بر الآباء من طرف الأبناء مظهر من مظاهر نبذ الإسلام لكل أنواع التنكر والصراع

بر الآباء من طرف الأبناء مظهر من مظاهر نبذ الإسلام لكل أنواع التنكر والصراع


الروابط بين الناس في المجتمع عديدة أشدها وثوقا وقوة: العلاقة الدموية، علاقة الأبوة والبنوة. هذا التوالد البشري الذي يستمر به العمران في الكون إلى ما شاء الله أساسه إنجاب من ذكر وأنثى وفي هذا الإنجاب مشاق و آلام: أتعاب الحمل والوضع والحضانة والتربية والتنشئة. كل ذلك يقوم به الأبوان نحو الأبناء إلى أن يكبروا ويقووا على مواجهة صعاب الحياة. يقدم الأبوان للأبناء كل صنوف الرعاية والعناية والخدمة بنفس راضية لا يشترطون على ذلك أجرا بل يندفعون إليه اندفاعا وفي ذلك عبرة لمن يعتبر. ووضعا للأمور في مواضعها لم يعتبر الاسلام احدا بعد الله سبحانه وتعالى أكثر إحسانا للانسان من والديه اللذين أنجباه وربياه صغيرا. لذلك تكرر التذكير في القرآن الكريم بحقوقهما على الأبناء والأمر المؤكد والوصية المتكررة للأبناء كي يبروا آباءهم في حين أننا لا نجد آية واحدة تأمر الأبوين بالعطف والشفقة والرحمة والرفق واللين بالأبناء وما ذلك إلا لأن الأبوين مغروس في قلبيهما هذه الشفقة وذلك الشعور الفياض.على العكس من ذلك فإننا نجد في القرآن الكريم تحذيرا للاباء والأمهات من الإفراط في الحدب الذي يصل إلى الفتنة التي تشغل عن الله والقيام بحقه يقول الله تبارك وتعالى “إنما أموالكم وأولادكم فتنة”. لا يكتفي القرآن بالوصية العامة بالبر والطاعة للوالدين بل يدخل في التفاصيل والجزئيات ويذكر بمختلف الأفضال والمنن التي للأبوين على الأبناء فيقول جل من قائل “ووصينا الانسان بوالديه حسنا حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا”. فكم في الحمل والوضع والفصال من أتعاب وآلام للأم المسكينة اياما وليالي طويلة وسنوات متوالية ينام ويتذوق حلاوة النوم كل من في البيت إلا الأم لذلك استحقت أن يوصي بها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاء رجل يقول له:يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك. البخاري ومسلم وحتى اذا كانت الأم غير مسلمة أوصى الاسلام بحسن معاشرتها ومعاملتها إذ قال جل من قائل “ووصينا الانسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون.” فالمصاحبة بالمعروف والمعاملة الحسنة للوالدين واجبة ولا تجب طاعتهما في ما يغضب الله من كفر ومعصية. فعن أسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت على أمي وهي راغبة افأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك" رواه البخاري ومسلم وأبو داود.وحتى ذلك الذي كان يطوف بأمه على عنقه حول الكعبة والتفت مزهوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: هل أديتها حقها يا رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: كلا و لا ردكة من ردكات رجلك في بطنها. *لقد حرص الاسلام على أن تكون العلاقات بين كل أفراد مجتمعه علاقات أساسها التآلف والتكاتف والتحابب لا علاقات البغضاء والتشاجر والتدابر والصراع ولذلك لم يعرف المجتمع الاسلامي عموما ما عرفته المجتمعات الأخرى من أمراض فتاكة قاضية كصراع الطبقات وصراع الأجناس وصراع الأجيال فلا صراع في المجتمع الاسلامي إلا بين الكفر والايمان والخير والشر والحق والباطل.أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الحقيقة عندما قال: “ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا” لم يجعل الاسلام العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة ظاهرها الخير والحب والاحترام بل ظاهرها وباطنها إذ حرم على الأبناء بأسلوب بليغ كل وجوه العقوق والنكران والإساءة الظاهرة والخفية يقول جل من قائل “وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فانه كان للأوابين غفورا” الإسراء ما أدقه من وصف فعند الكبر والعجز يصبح الأبوان كالطفل الصغير، أي شيء ولو كان ضئيلا يغضبهما أو يرضيهما. وفي هذه السن المتقدمة يحتاج الأبوان إلى وقوف بجانبهما وإشعار لهما أنهما في نفس المكانة والمنزلة السابقة عند ابنهما وأن ضعفهما وعجزهما لا ينقص من قيمتهما وانه دائم الاعتراف بجميلهما فلا ينبغي أن تصدر من الابن البار أدنى