خطبة جمعية ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع بمقرين العليا حول أسباب فلاح المؤمنين (1)

خطبة جمعية ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع بمقرين العليا حول أسباب فلاح المؤمنين (1)


الحمد لله الذي جعل القرآن نورا وهدى للعالمين وأخرج به الناس من الظلمات الى النور وأشهد أن لا اله الا الله شهادة من ايقن ان لا ملجأ من الله الا اليه واشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله رسول الهدىى والرشاد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ولاقى في سبيل اعلاء كلمة الله آلاما واتعابا فما وهن ولا ضعف ولا استكان صلى الله عليه وعلى اله واصحابه الى يوم الدين أما بعد أيها المسلمون، نعود اليوم الى القرآن الكريم كتابنا الخالد وسراجنا المنير وحبل الله المتين حجتنا في هذه الدار وفي الدار الآخرة، نعود اليه نغترف من معينه الذي لا ينضب وانواره التي لا تنطفئ وخيراته التي لا تفنى ونعيش في ظلال آياته البليغة وعبره الكثيرة فيصدق فينا قول ربنا جل وعلا (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) جعلنا الله من المتذكرين المعتبرين المنتفعين بآيات الله ومواعظه يقول ربنا جل وعلا بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) صدق الله العظيم هذه الآيات العشر من سورة المؤمنون افتتح الله بها هذه السورة العظيمة وهي دستور وتعريف وتعداد لخصال المؤمنين المفلحين قال الإمام أحمد رضي الله عنه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان اذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يُسمع عند وجهه كدوي النحل، فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تُؤثر علينا وارض عنا وارضنا ثم قال: أُنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ قد أفلح المؤمنون حتى ختم العشر وقد أورد الترمذي رضي الله عنه ان عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها سُئلت كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلق رسول الله القرآن ثم قرأت قد أفلح المؤمنون الى قوله (والذين هم على صلواتهم يحافظون) هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد آثرت ان تكون الخطبة في هذا الاسبوع والاسابيع المقبلة إن شاء الله في تدارس وتدبر هذه الصفات العشر علّ الله سبحانه وتعالى يوفق من اهتدى قلبه واعتبر الى العمل بهن والالتزام بهذه الصفات الواردة في أول سورة “المؤمنون” فإن من أقامهن دخل الجنة وكلنا يتوق الى دخول الجنة والنجاة من النار لقد بدأ سبحانه وتعالى السورة بقوله جل من قائل (قد أفلح المؤمنون) هنيئا لمن زكاهم ربهم وأعلن انهم المفلحون وانهم الفائزون اذ الفلاح هو الفوز والنجاة والسعادة وتحقيق الآمال والغايات قد أفلح المؤمنون، وقد، هنا للتحقيق، لقد أفلحوا فعلا أعلن ذلك ربنا سبحانه وتعالى غير ان الذين أفلحوا ليسوا كل المؤمنين بل أولئك الذين جاهدوا أنفسهم فهداهم ربهم صراطه المستقيم ومنهجه القويم (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا) وغالبوا انفسهم وشهواتهم وكانوا لها بالمرصاد، عادوا الشيطان وكانوا بحق عبادا للرحمان وحققوا في أنفسهم مقاصد الاسلام والايمان والإحسان فهم الذين اتقوا وهم الذين احسنوا وهم الذين يمشون على الأرض هونا وهم الذين يدفعون بالتي هي أحسن أخلاقهم أخلاق الصديقين وسمتهم سمت الصالحين والعارفين (قد أفلح المؤمنون) ما