من معاني تشبيه الكلمة بالشجرة

من معاني تشبيه الكلمة بالشجرة


سأتحدث عن مثل من تلك الأمثلة الكثيرة الرائعة التي يضربها المولى سبحانه وتعالى لعباده ليوقفهم على كثير من الحقائق المجسمة التي تفيدهم في عاجل أمرهم وآجله (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون) وما أكثرها تلك الأمثال وما أدق محتواها وكم من أسرار عميقة وكنوز ثمينة اشتملت عليها في شتى ميادين الحياة وفي شتى ضروب المعرفة واليقين وليس المهم سردها وتلاوتها لمجرد التعبد والتبرك فهي أعظم من ذلك بكثير إنما المهم استجلاء كوامنها واستخراج أسرارها وحقائقها والانتفاع بما فيها من خيرات لا يزيدها الإنفاق إلا نماء وبركة فهيا معي اخي القارئ نقرأ مع بعضنا في تأمل وإمعان قوله سبحانه وتعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )فهل ترى من تشويق إلى الطيب يوازي هذا التشويق أو يدانيه؟ وهل ترى من تنفير من الكلام الخبيث الذي يترك أثرا سيئا في النفوس هو هكذا التنفير و التفضيع والتنديد. انه الإعجاز البياني الذي ينبع من أعماق الحقيقة إنه التصوير الفني الذي يتسامى في أجواء البلاغة ويحلق في سماء الخيال ثم هو في تحليقه وتساميه لا يصبح بعيد المنال على أصحاب الملكات المحدودة فيكفي لإدراكه والتفاعل مع حقائقه أن يتجرد الإنسان من ظلمات نفسه ومن كثافة روحه، إنك تقرأ هذه الآية وتكررها آلاف المرات فلا تشعر بسآمة وملل ولا تستوفي تأملاتك العميقة الهادئة ما فيها من روعة لفظية أخاذة وما فيها من إقناع يسلب من الدارس إذعانه وايمانه انها ترغب أخي القارئ في التفوه بالعبارات الجميلة الطيبة التي تترك في نفوس السامعين إنفعالا جميلا طيبا. كهذا الترغيب، إن ما يتفوه به الانسان من أقوال هي مقدمات طبيعية لما يترتب عليها حتما من أفعال ونتائج ضرورية لها مترتبة عنها فبالكلمة الواحدة تضرم نيران الفتن المتأججة التي تأتي على الأخضر واليابس وتأكل المال والرجال وبالكلمة الواحدة تحقن الدماء وتعقد الأحلاف وتربط الأواصر وتتوثق الصلات فكيف لا تكون الكلمة الطيبة تنبس بها الشفة وتنبع من أعماق القلب الطيب لتصل إلى نفوس تهيأت لقبول الطيب وإنباته وتغذيته. كيف لا تكون هذه الكلمة شديدة الشبه بتلك الشجرة المثمرة التي ضربت جذورها في أعماق الأرض فأصبحت متمكنة لا يزعزعها الإعصار ولا تحطمها الرياح وكلما حان جني ثمارها ألفيتها من الشجرة طيبة منظورا ومطعما وذلك الأثر من الكلمة مدرك ومفهوم لقد تمكنت الشجرة من الأرض وبعثت بعروقها يمينا وشمالا لتجلب لها القوة والمنعة والحصانة ولتجلب لها أيضا ما به قوام الحياة من غذاء وشراب وليس للتشبيه من معنى إذا لم يكن لصاحب الكلمة الطيبة وللكلمة ذاتها نفس تلك القوة والمنعة والحصانة والتمكين في الأرض وعين ذلك التنعم بلذيذ العيش. أي عاقل يرى ويسمع هذا التنظير الجميل ولا ينصب على شفتيه حارسا شديد المراس قوي الشكيمة من الضمير الرادع والعقل الواعي ليكون بالمرصاد لذلك اللسان الذي قد يحاول أن يكون ثعبانا أو شيطانا فيلقمه حجرا كلما حاول ان يخبث أو يتخابث، الكلمة الطيبة تزرع الحب والاحترام وأي سعادة في الكون ليس الركن الأساسي فيها الحب والاحترام، الكلمة الطيبة تحمي لحمة القرابة والصداقة من أن يتسرب إليها الضعف والوهن وأي لذة للعيش إذا لم تكن مجالس الأقرباء والأصدقاء معطرة بطيب المودة والإخاء. الكلمة الطيبة تجعل الانسان يتنازل عن بعض حقوقه ويضحي ببعض مصالحه أخذا بخاطر ذلك المتطلب الأديب وأي انسجام في أي مجتمع إذا لم تكن هنالك تنازلات متبادلة بين أفراد ذلك المجتمع الواحد الذي نريده ويريده الله ان يكون متماسكا قويا، الكلمة الطيبة تبعث في الرؤوس روحا خلاقة للعمل والانتاج وعزيمة صادقة للتضحية والايثار وأية أمة تزدهر مشاريعها وتنجح مخططاتها بدون عمل وانتاج وبغير تضحية وايثار وبالتالي الكلمة الطيبة لا تقتصر على هذه المعاني الأرضية وحسب بل تأبى إلا أن تخترق الحجب وتسمو إلى حيث الطهر والجلاء إلى النور إلى الخلود السرمدي والعزة الدائمة إلى حيث تحدونا آيات رب العزة ببيانها الجهير واحكامها البديع إلى نصر عزيز وفتح مبين في أرض الله العميقة الأغوار الممتدة الأطراف. وفي سمائه الفسيحة الأبعاد الصعبة المرتقى، (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)فما بيننا وبين إدراك الأشياء على حقائقها إلا أن نتذكر أو نتفكر ونفقه و يا لها من نعمة سابغة عندما نعلم علم اليقين أن آلة التذكر والتفكر والتفقه هي بين أيدينا وليست مستعارة أو مستأجرة أو غائبة أو مفقودة إن وجه الشخص لتعروه حمرة الخجل عندما يرى باحثا عن الماء في لهفة فيقال له الماء فوق ظهرك فيمد يده لسحبه ويشرب فماله لا يخجل عندما يدرك أنه مجنون وعقله معه واعمى وعيناه في رأسه وأصم وأذناه مفتوحتان ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ألا يستحي أولئك الذين يهرفون بما لا يعرفون أولئك المعاتبة الذين يطلقون لألسنتهم أعنتها فتصبح كخيل شمس تركل برجلها وتمنع ظهرها ألا يخجلون عندما يسمعون قول الله تعالى (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار) وأي قرار لأصحاب الكلمات الخبيثة المليئة عهرا ودعارة “إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا” أي سماء تظلهم وأي أرض تقلهم لقد لفضتهم المجتمعات لفض النواة فأصبحوا نفاية لا يؤبه بها ولا يقام لها وزن ليتهم اعرضوا عن غيهم وفكروا في حالهم ومآلهم إذا لأراحوا أنفسهم وأراحوا الناس من شرورهم وآثامهم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.