك أساس هذه العلاقة النعم والمنن التي يغمر بها الخالق سبحانه وتعالى عباده وهي نعم ظاهرة وخفية وعامة وخاصة لاينكرها الا الكفور الجحود وأساسها أيضاً الاحتياج والافتقار إلى الله في كل آن وحين من طرف كل مخلوقاته مهما علا شأنهم أو عظم أمرهم ذلك أن الله تبارك وتعالى لو أوكل عباده لانفسهم لحظة واحدة لهلكوا والراسخون في العلم العارفون بدقائق الأمور والأشياء في أنفسهم وفي ما يحيط بهم في هذا العالم المتلاطم الأمواج يدركون تمام الادراك هذه الحقيقة ويسلمون بها لاجل ذلك فإن هؤلاء لا يمكن أن يصدر عنهم ما نسمعه في بعض الأحيان أو ما نقرأه لبعض المغرورين السطحيين من تطاول ونكران لا يملك أزاءها العاقل البصير إلا أن يشفق عليهم وعلى نفسه ويردد ذلك الدعاء البليغ وتلك المناجاة الخاشعة لله سبحانه وتعالى (ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا) فرغم أن الصلة بين الخالق والمخلوق من المفروض أن لا تكون موسمية ظرفية فرحمة الله بعباده وافساحه لمجال التنافس في الخير أمامهم ليتزودوا بخير زاد يكون قد فاتهم ولتكفير ما يمكن أن يكونوا قد وقعوا فيه من غفلة ومعصية وذنوب كل ذلك وغيره جعل الأيام والاشهر والامكنة تتفاوت في دين الإسلام من حيث التحصيل على الأجر العظيم والثواب الكبير من طرف العبد المؤمن المنيب. الصيام الذي يؤديه المسلم في شهر رمضان صيام جنة ووقاية وللصائم فرحتان عند الافطار وعند لقاء الله تبارك وتعالى ولكي يكون هذا الصيام عتقا من النار ومكفرا لما مضى من ذنوبنا وسيئاتنا وجب على المسلم أن يشمر على ساعد الجد وأن يستعد حتى لا تضيع عليه هذه الفرصة الذهبية التي تهيأت له بحيث مد الله له في أنفاسه وابقاه على قيد الحياة وكان يمكن لروحه أن تقبض قبل ذلك وهل يملك أحد أن يؤخر في أجله أو يقدمه. الثلاثة الذين أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعاء جبريل عليهم بالبعد عن الجنة أحدهم من أحياه الله إلى أن أدرك شهر رمضان ثم لم يغفر له والتسويف ليس من شيم المسلم ولا هو مسلك العاقل الرشيد والتهيؤ لرمضان وما فيه من خيرات لا يمكن أن يتأخر إلى مقدم هذا الشهر بل لابد أن يسبقه بشهرين أو بشهر أو على الأقل وأول مراتب ودرجات هذا التهيؤ إنما يكون باستحضار نعم الله ومننه علينا وما يغمرنا به سبحانه وتعالى من عفو وعافية وهداية ورحمة وتجاوز وما يتحبب به إلينا سبحانه وتعالى من عطايا واستحضار ما نقابل به تلك المنن والنعم من غفلة عنها وعن أهميتها ومن تقصير في أداء ما أوجبه الله تبارك وتعالى علينا من واجبات وما نقع فيه صباح مساء من معاص وذنوب وسيآت تتجاوز في غالب الأحيان الصغائر إلى الكبائر إن هذه الوقفة الواعية من العبد المؤمن واجبة لا يؤخرها ولا يتأخر عن القيام بها إلا غافل غير مدرك لما يقدم عليه من أخطار هي الهلاك المحقق والخسران المبين لا بدّ من التذكير بضرورة الاستعداد الروحي والنفساني لهذا الموسم وما أعده الله تبارك وتعالى من فرص الإنابة والتوبة والاقلاع عما يمكن أن يكون قد وقع فيه العبد من معاص وذنوب وباب التوبة من أعظم أبواب الدين الجديرة بالتذكير فقد فتح الله تبارك وتعالى هذه الأبواب على مصراعيها لعباده الصادقين وهو باب عظيم لتحبيب الله لعباده وبيان سعة رحمته وغفرانه إذا ما صحت العزائم وصدقت النوايا فالمعصية والوقوع في الذنب أمر وارد من العبد غير المعصوم والعصمة لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين والانفس الأمارة بالسوء يمكن أن تدفع بالغالبية العظمى من الناس إلى الوقوع في المعصية والمحرمات وما لم تصل تلك المعاصي والذنوب من العبد إلى الشرك بالله وما لم يصاحبها إصرار وما لم تكن جرأة على الله واستخفافا به واستحلالا لما حرمه على عباده من الخبائث والموبقات فإن هذه الذنوب والمعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك بالله والكفر به سبحانه وتعالى فانها قابلة للغفران والمحو في دين الإسلام وصدق الله العظيم حين يقول (قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) الزمر. وكيف يقنط أو ييأس من رحمة الله وتجاوزه وتكرمه وعفوه وصفحة مؤمن يتلو قول ربه تبارك وتعالى (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) يوسف الآية وحديث القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة عن التوبة والإنابة والغفران هو حديث الروح وحديث المادة الغزيرة التي لا ينضب معينها ولا يمكن الإتيان عليها في حيز ضيق مثل هذا الحيز ولكن التذكير ببعض ما ورد في هذا المعين العذب هو أحسن سبيل لإزالة اليأس والقنوط من الأنفس والقلوب المنكسرة من جراء المعاصي والذنوب التي وقعت فيها إنه حديث الأمل وحديث الانخراط في سلك أحب العباد إلى الله الذين يحببون الله في عباده بذكر كرمه وجوده وواسع غفرانه إنه مسلك العمل بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم كل داع وواعظ ومبلغ حين قال عليه الصلاة والسلام (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) إنه مسلك عدم التعالي على الله إذ المتعالي على الله يكذبه الله