الأخلاق الإسلامية مشاعر وأقوال وأفعال

الأخلاق الإسلامية مشاعر وأقوال وأفعال


الإسلام دين جمع الله فيه خيري الدنيا والآخرة وفتح أبوابه أمام كل من استقام تفكيره وصفت سريرته وخلصت نيته، فهو دين البشر أجمعين مهما اختلفت ألوانهم واجناسهم ولغاتهم ومراتبهم الاجتماعية لتتكون منهم الأمة الواحدة (وان هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون)، أمة يتساوى فيها الجميع أمام الحق والشرع ولا يتفاضلون ويتمايزون فيما بينهم إلا بالتقوى( وإن أكرمكم عند الله اتقاكم) – الحجرات التقوى التي لا تقتصر على الطقوس والرسوم والمظاهر بل تعتبر تلك أشكالا خارجية لا بد أن يكون لها جوهر ، وهذا الجوهر إنما يتمثل في القلب الذي إذا صلح صلح الجسد كله انه العضو الذي ينفذ اليه نظر الله سبحانه وتعالى (إن الله لا ينظر الى صوركم ولا الى وجوهكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم) فإذا صفت السرائر وطابت الأنفس انعكست آثار ذلك على سلوك المسلم فقومت اعوجاجه وأصلحت انحرافه ووجهته نحو الخير وجنبته المهالك والمزالق وهو أسمى ما تتوق الى بلوغه الشرائع والرسالات وهو الذي من اجل تحقيقه أرسل الله الرسل وانزل معهم الكتب وديننا الاسلامي الحنيف ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ما أرسله الله تبارك وتعالى الا ليهدي الناس الى الصراط المستقيم ويعيد الانسانية الى المنهج الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ولا ظلم ولا عدوان ولا طغيان فيه للمادة ولا رهبانية فيه فالناظر بتفحص وتدبر وتمعن في كل أوامر الاسلام ونواهيه ومقاصده وغاياته لا يجده يحيد في تحقيق هذا الهدف فما فرض الله تبارك وتعالى من فرائض وحرم من محرمات إلا لأجل إسعاد الانسان : دنيا واخرى، جسدا وروحا، فردا ومجتمعا فالله في مقامه وجلاله في غنى مطلق عن طاعات المطيعين كما لا تضره سيئات المسيئين، إنه القائل سبحانه وتعالى على لسان حبيبه ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (إنما هي اعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) إن مصلحة الانسان وسعادته واستقامته وصلاح أمره هي الغاية من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) لقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنهج الأكمل الذي نظم كل جوانب حياة الأمة وعلاقات أفرادها ببعضهم البعض: بيعا وشراء وزواجا وفراقا ووفاقا واختلافا وشركة وجوارا كل ذلك في إطار من السماحة والرفق واليسر واللين ولكن في حزم وشدة في الحق ووقوف عند حدوده ورفض لكل ميل او انحراف عن الحق والعدل مهما كان مأتاه ومصدره لأن سيادة الحق والعدل أساس لدوام العمران وتحقق الازدهار فما اندثرت الحضارات وما أهلكت الأمم والدول العظيمة الشأن الا عندما انخرم بين صفوف أفرادها وجماعاتها الأمن والعدل والانصاف وكل ذلك قصه على المسلمين للعبرة والذكرى كتابهم العزيز واغلق نبيهم الكريم عليه الصلاة والسلام أمام ذوي الأهواء والمطامع الأبواب وأوصدها بل تهدد من تحدثهم أنفسهم بالتواكل عن العمل الصالح والاعتماد على أواصر القربى والولاء أنه لا يغني عنهم من الله شيئا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل بيته (اعلموا آل محمد فو الله اني لا أغني عنكم من الله شيئا لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ) ويوم ان حاول بعضهم ان يتوسط لديه عليه الصلاة والسلام في حد من حدود الله لأجل امرأة رأو انها فوق العقاب غضب عليه عليه الصلاة والسلام شديد الغضب وصعد المنبر وخطب الناس وأعلن لهم ولأمة الاسلام قاطبة ان التنازل عن مثل هذا الأمر وقبول الواسطة هو بداية الانهيار والزوال وهو سبب هلاك الأمم السابقة (انما هلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد واذا سرق الشريف تركوه) ثم أقسم لهم وهو قليلا ما يقسم (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )فكل الناس في شريعة الاسلام سواسية تتساوى سيئاتهم كما تتساوى حسناتهم، فالأخلاق التي جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليتممها ويكملها تتجاوز الكلمات المعسولة والابتسامات الصفراء الى الأعمال التي يأتيها المسلم والتصرفات التي تصدر عنه قولا وفعلا إن الإسلام يجعل من حياة المسلم طاعة وعبادة ولا يقبل من المسلم ذلك الازدواج المقيت بين القول والفعل وبين الشعار والتطبيق فايمان لا يتجاوز القلب الى السلوك والممارسات والمواقف