إساءة ولو التأفف الصادر أحيانا عن تألم لموقف أو تصرف غير سليم منهما أو من أحدهما وكثيرا ما يقع ذلك، بل ينبغي مقابلته بالصبر والتحمل وعدم اظهار أي غضب أو امتعاض. فلا ننهرهما بل نقول لهما القول الجميل الكريم ومهما كانت قيمة الواحد منا ومكانته الاجتماعية فأمام والديه عليه أن ينخفض أمامهما ويشعرهما أنه لم يتغير ولم يتبدل، انه نفس طفل الأمس الصغير المحتاج إلى خدماتهما ومساعدتهما، إن مفعول ذلك عليهما كبير جدا، ادع لهما الله بالرحمة بهما مثلما رحماك عندما ربياك صغيرا. إن الاسلام في سبيل اصلاح العلاقة بين الآباء والأبناء جعلها علاقة ود ومحبة واحترام وتقدير واعتراف من الأبناء لأبائهم، ربط الاسلام بين رضا الله ورضا الأبوين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد”. الترمذي وجعل الاسلام برد الوالدين سببا لكل سعادة دنيوية ودينية فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من سره أن يمد له في عمره ويزاد له في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه” أحمد. وان رضاهما وبرهما مقدم على كل الطاعات بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى فعن أنس رضي الله عنه اتى رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد" الطبراني. وعن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك؟ قال: نعم قال ففيهما فجاهد. البخاري. فبر الوالدين جهاد في سبيل الله يحرز به المسلم على مرضاة الله سبحانه ويدخل جنانه لذلك عجب الرسول شديد العجب ممن تفوته هذه الفرصة فيضيعها. فعن جابر رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال آمين آمين آمين قال آتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد من أدرك أبويه فمات فدخل النار فأبعده الله فقل آمين فقلت آمين، قال يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله فقل آمين قال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله فقل آمين فقلت آمين" الطبراني وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنفه ثم رغم أنفه قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة" مسلم ولم يقبل الاسلام اي مظهر من مظاهر العقوق من الأبناء. أخرج الطبراني في الأصغر والبيهقي في دلائل النبوة عن جابر جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله إن ابي يريد أخذ مالي فقال ادعه لي فلما جاء قال له عليه السلام: إن ابنك يزعم انك تريد إن تاخذ ماله: فقال: سله، هل هو إلا عماته أو قراباته أو ما انفقه على نفسي وعيالي قال فهبط جبريل عليه السلام فقال: يا رسول الله إن الشيخ قال في نفسه شعرا لم تسمعه اذناه فقال له عليه الصلاة والسلام : قلت في نفسك شعرا لم تسمعه اذناك فهاته فقال: لا يزال يزيدنا الله بك بصيرة ثم أنشأ يقول: غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما اجني عليك وتنهل اذا ليلة ضاقتك بالسقم لم ابت لسقمك إلا ساهرا اتململ تخاف نفسي الردى نفسي عليك وانها لتعلم إن الموت وقت مؤجل كاني انا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي اليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك انت المنعم المتفضل فليتك اذ لم ترع حق ابوتي فعلت كما الجار للجار يفعل فأوليتني حق الجوار ولم تكن علي بمال دون مالك تبخل قال: فبكى النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بتلابيب ابنه وقال: اذهب انت ومالك لأبيك. إن بر الوالدين يتجاوز حياتهما إلى ما بعد وفاتهما فعن ابي اسد بن مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبواي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم الصلاة عليهما “اي الدعاء لهما” والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما واكرام صديقهما" رواه ابو داود وابن ماجة وابن حبان إنها ابواب الخير والبر والطاعة التي لا حد لها وليقدم الواحد منا لنفسه ما يجده غدا عند ربنا وقبل ذلك في معاملة أبنائنا وتصرفهم معنا فنحن اليوم أبناء وغدا آباء وما نفعله لآبائنا يفعله غدا معنا ابناؤنا فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم” رواه الطبراني



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.