خطبة جمعية ألقاها الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله بجامع مقرين العليا: بالعقيدة الصحيحة والعبادة الخالصة يحقق المسلم سعادته الحاجلة والآ

خطبة جمعية ألقاها الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله بجامع مقرين العليا: بالعقيدة الصحيحة والعبادة الخالصة يحقق المسلم سعادته الحاجلة والآ


الحمد لله الذي جعل الاسلام سبيلا لسعادة الدارين ورفع العاملين به إلى اعلى عليين نحمده سبحانه وتعالى ونشكره فانه الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ونشهد أن لا إله الله ربنا ورب أبائنا الأولين ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختم به النبيين والمرسلين وشفعه في العصاة المذنبين ووعد امته بالنصر والتمكين صلى الله عليه وعلى اخوانه من أنبياء الله ورسله الأطهار وعلى أزواجه وذريته وصحابته الأخيار وعلى كل من الزم نفسه بتوخي السبيل واقتفاء الآثار اللهم صل وسلم وبارك عليهم جميعا ما تعاقب الليل والنهار عدد قطر الأمطار وأوراق الأشجار أما بعد أيها الناس فاعلموا وفقني الله واياكم لاتباع سبل الهدى وجنبني وإياكم مواقع الزيغ والردى ان الاسلام الذي جعلنا الله به خير أمة أخرجت للناس جاء لتحرير العقول البشرية من الأوهام والخرافات ولتهذيب النفوس حتى تملأ بالفضائل والكمالات وجاء أيضا ليدفع أهله إلى الأعمال الباقيات الصالحات فهو إذا بهذا الاعتبار الصحيح الذي لا مراء فيه ولا جدال يعتبر بحق دين عقيدة وعمل وإذا قلنا إنه دين عقيدة فلا يعني أبدا تلك العقائد السطحية التي لا تترك أثرها الملحوظ في النفوس البشرية بل نعني بالعقيدة ذلك الرسوخ والاقتناع والاطمئنان الذي يجعل المؤمن الحق عبدا لرب واحد هو الملك الديان خالق الانسان والحيوان والمتصرف الأوحد في عموم هذه الأكوان وذلك هو مدلول الشهادة الأولى من شهادتي الاسلام لا إله إلا الله أي لا معبود ولا متصرف ولا قوي ولا مالك إلا الله الواحد الذي انفرد دون سواه بجميع أنواع التصرف في هذه الكائنات كلها (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كلّ شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) هذا هو الربّ الذي يدين له المؤمنون بالعبودية ويفردونه بالألوهية وما سواه ممن يخيل للناس أنهم أقوياء هم ضعاف لا يملكون نفعا لأنفسهم ولا للناس ولقد عبر القرآن عن هذا المعنى بأجمل وأعذب أسلوب حين قال (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) فلله كم في القرآن من شفاء للانفس ودواء للقلوب إن المؤمن بالاسلام يعتقد بكل قلبه ان غير الله لا يستطيع ان ينفعه اذا أراد به الله الضرر ولا يستطيع أن يضره إذا أراد الله له النفع وبذلك يصبح المؤمن قويا بالله معتزا به بعيدا عن الطمع والخوف الذين هما سبب كل بلاء يصيب الأمم والأفراد إذ عنهما يتولد النفاق والذبذبة التي هي سبب كل شر وفساد وهي المعاول الهدامة التي تحطم البلاد والعباد واذ اعتز المؤمن بهذه القوة الايمانية واعتصم بحصنها الحصين فليس معنى ذلك ان يكون جبارا على اخوانه من الضعفاء والمساكين بل على العكس من ذلك يكون عنيفا وقويا مع الملحدين والمشركين ويكون رحيما وعطوفا مع المؤمنين وذلك ما أدبنا به القرآن الكريم والى اتباعه دعانا (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا) وان المتأمل لهذه الآية ولغيرها من آيات القرآن الكريم ليرى ان الإيمان الصحيح والمعاملة الطيبة وحدهما لا يكفيان بل لا بد من وجود العمل الصالح بجانبهما فلقد قال ربنا (تراهم ركعا سجدا) إذ بدون الركوع والسجود والصيام والحج وجميع العبادات التي أوجبها الاسلام يفلت زمام النفس من يد صاحبها وتصبح متأرجحة بين الخير والشر وبين العبادة والمعصية ثم تتغلب عليها في النهاية حيوانيتها فتمرح في الضلال وتسرح في الفسوق والعصيان وخوفا علينا من تغلب نوازع الشر فرض الله سبحانه وتعالى علينا فرائض ليصلح لنا بها معاشنا ومعادنا وعقولنا وأبداننا ولينظم بها علاقات الانسان مع نفسه ومع ربه ومع الهيئة الاجتماعية، وليس في تكاليف الاسلام جميعا تكليف واحد لا يخدم هذه الغايات الأكيدة والنبيلة لأن الله سبحانه وتعالى إذا حرم علينا محرما معناه ان ذلك المحرم أمر يضر بنا ولا يصلح لأبداننا أو لعقولنا أو لروابطنا الاجتماعية وإذا أوجب علينا واجبا بمعناه إن القيام به أمر ضروري لأبداننا وعقولنا وعلاقاتنا الاجتماعية واذا تعمدنا تركه والاستهانة به بمعنى ذلك اننا نسعى إلى حتفنا بظلفنا ونعمل على تحطيم مصالحنا الحسية والمعنوية ولقائل ان يقول إن كثيرا من المسلمين يمارسون التعاليم الإسلامية بدقة ومواظبة وهم يعيشون حسيا ومعنويا على أسوء حال والجواب عن هذا سهل وواضح ومقنع وهو ان تلك الممارسة لم تكن أبدا جارية على النسق الذي حدده الدين ووضحه ولو جرت عليه في صورتها الظاهرية وحقيقتها الباطنية لأفادت صاحبها وسمت به روحيا وماديا مثلما حققت ذلك لسلفنا الصالح فالعبادة اذا لم تستوف شروطها وأركانها وإذا لم يصحبها ذلك الاستحضار والخشوع تصبح حركات آلية ميتة وهي بذلك لا تحقق ما أراده المولى سبحانه وتعالى منها فإذا أراد المسلمون أن ينجح الله لهم أعمالهم ويبلغهم آمالهم فما عليهم إلا أن يصححوا عقيدتهم وان يعطوا لعبادتهم ما هي في حاجة إليه من خشوع وتفكر وتأمل إذ بهذا فقط ينفعهم الإيمان والاسلام ويصعدان بهم إلى أعلى مقام وليكن كلام ربنا العليم الخبير مسك الختام أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين ولا تستوي الحسنة والسيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.