صيانة الآداب العامة مسؤولية الجميع: أفراد وهيآت وذي المهام والمسؤوليات

صيانة الآداب العامة مسؤولية الجميع: أفراد وهيآت وذي المهام والمسؤوليات


تكتسي مسألة الآداب العامة والأخلاق أهمية كبرى في حياة الأفراد والمجتمعات لأجل ذلك فإن الاهتمام والعناية بأمرها لا تزال الشغل الشاغل للمصلحين والزعماء وقادة التوجيه وولاة الأمور في كل الأمصار والعصور. وتعتبر الآداب العامة والأخلاق العمود الفقري للأديان والمهام الأساسية التي بعث من أجلها الأنبياء والرسل ولا أدل على ما نقول ما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ولا نغالي إذا قلنا أن نهاية المطاف التي يبتغي كل رسول ونبي أن يصل إليها في المهمة التي أوكلها الله إليه واصطفاه من أجلها بعد هداية الناس ليقوموا بواجب العبودية لله رب العالمين هي بعد ذلك إصلاح شأن معاملاتهم وعلاقاتهم ببعضهم البعض. ومما يجعل هذه العلاقة صالحة استنادها واعتمادها على ركيزة الإيمان بالله سبحانه وتعالى ذلك انه عندما يتعمق في القلوب هذا الإيمان الراسخ تنتج عنه حتما استقامة في الظاهر والباطن وفي القول والفعل. • ويلتقي في التسليم بمعقولية الالتزام بالآداب العامة والأخلاق الكريمة التفكير القويم والشرع البعيد عن الهوى والتحريف. الاسلام هو دين الوسطية في كل شيء يأبى المغالاة ولا يكلف الناس بما هو فوق طاقاتهم من الأوامر والنواهي وهذه الوسطية متلازمة شديدة التلازم مع الواقعية والمرونة فحيثما انتهى التفكير السليم والقويم بالانسان كان هنالك الشرع المنزه يسدد ويثبت على ما تم الانتهاء إليه. • وقوام الآداب العامة والخلق الكريم في دين الاسلام تلك القاعدة الذهبية التي عبّر عنها أبلغ تعبير الحديث النبوي الشريف القائل (لا ضرر ولا ضرار) وفي سبيل أن تتجسم النظرية الأخلاقية والسلوكية في حيز الواقع ولا يقع التعلل بأن تحقيقها ليس في مستطاع الانسان ذي التركيب المزدوج (المادة والروح) أرسل الله للناس رسولا منهم يعرفون نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، أعطاه الله هذه الصفات الكريمة واعترف له بها أهله وأقرباؤه وعشيرته وكل من عرفه قبل بعثته إذ أنه كان عليه الصلاة والسلام يلقب بالصادق الأمين كان ذلك قبل البعثة فلما بعثه الله تبارك وتعالى نبيا ورسولا لم يحد عما كان عليه من سلوك وتصرفات بل تمادى فيها واجتهد وكان اجتهاده هذه المرة بهدي من وحي السماء المنزل عليه. • فلا غرابة ولا عجب أن تأخذ الأخلاق والمعاملة الحسنة هذه المكانة من الدين الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بل أصبحت هي علامة صدق التدين ورسوخ الإيمان في القلوب. فالايمان في دين الاسلام ليس بالتمني أو بالتحلي بل الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، العمل على عمومه الديني التعبدي والحياتي المعيشي، أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى ورسخه في الأذهان وألح عليه إلحاحا شديدا والمتتبع لهدي الاسلام في كتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم وسيرته يجد مادة غزيرة لا تترك مجالا من مجالات تحرك الانسان وتصرفه إلا وتلاحقها بالتوجه والإرشاد فعندما يقول عليه الصلاة والسلام: الدين المعاملة وعندما يقول: الدين النصيحة فإنما يقصد أن المعاملة الحسنة هي علامة التدين والنصيحة هي علامة صدق الايمان ونستطيع أن ندرج في إطار هذين الحديثين الشريفين وهذين الهديين القويمين سائر تصرفات ومعاملات الناس مع بعضهم البعض سواء كان ذلك على مستوى المشاعر أو الأقوال أو الأفعال • فمشاعر المسلم نحو أخيه وبقية الناس أساسها حب الخير للغير وانتفاء الأحقاد والضغائن، فالمسلم لا يكون مسلما حقا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. والمحب في الله ولله موعود بأن يظلّ تحت عرش الرحمان يوم لا ظلّ إلا ظلّه (رجلان تحابا في الله) والمتحابون في الله يوجب الله على نفسه أن يحبهما فقد ورد في الحديث القدسي (وجبت محبتي للمتحابين في) • والمسلم الحق لا محلّ في قلبه للكراهية والحقد اللذين لا يمكن أن يجتمعا مع الإيمان • ومشاعر المسلم على نحو الناس هي التواضع وأن لا يشعر بأي تعال عليهم: يحمد الله على ما هداه الله إليه ووفقه لسلوكه ويطلب الهداية لمن هو في حالة ابتلاء • والمسلم في النهاية يعلم أنه لا فوز ولا