فمن قال لمذنب لن يغفر لك الله لك قال له المولى سبحانه وتعالى كذبت ها أنا اغفر له وإذا كان من واسطة جائزة ومباحة في دين الإسلام بين الخالق والمخلوق فهي لا يمكن أن تتجاوز حد تحبيب الله لعباده ببيان جوده وكرمه وإحسانه وعفوه وقربه منهم (وإذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) البقرة الآية ولا يملك أحد من غير الأنبياء والرسل والملائكة المقربين أكثر من أن يرشد الحياري والضالين ويعينهم على تلمس سبيل الهداية والرشاد والدعاء لهم بذلك ومثلما أنه لا أحد يملك في دين الإسلام صكوك الغفران فإنه أيضاً لا أحد يملك تقنيط مسيء أو مذنب من عفو الله وغفرانه (وخير شاهد على ما تقول قصة ذلك الرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفسا ثم فسال أحدهم هل يتوب الله علي؟ فأجابه هذا المقنط باستحالة ذلك فقتله وأتم به المائة واعترضه رجل آخر وسأله نفس السؤال هل يتوب الله علي؟ فقال له نعم بشرط أن تنتقل من هذه المدينة إلى مدينة أخرى ففرح هذا المذنب قاتل مائة نفس بشرية وسارع بالسعي إلى المدينة الأخرى التي أراد أن يبدأ بها مرحلة أخرى من حياته أساسها التوبة والإنابة وفيما هو ساع بعزيمة وإرادة صادقة إلى ما صمم عليه قبضت روحه ونزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب واختصما فيه ثم احتكما إلى من أشار عليهما بقياس المسافة والى أي المدينتين هو أقرب فوجدوه على قاب قوسين أو أدنى من المدينة التي هو عازم على التوبة فيها فأخذته ملائكة الرحمة ففي هذا الحديث الشريف يبشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وأن من يهم بارتكاب معصية ثم لا يأتيها خشية لله يكتب له بهذا العزم وتلك الارادة الخيرة التي انتصرت فيها النفس اللوامة على النفس الامارة حسنة في حين أن من يهم بحسنة ولم يفعلها تكتب له تلك الحسنة ويشبه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحة المولى سبحانه وتعالى وهو الغني عن عباده والذي لا تنفعه حسناتهم ولا تضره سيآتهم بصاحب الراحلة في الصحراء وعليها ماؤه وزاده تضيع منه فيبحث عنها ولا يجدها ولما ييأس منها يأتي إلى المكان الذي انطلق منه وينام وعندما يستيقظ يجد راحلته بجانبه وعليها ماؤه وزاده لاشك أن فرحته لا توصف ولا حد لها فرحة المولى سبحانه وتعالى بتوبة عبده المؤمن أشد من فرحة صاحب هذه الراحلة براحلته ويشبه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقارنة إقبال الله على عبده بقوله الحديث القدسي (إذا تقرب إلى عبدي شبرا تقربت اليه ذراعا وإذا تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا وإذا أتاني يمشي اتيته هرولة) وتعالى الله علوا كبيرا عن الشبر والذراع والباع والمشي والهرولة ولكن هو التشبيه لتقريب المعنى والمضمون المرغوب تبليغه لعباد الله حتى يدركوا مدى حب الله الشديد لهم ومدى فرحته بتوبتهم فعلى المسلم أن يتوب ويستغفر كلما وقع في ذنب أو معصية فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم عن الصغائر والكبائر من الذنوب يقول (أني لاستغفر ربي في اليوم مائة مرة) والله تبارك وتعالى لم يجعل التوبة لا تكون إلا مرة واحدة في عمر الإنسان بل مرات ومرات ينبغي أن تلحق التوبة (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة الآية والفرق بين المؤمن الذاكر وغيره أن المؤمن الذاكر إذا ما أذنب سرعان ما يتوب وصدق الله العظيم حين يقول (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) الأعراف الآية على المؤمن أن يسارع بالتوبة مقدما بين يدي هذه التوبة قوله تعالى حالا ومقالا (لا اله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين) الأنبياء الآية الم يقل جل من قائل (ومن يعمل «ج يسوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) النساء الآية ألم يقل جل من قائل (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) التوبة الآية وهو القائل سبحانه (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) المائدة الآية وهو القائل (والذين إذا فعلوا ّ فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) آل عمران الآية وهو القائل (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) الأنعام الآية وحديث القرآن والسنة النبوية عن التوبة أوسع من أن نأتي عليه وحسبنا أننا أوردنا بعضا مما وعد به الله عباده المذنبين المسيئين من مغفرة وعفو إن هم أنابوا وتابوا واستغفروا ربهم وصدق عزمهم في ذلك وأول الدرجات في التوبة والإنابة أن يقلع الإنسان المذنب عما أعتاد اقترافه من ظلم لنفسه وللناس ومن إتيان للمحرمات وسيجد عونا من الله على الخير ليفعله وعن الشر ليجتنبه ومهما تعودت نفس المذنب على المعصية فإن الله تبارك وتعالى يجعل لها من لدنه عزما ورشدا وقوة يتحول بها غرامها وهيامها إلى طاعة لله وإنها لواجدة لهذه الطاعة حلاوة لا تساويها أية حلاوة إنها حلاوة الإيمان التي هي الحلاوة الباقية : والضامنة لرضوان الله وجزيل ثوابه وعظيم أجره.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.