خطبة عيد الفطر بجامع مقرين العليا: هنيئا لمن عاهد ربه وصدق في عهده بأن لا يعود بعد رمضان إلى ما كان عليه من غفلة

خطبة عيد الفطر بجامع مقرين العليا: هنيئا لمن عاهد ربه وصدق في عهده بأن لا يعود بعد رمضان إلى ما كان عليه من غفلة


الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا الله اكبر ما سعى في هذا الصباح الباكر إلى بيوت الله المصلون تعلوهم السكينة ويغلب عليهم البشر والفرح والسرور على ما وفقهم الله إليه من أداء فريضة الصيام وما كانوا عليه طيلة شهر رمضان من تشبه بملائكة الرحمان أولئك الذين غذاؤهم العبادة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فكانت امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أهلا لأن يباهي بهم الله ملائكته في الامتناع عن الطعام والشراب واجتناب لكل ما تشتهيه النفس وما ترغب فيه الغرائز. وأن يكونوا أهلا لخلافة الله في أرضه وعند حسن ظن ربهم وخالقهم حين قال للملائكة عندما سألوه أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال جل من قائل إني أعلم ما لا تعلمون) أحيانا الله الى رمضان وكان يمكن ان نكون من أهل القبور فكان رمضان موسما للاستزادة من الخير والتزود بخير زاد كيف لا ورمضان شهر التنافس يجمع فيه المؤمن بين الصيام والقيام بالصلاة وقراءة القرآن والبذل للمعروف والإحسان تشبها بمن كان عليه الصلاة والسلام كريما وكان أكرم ما يكون في رمضان فقد كان عليه الصلاة والسلام كالريح المرسلة ينال خيره ورفده وعطاؤه القريب والبعيد لا يبتغي من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. الله أكبر الله أكبر الله أكبر لقد بشر عليه الصلاة والسلام الباذلين للمعروف المفرجين للكروب المشففين على الضعاف من عباد الله بأن الله تبارك وتعالى يكتب لهم أجر من فطر صائما على حبة تمر وعلى مذقة لبن وعلى شربة ماء. إنه ترغيب وتحبيب في البذل والعطاء والتكرم بسخاء ابتغاء لوجه الله فكان المسلمون في هذا الشهر المبارك مثال التوادد والتآزر والتراحم جسدا واحد يتداعى بالسهر والحمى عندما يتألم عضو من أعضائه وبنيانا مرصوصا تشد أحجاره بعضها البعض. كان رمضان شهر الصيام والقيام وشهر البذل والإحسان وشهر التواصل والتراحم، مدرسة دخلناها جميعا بكل فئاتنا وطبقاتنا وأجناسنا ولغاتنا ذكورا وإناثا أغنياء وفقراء ورعاة ورعية أمسكنا في وقت واحد وأفطرنا في وقت واحد فعرفنا عمليا آلام الجوع والفقر والحاجة والحرمان حتى إذا ما وقف بين أيدينا بعد ذلك من احوجه الله إلينا وطلب منا بعض ما وهبنا الله وما استخلفنا عليه وما تكرم به علينا استجبنا عن طواعية لنداء الواجب نبذل المعروف وننفق مما نحب عملا بقوله جل من قائل (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)وخشية أن يغوينا الشيطان ويخوفنا من الفقر ويدعونا إلى قبض أيدينا الى اعناقنا ليتبرأ منا غدا عندما نقف بين يدي الله قائلا (اني بريء منكم اني أخاف الله رب العالمين) كل ذلك قصه علينا القرآن وأرشدنا إليه سيد الأنام عليه الصلاة والسلام وكان لأمته قدوة وأسوة في البذل والعطاء ودعانا لما يحيينا ويجعلنا غدا من الفائزين الناجين من عباد الله الصالحين الذين جعلوا نصب أعينهم ذلك الوعيد الشديد والعذاب المقيم الذي تهدد الله به من أخلدوا إلى الدنيا فكانت أكبر همهم ومبلغ علمهم أنستهم ذكر الله وانستهم حتمية الرحيل عن هذه الدار إلى دار القرار التي لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم أما من بخلوا وألهاهم التكاثر حتى زاروا المقابر فقد أدركوا أنه (وان ليس للانسان إلا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى) الله أكبر الله أكبر الله أكبر من يا عباد الله أفلت من هذا المصير المحتم وهذا القضاء المبرم الذي قهر الله بعباده فجعل البقاء والخلود له وحده أما سواه فانه ميت لا محالة، راحل عن هذه الدار (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) أين الأمم التي سبقت؟ بل أين الأجداد والآباء وأين الأحباب والأخوان؟ أين من طغوا وبغوا؟ أين من صالوا وجالوا؟ إنهم في القبور رمم بالية لسان حالهم يردد (يا ليتني قدمت لحياتي) يا ليتني عملت عملا صالحا أجده في ظلمة القبر وعند سؤال الملكين وعند عبور الصراط وعند البعث وعند النشور في يوم تشيب له الولدان وتذهل فيه الأمهات المرضعات عمن أرضعن، لكل امرء في ذلك اليوم شأن يغنيه. في ذلك اليوم هنالك من سيكونون على منابر من نور في نعيم مقيم وفي ظل ظليل لا يمسهم نصب ولا رهق، فرحين بما آتاهم ربهم من جزاء أوفى حيث سيجعل الله حسابهم يسيرا وسعيهم مشكورا، إنهم عباد الله الصالحين الذين استجابوا لما دعاهم إليه ربهم وهداهم إليه نبيهم وشفيعهم عليه الصلاة والسلام فكانوا لأنفسهم الأمارة بالمرصاد، ألزموها الطاعة وجنبوها اتباع خطى الشيطان فكانوا عبادا للرحمان يبيتون لربهم سجدا وقياما ويمرون باللغو كراما ويبذلون المعروف يمنة وشمالا، لم تشغلهم الدنيا ولم تفتنهم بمباهجها وبهارجها ومغرياتها طلقوها ثلاثا لا رجعة فيها قائلين غري غيرنا يا غرارة فإننا نبتغي من ربنا نظرة وسرورا وجزاء في الجنة نعيما مقيما. أنفقوا مما جعلهم الله مستخلفين فيه من مال الله الذي وهبه لهم ولم يبخلوا بما آتاهم وأفاء عليهم لا يريدون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا قال ربهم في حقهم (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما و أسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) كان رمضان الذي انصرف ورحل وانطلق يشهد لمن أطاع وعلى من فسق وفجر وغفل فما كان أشرفه من زمان للصيام والقيام، وما أصفى أحواله وما أطيب المناجاة فيه وسط الليل وعند السحر، ما أرق القلوب فيه وهي تناجي السميع العليم المجيب القريب ممن يدعوه، ( فالسلام عليك يا شهر الصيام، السلام عليك يا شهر ضياء المساجد وعمارتها بالقائمين، السلام عليك يا شهر المتجر الرابح، السلام عليك يا شهر الرحمة والغفران،وشهر عتق الرقاب من النيران، السلام عليك يا شهر الإخلاص، السلام عليك يا شهر التوبة ورفع الدرجات ومضاعفة الحسنات، السلام عليك يا موسم التزود بخير الزاد السلام عليك يا مضمار التنافس في الطاعات). الله أكبر الله أكبر الله أكبر هنيئا لمن صام رمضان ايمانا واحتسابا وهنيئا لمن كان في هذا الشهر على موعد مع الاجتهاد في الطاعات فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (ويغفر لهم في آخر ليلة فقيل يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا ولكن العامل إنما يوفى اجره إذا قضى عمله) وروي ان الصائمين يرجعون يوم الفطر (وهو يومنا هذا يوم عيدنا وحبورنا وسرورنا بما وفقنا إليه ربنا وأعاننا عليه) يرجعون مغفورا لهم وان يوم العيد يسمى يوم الجوائز قال الزهري: اذا كان يوم الفطر خرج الناس إلى الصلاة اطلع الله عليهم فقال: يا عبادي لي صمتم ولي قمتم ارجعوا مغفورا لكم قال مورق يرجع هذا اليوم قوم كما ولدتهم أمهاتهم. وروي عن ابن عباس مرفوعا (اذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض فيقفون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه من خلق الله إلا الجن والانس يقولون: يا أمة محمد أخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل لملائكته ما جزاء الأجير اذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا وسيدنا ان يوفى اجره فيقول: إني أشهدكم اني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي ارجعوا مغفورا لكم) زاد البيهقي ويقول عز وجل (فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم ولا لدنياكم إلا نظرت لكم فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني وعزتي وجلالي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين اصحاب الحدود انصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم فتفرح الملائكة وتستبشر بما يعطي الله هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان) وكان السلف الصالح يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أتقبل منهم عملهم أم رد عليهم؟ وكان البعض منهم يظهر عليهم الحزن يوم عيد الفطر فيقال له: إنه يوم فرح وسرور فيقول صدقتم ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل عملا فلا أدري أقبله مني أم رده علي؟ عن الحسني قال: إن الله جعل رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وروي ان علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: يا ليت شعري من المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه؟ أيها المقبول هنيئا لك وايها المردود جبر الله مصيبتك. وقال قتادة كان يقال من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له في ما سواه، وفي حديث آخر: من لم يغفر له في رمضان فمتى يغفر له؟ ترحل الشهر والهفاه وانصرما واختص بالفوز بالجنات من خدما وأصبح الغافل المسكين منكسرا مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما من فاته الزرع في وقت البدار فما تراه يحصد إلا الهم والحزنا وفي الصحيح انه سبحانه وتعالى بعبده أرحم من أمه (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) الله أكبر الله أكبر الله أكبر رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما والصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما والحج إلى الحج كفارة لما بينهما. مواسم يعدها الله للمتقين من عباده وأبواب يفتحها للمنيبين غير الغافلين ليتزودوا في رحلتهم إلى ربهم وسعيهم للوقوف بين يديه بخير زاد مما هو خير وأبقى من صالحات الأعمال وطيبات الأقوال وخالصات النوايا والمقاصد. فهنيئا لمن عاهد ربه وصدق في عهده بان لا يعود بعد رمضان إلى ما كان عليه من معصية وغفلة وكفران وجحود لنعم الله التي لا تحصى وهنيئا لمن سيلزم نفسه تقواها ويزكيها بعد إن اعتادت على طاعة الله واجتنبت معصيته وهنيئا لمن سيجعل رمضان الذي انقضى منطلقا للعمل الصالح يكون خاتمة وتتويجا لما مضى من عمره فيلقى ربه وهو عنه راض. هنيئا لمن اجتنب فيما سيأتي من أيامه وما بقي من عمره وهو قصير مهما طال ما حرم الله من الخبائث والمعاصي والذنوب. وهنيئا لمن سيقيم ما فرض الله عليه من فرائض هي حق الله عليه الذي خلقه وسواه وعافاه وامده بالصحة والبنين والمال الوفير وهداه إلى سواء السبيل وأمره بطاعته وعبادته فقال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) فرائض كتبها الله علينا: صلاة وزكاة وصياما وحجا هي أحب ما يتقرب به الله لا يقبل بدونها من عباده صرفا ولا عدلا، إن هم أدوها وصدقوا فيها وأخلصوا بها العمل لوجه الله أدخلهم بها ربهم جنانه فيها صلاح حالهم ومآلهم فيها تزكية أرواحهم وتطهيرها فيها نجاتهم وفوزهم لا تزيد في ملك الله شيئا انما يحصيها عليهم ربهم الذي وفقهم اليها ثم يجازيهم عليها جنة ورضوانا ونعيما مقيما فسبحان الغني عن عباده وسبحانه العليم الغفور اللطيف لا يجتمع في قلب مؤمن مسلم ايمان صحيح ولا تجتمع اقامة لأركان الاسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج مع العصيان وارتكاب الذنوب واتيان الفواحش ما ظهر منها وبطن مما حرمه على عباده ونهاهم عن اقترابه. فاما ايمان وطاعة وامتثال واما كفران وعصيان سبيلان لا يلتقيان فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.