تصوّر لملامح إصلاح الملف الديني في المرحلة القادمة

تصوّر لملامح إصلاح الملف الديني في المرحلة القادمة


وبلادنا مقبلة بإذن الله بعد الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية على مرحلة جديدة ستطوى فيها صفحة كل ما هو سلبي، يحتاج الملف الديني إلى إعادة النظر في كل تجلياته وآلياته انطلاقا من خصوصيات بلادنا التي يكاد ينعقد الإجماع حولها والتي هي محل اعتزاز وتنزيه كل الخلص من التونسيين والتونسيات فإسلام التونسيين إذا صح التعبير، والإسلام كدين هو في الحقيقة والواقع واحد، هو إسلام الوسطية والاعتدال، إسلام الأصالة والمعاصرة إسلام التسامح والتعايش إسلام الاجتهاد والتجديد إسلام يجمع ولا يفرق إسلام ينير ولا يثير، إسلام التآلف والتآخي والتحابب يأبى التعصب والتزمت والتطرف ويرفض الإرهاب وترويع الآمنين وسفك دماء الآدميين فضلا عن من يشتركون مع بعضهم البعض في الانتماء إلى الوطن والعرق واللغة والدين بل والعقيدة والمذهب والمشرب. وتلك خصوصية ومنة امتن بها الله على الشعب التونسي كرسها على مر القرون تلقي بلادنا للاسلام على أيدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ القرن الأول للهجرة ورسخها أعلام كبارهم علي بن زياد وأسد بن الفرات وسحنون وابن أبي زيد والقابسي وابن خلدون وابن عرفة وصولا إلى آل عاشور وجعيط وبيرم والنيفر وغيرهم كثير تخرج أغلبهم من كعبة الشمال الافريقي الزيتونة المباركة التي ينبغي أن تعود إلى آداء دورها في وفاء فعلي لخصوصيات بلادنا *إن الزيتونة الجامع والزيتونة الجامعة هما صمام الأمان وملاذ كل التونسيين، زيتونة العلم والمعرفة، زيتونة السماحة والاعتدال، زيتونة الاجتهاد والتجديد زيتونة المزاوجة بين التمسك الصحيح بالدين الحنيف والاعتزاز والحب الشديد للوطن إذ حب الوطن من صميم الإيمان وحاشا للإسلام ان يزهد معتنقيه في التعلق بأوطانهم والذود عنها فإلى ذلك هدانا نبينا عليه الصلاة والسلام عندما قال وهو يودع مكة مسقط رأسه ليلة الهجرة حيث خاطبها بقوله (والله إنك لأحب البلاد إلي)وليقس على مكة غيرها من الأوطان فمن رحاب جامع الزيتونة انطلقت حركة تحرير تونس من ربقة الاستعمار وبمساندة واعية انخرط شيوخ الزيتونة في مشروع دولة الاستقلال التربوي والثقافي والاجتماعي ودعموه بكل ما أوتوا من حجج شرعية وعقلية *ولكي يكون الدين في كل تجلياته وهياكله وهيآته في المرحلة القادمة فوق التجاذبات يجمع ولا يفرق ويدفع إلى الأمام ولا يشدّ إلى الوراء *ولأنه لم تعد اليوم فضاءات التعبير عن الرأي وممارسة الحق المشروع في التنظيم والانتماء السياسي والفكري حكرا على طرف دون آخر فقد ضمن ذلك دستور توافقي وهيئات دستورية وقضائية مستقلة حقيقية وفعلا *فإن الفضاءات الدينية من جوامع ومساجد وزوايا ينبغي إن تكون للجميع وفوق الجميع لا توظف ولا تلون بأي لون بحيث يتولى الهيكل الحكومي (وزارة الشؤون الدينية) الإشراف التام والكامل على الحقل الديني بكل هياكله وهيئاته بتنسيق كامل مع الهيئات العلمية (افتاء، مجلس إسلامي وجامع وجامعة الزيتونة) ومجتمع