أجمله من تقرير إلهي لا يقبل المراجعة ولا التعقيب ولا التبديل اذ لا مبدل ولا مغيرّ لكلماته سبحانه وتعالى قضى بفلاح المؤمنين فهنيئا لهم بهذا الفوز العظيم: فلاحهم في كل مجال في هذه الدار وفي الدار الآخرة لا يحزنون اذا حزن الناس ولا يخافون اذا خاف الناس استأنسوا بربهم فآنسهم بقربه واستنصروا به فنصرهم واستعزوا به فاعزهم والتجؤوا الى جنابه المكين وحصنه المنيع فنجاهم ونصرهم (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) فهنيئا للمؤمنين الذين قرر لهم ربهم الفلاح وقال (قد أفلح المؤمنون) فبادروا عباد الله المسلمين الى تحقيق هذه الصفات حتى تحرزوا على الفلاح والنجاح فسنعدد هذه الخصال وستدركون انها ليست مستحيلة التحقيق على المؤمنين حقا الذين يسر لهم المولى سبحانه وتعالى طرق التقرب اليه فهم الذين اتقوا والذين اتقوا هم في حرز منيع لا يُغويهم الشيطان ولا تُسيطر على قلوبهم الاحزان يعيشون في نور وصراط مستقيم (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) فرق كبير بين هؤلاء الذين يبصرون بسرعة وينيبون الى ربهم اذا اخطؤوا وبين من اغفل الله قلبه فقال فيه (ومن يعشو عن ذكر الرحمان نقيظ له شيطانا فهو له قرين) جعلنا الله من المؤمنين المبصرين غير الغافلين والجاهلين قد أفلح المؤمنون من هم المؤمنون الذين أفلحوا ؟ الجواب سيأتي سريعا واضحا جليا (الذين هم في صلاتهم خاشعون) يا لها من عقبة ولن يتجاوزها الا من يسر له الله السبيل وأنار له الطريق الذين هم في كل صلاتهم خاشعون والصلاة هي عماد الدين من أقامها أقام الدين ومن هدمها هدم الدين الصلاة مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهر الجاري باب أحدنا نغتسل فيه في اليوم خمس مرات هل يبقى من درن أحدنا وأوساخنا شيء؟ كذلك الصلاة فانها وقوف بين يدي ربنا في اليوم والليلة خمس مرات وقوف محاسبة يقف فيه المؤمن المفلح وقوف حضور بالجوارح والقلب يستشعر في هذا الوقوف كل صنوف الرهبة والخشوع والخضوع والافتقار والذل لخالق الأرض والسماء سبحانه وتعالى والصلاة هي معراج المؤمن الى ملكوت الله الأعلى والمصلي يناجي ربه، وأقرب ما يكون العبد الى ربه وهو ساجد، وفي سجود المؤمن لربه وخضوعه له ووقوفه بين يديه دروس في التسليم والإنابة والرضا بقضائه تكون نتيجتها تولي المولى لعبده المؤمن تسليم من العبد وتولّ من ربّ العالمين لهذا العبد وكم هي الآيات والأحاديث التي ركزت على الصلاة التي هي في معناها اللغوي دعاء ومناجاة لله سبحانه وتعالى منها قوله عز وجل (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ومنها حديثه عليه الصلاة والسلام (من لم تنهه صلاته فلا صلاة له) وصلاة الغافل لا تمنعه عن الفحشاء وكم من قائم حظه من قيامه التعب والنصب لهذا عباد الله المسلمين نفرق بين الصلاة المقبولة التي تسبب لصاحبها النجاح والفلاح والصلاة المردودة على صاحبها ان الصلاة المقبولة صلاة المفلحين هي صلاة المتدبرين، وهي الصلاة المعنية في قوله تعالى (وأقم الصلاة لذكري) والغفلة عكس الذكر وفي الصلاة تلاوة والتلاوة والترتيل يجب ان يكون بتفكر وتدبر وتمعن (ورتل القرآن ترتيلا) ولا يقع هذا الترتيل الا بالاعتبار والتفهم لما في النص القرآني من دورس وعبر (أ فلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)؟ كل هذه آيات صريحة وأحاديث صحيحة توجب التدبر والتمعن والخشوع والحضور اذ الصلاة ذكر ودعاء والذكر والدعاء يتطلب حضور القلب والجوارح وهكذا فهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام هذا القصد الإلهي فكان صلى الله عليه وسلم يقول (أرحنا بها يا بلال) فهو عليه الصلاة والسلام يجد في الصلاة راحة وفي غيرها تعبا ونصبا ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر (حُبب اليّ الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة) الإمام أحمد هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك نسج على منواله أصحابه الكرام رضي الله عنهم فكانوا مصابيح هدى واقباس نور اضاءت للمسلمين معالم الطريق كانوا نماذج صادقة وصورا مصغرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر حياتهم فضلا عن عباداتهم فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نودي الى الصلاة تغيّر لونه وحاله وقال آن أوان أداء أمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان هذا الظلوم الجهول ولذلك انتفعوا بصلواتهم وكانت معراجا لهم الى ملكوت الله الواسع واجتازوا العقبة الأولى والشرط الأول الذي اشترطه ربنا لفلاح المؤمنين أما نحن فإن صلواتنا خلت من الخشوع والخضوع ليس لنا منها الا الرسوم والمظاهر ننقرها نقر الديك بمجرد ما يُكبر الواحد منا يأتيه ما كان غائبا عليه ويبدأ شريط مشاكل الدنيا وهمومها لسانه يردد إيّاك نعبد وإياك نستعين وعقله يفكر بمن يستعين في قضاء حاجته وتسديد دينه نخاطب الله بقوله (إياك نعبد) ولا نعبد الا أهواءنا وشهواتنا واغراضنا وطموحنا فكيف يمكننا في هذه الحال ان ننتفع بصلواتنا وتكون سببا في فلاحنا ثم يجيء دور الشرط الثاني او العقبة الثانية (والذين هم عن اللغو مُعرضون) يا له من شرط آخر أصعب من الصعب وأيسر من اليسير صعب على الغافلين الجاهلين ويسير على المؤمنين الخاشعين واللغو هو كل كلام لا تُرجى منه فائدة اللغو هو كل كلام في أعراض الناس من سب وشتم ونميمة وما الى ذلك من حصاد الألسن الذي استهان به أحد الصحابة فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (ثكلتك أمك وهل يكب بني آدم في نار جهنم الا حصاد ألسنتهم) لذلك قال القائل احفظ لسانك ايها الانسان لا يلدغنك انه الثعبان لذلك كان من صفات المؤمنين الخاشعين الفائزين برضا ربهم والمفلحين ان يعرضوا عن اللغو والفجور فلا يغشوا مجالسه ولا يستمعوا له فضلا عن ترديده على ألسنتهم اذ من خصائص المؤمنين المفلحين انهم ينزهون أسماعهم وألسنتهم وأبصارهم عن اللغو الفسق والفجور لذلك مدحهم ربهم في موضع آخر بقوله (وإذا مروا باللغو مروا كراما) وفي الإعراض عن اللغو نجاة وفلاح للمؤمنين ولكنها عقبة ولا يتخطاها الا من جانب هواه وعاكس شهواته ونزواته وكان لها بالمرصاد وقليل من يفعل ذلك، فحتى في المساجد وهي بيوت العبادة لا يخلو كلامنا من لغو ولعب ولهو كل ذلك يشغل عن ذكر الله ويغفل القلب عن الحضور بين يدي مولاه فإذا تحقق في المؤمن هذان الشرطان العسيران وهما الخشوع في الصلاة والإعراض عن اللغو والفجور شرطان عسيران ولكنهما يسيران على من تاب واناب ووقف بالباب ورفع عنه الحجاب وناجى رب الأرباب سبحانه وتعالى وطلب منه النجاة من العذاب يوم الحساب ذلك اليوم الذي تشيب له الولدان ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ندعو الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من المفلحين الفائزن الذين يخشعون في صلواتهم ويعرضون عن اللغو



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.