نجاة يوم القيامة إلا لمن أتى الله بقلب سليم. • وأقوال المسلم لا يمكن أن تحيد عن هذا الصراط المستقيم يقول خيرا أو يسكت ويعلم علم اليقين أن كلامه من عمله وأن عمله سيحاسب عليه وهو لا يكون مسلما حقا إلا متى سلم الناس من لسانه وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مغبّة إطلاق الألسنة بالسوء تنهش أعراض الناس زورا وبهتانا وسبّا وشتما ونميمة قال جل من قائل (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) ولهذا السبب كان ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسما على من تساءل من أصحابه عن ما تنطق به الألسنة قال له ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلاّ حصائد ألسنتهم؟ وزاد الأمر وضوحا حين قال إن الواحد (ينطق بالكلمة لا يعبأ بها تهوي به سبعين خريفا في نار جهنم).فهل يتجاسر بعد هذا مسلم صحيح الاسلام قوي الإيمان بأن ينطق لسانه بذيء الكلام وفاحشه؟ • فالمسلم الحق يدفع بالتي هي أحسن وإذا مرّ باللغو مر مرور الكرام ويرد على الجاهلين بقوله: سلاما وإذا كان في حالة عبادة (الصيام) والمسلم دائما في عبادة – وسابه أحد فشعاره وردّه إني صائم. ولسنا في حاجة إلى الإلحاح في التذكير بأن المسلم لا يقول إلا حقا يستحيل عليه أن يتورط في كذب وبهتان خصوصا بعدما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل هل يكذب المؤمن؟ قال: لا يكذب المؤمن. • والمسلم يعلم مكانة الحياء من دينه حيث جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء شعبة من شعب الإيمان فلا يمكن أن يصدر عن المؤمن أي قول أو إشارة تتنافى مع الحياء والآداب العامة ولا يمكن أن يتسبب في حرج لغيره النساء والرجال والشيوخ والأطفال وكل من يتعايشون معه. • وأفعال المسلم ملتزمة بالهدي السماوي الملتقي مع ما ينتهي إليه في مجال التصرفات العقل السليم والتفكير القويم. إن المسلم لا يكون مسلما حقا إلا متى سلم الناس من يده مثلما سلموا قبل ذلك من لسانه فحرام على المسلم أن يظلم ويعتدي ويتجاوز حدوده يمنعه ايمانه وتمنعه تربيته السليمة من أن يتسبب في أي ضرر لغيره. إن يد المسلم هي يد خير ورحمة ورفق ولين وإحسان للناس أجمعين في أبعاد تأخذ في التوسع منطلقة من الأقرب فالأقرب لتنال كل الحيوانات العاقلة وغير العاقلة حتى الحيوان غير العاقل وبقية الكائنات الحية. • ومن كانت هذه حالهم في مستوى المشاعر والأقوال والأفعال هم المهتدون حقا بهدي الإسلام وهم المقتدون فعلا بسيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام الذي كان خلقه القرآن، والذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ثم مدحه فقال في حقه (وإنك لعلى خلق عظيم) ثم أمر عباده بأن يقتدوا به إن كانوا يحبون الله (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فهو الأسوة والقدوة (ولكم في رسول الله أسوة حسنة). • ومن كان مثلهم الأعلى في المشاعر والأقوال والأفعال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الأقرب منه مجالسا يوم القيامة، ألم يبشرهم بذلك حين قال (هل أدلكم على أقربكم مني مجالسا يوم القيامة؟ قالوا: بلى قال: أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويألفون)؟ وكان مما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه أبا ذر قوله عليه الصلاة والسلام (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) ولكي لا تنهار الأخلاق ولا تسوء المعاملات بين الناس ولكي لا يقع النيل من الآداب العامة وردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المحذّرة من مغبة سوء الأخلاق والآداب واعتبرتها علامة لزوال الحضارات والدول وصدق شوقي حين قال وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا ولسنا من أولئك الذين يقول هلك الناس وظهر الفساد في البر والبحر فبالتذكير والإرشاد والتوجيه وبالنصح والدعوة إلى الخير وبالقدوة والمثل أولا وبالكلمة الطيبة المتوخية للحكمة والموعظة الحسنة ثانيا يمكن تجاوز كل العثرات والعودة بالفرد والمجتمع إلى ما يصلح حالهم ومآلهم.ولكن هذا العمل لا يمكن أن يقوم به طرف بمفرده بل لا بد أن تتظافر فيه جميع الجهود من أسرة ومدرسة ومنابر وتوجيه وذوي مسؤولية صغيرة كانت أو كبيرة



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.