والتصرفات ايمان منقوص مردود على صاحبه وهذا ما عناه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف الذي يقول (ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ) فعمل المسلم وتصرفاته وسلوكه ومعاملاته وتسييره لما يوكل اليه هو الذي يحصحص ايمانه ويظهر مصداقيته ان المسلم الذي يخاف الله ويخشاه ويراقبه في الصغيرة والكبيرة وفي ما يأتي وما يدع هو المسلم الحقيقي وهو الذي يبلغ درجة البر التي لا تحصل بمجرد ان يولي المسلم وجهه قبل المشرق أو المغرب وقد جاء على المسلمين حين من الدهر اكتفوا فيه من الاسلام بالطقوس والرسوم وتغافلوا وتجاهلوا ان ذلك ليس إلا جزءا صغيرا من الاسلام لا تتحقق به للمسلمين عزة وقوة وغلبة وتمكين في الأرض كما لا يتحقق لهم به رضوان الله تبارك وتعالى عليهم ودخول الجنة والحال انهم يرددون في كتابهم العزيز صباح مساء قول ربهم (قل ان صلاتي ونسكي محياي ومماتي لله رب العالمين ) الأنعام، ولا يكون محيا المسلم لله رب العالمين الا اذا سلم الناس من لسانه ويده: إلا إذا صدق في الحديث وأتقن في العمل وأخلص في النصيحة والشهادة وأحب لبقية المسلمين ما يحبه لنفسه أي يجسم ذلك في واقع الحياة اليومية في البيع والشراء في الشركة والجوار في العمل والمعاملة في المعاشرة والمخالطة والتربية فيعتبر نفسه مسؤولا عن الصغيرة والكبيرة ماجورا عن الأذى يميطه عن الطريق وعن الابتسامة الصادقة في وجه أخيه المسلم وعن الكلمة الطيبة يشرح بها صدور المهمومين إنها أبواب واسعة من الخير يفتحها الاسلام للمسلمين كي يتنافسوا في فعل الخيرات واجتناء الطيبات وكتابة الحسنات لقد سعى الاسلام الى تركيز حقيقة في أنفس المسلمين ألا وهي ان هذه الدار الدنيا مزرعة فلينظر المسلم ماذا يزرع فيها كما ركز في الأنفس الشعور بالمسؤولية امام الله الذي لا تخفى عليه خافية والذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والذي لا يمكن مغالطته أو إخفاء أي شيء عليه فكتاب الأعمال سوف ينطق على صاحبه يوم القيامة وسوف يجزع من حاد عن الطريق المستقيم ثم يصرخ (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها )الكهف ان المسلم في شريعة الاسلام مسؤول عما قدمت يداه وهو راع وكل راع مسؤول عن رعيته والمسلم في شريعة الاسلام ايجابي فعال يؤمن بالخير فيجسمه في حيز الواقع ويكفر بالشر فيعرض عنه ويجتنبه ويتحمل مسؤوليته في إنكاره والنهي عنه والنصح باجتنابه إذ لا مجال في مجتمع المسلمين الى تلك النفسية الأنانية التي تقول بعد نجاتي الهلاك للجميع بل من لم يهتم بامور المسلمين ولم ينشغل بأحوالهم ولم يسع في إصلاح ذات بينهم وإرشادهم الى ما يحقق نجاتهم جميعا فليس من المسلمين وان ادعى ذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم والمسلمون جسد واحد وبنيان مرصوص ويركبون سفينة واحدة اما ان تنجو بهم جميعا ا وان تغرق بهم جميعا لا قدر الله وقد حذرهم الله تبارك وتعالى من عقلية عدم الاكتراث حيث قال (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) الأنفال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم عن أن يكون أمعة يقول (إذا أحسن الناس أحسنت وإذا أساءوا أسأت بل وطنوا أنفسكم على ان تحسنوا اذا أحسن الناس وان لا تسيئوا إذا أساء الناس) ان المسلم ينبغي ان يظل دائما مع الحق يميل حيث مال يدعو اليه ويبشر به بسلوكه وهي أبلغ دعوة وبقوله ويتحمل مسؤولياته لأنه سيحاسب عن كل مواقفه وأفعاله وهو مدعو الى آداء واجب النصيحة بصدق وإخلاص وبدون مغالطة وحسابات رخيصة ، (فالدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) فلا بد أن يشعر كل فرد مسلم بمسؤولياته امام ربه عن نفسه واهله وعن امته وعما يأتيه من أعمال وعما يوكل إليه من مهام فيخاف فيها الله ويراقبه ويؤدي لكل ذي حق حقه ويحرص على أن لا ينال مكروه من يتولى القيام عليهم وخدمتهم والإشراف على حظوظهم في أي قطاع من قطاعات الحياة: صحة وتعليما وإدارة وقضاء وإرشادا واعلاما واذا ما التزم المسلمون على مختلف مواقعهم مسؤولياتهم بالمسلك الذي يرضي الله ورسوله فستتكامل الجهود وستثمر الأعمال وسيتحقق الإصلاح المنشود من طرف الجميع إذ لا يمكن ان يكون الإصلاح فوقيا فقط ولا تحتيا فقط وانما ينبغي ان يتعاون عليه الحاكم والمحكوم والقاضي والمتقاضي من أجل الوصول الى تحقيق مرضاة الله تبارك وتعالى دنيا وآخرة



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.