مدني وأعني به جمعيات على مستوى كل مسجد يختار أعضاؤها من أهل الحي ويشترط فيهم الحياد التام والكامل ويتولى الأئمة والوعاظ والمرشدون تقديم زاد علمي بحت غير قابل للتأويل والتوظيف. *والبلوغ إلى هذا الهدف النبيل الذي يسمو بالدين ويرفعه إلى المرتبة التي هو جدير بها ويجعل من المسجد لا يذكر فيه إلا الله (كما جاء في الآية الكريمة “في بيوت أذن الله إن ترفع ويذكر فيها اسمه”) فإن تنظيم المساجد وإحكام تسييرها بغية تحييدها وصيانتها الصيانة الفعلية التي تتجاوز تشييدها وإصلاح بناياتها هو حجر الزاوية في خطة الإصلاح الديني *ويليها في الأهمية والاستعجال القيام بإعادة تكوين وتأهيل الإطارات القائمة تأهيلا علميا دينيا ومدنيا وذنيا عن طريق الملتقيات والندوات الدورية على المستويات المحلية والجهوية والإقليمية والوطنية يتولى القيام بهذه المهمة الدقيقة أهل الذكر والاختصاص ويستهدى في ذلك بكل التجارب شريطة ان يكون ذلك دائما في إطار الخصوصيات الآنفة الذكر *أما على المدى المتوسط والبعيد فإن بعث معاهد مختصة بتكوين الأطر الدينية على مستوى الجهات (الولايات القريبة من بعضها) ضرورة بحيث توضع لهذه المعاهد ومراكز التكوين برامج علمية مكثفة يجمع فيها بين التكوين النظري والتكوين التطبيقي والتكوين الديني الشرعي الأصيل والنير والتكوين الاجتماعي المدني والثقافي الانساني وتعاليم الإسلام لا تتعارض مع كل مفيد إذ (الحكمة ضالة المؤمن) ولكي يكون للهيئات الدينية تأثيرها العلمي الفاعل على محيطها فإن: *جامعة الزيتونة مدعوة لأن تستأنف القيام بدورها الريادي ليس فقط على مستوى البلاد التونسية بل على مستوى محيطها المغاربي والافريقي والعربي والاسلامي مع التركيز في مناهجها وأطروحاتها وملتقياتها وندواتها على الخصائص السنية المالكية الأشعرية الجنيدية دون أن يعني ذلك الانغلاق والتقوقع إذ التفتح على بقية المذاهب والمدارس الفكرية الإسلامية والانسانية مطلوب ولا بد منه. *كما ان جامع الزيتونة ينبغي أن يظل رمزا وملاذا بحيث تقدم في رحابه لكل راغب وطالب علم سائر علوم جامع الزيتونة وتقام في أرجائه حلقات تلاوة القرآن الكريم (الحزب الراتب اليومي) وتنتظم فيه المواسم الدينية (رمضان والمولد وغيرهما) أختام الحديث (البخاري ومسلم والموطأ والشفا) وتقرأ فيه قصة المولد وتنشد فيه الهمزية والبردة *وينبغي أن تعاد إلى الأئمة السادة الأشراف خطة امامة الصلوات الخمس والجمعة والعيدين وهو ما جرى عليه العمل منذ قرون تيمنا وتعلقا بهم وبجدهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وقد أقر ذلك علماء الأمة الأعلام وارتضوه وكذلك ولاة الأمر وسائر أفراد الشعب التونسي *أما الزوايا والمقامات التي انتهكت ! وحرقت ! ودنست ! فلا بد من إعادة الاعتبار لها ورعاية ما يدور فيها من أنشطة دينية قارة وموسمية امتد سندها لقرون طويلة وكانت ملاذ الجميع يجدون فيها السكينة والطمأنينة ويتقربون فيها إلى الله بأفضل ما يتقرب به إليه. *ولتوحيد الفتوى وإعطائها ما تستحق من الاهتمام والاعتبار لا بد من تعزيز دار الإفتاء بعدد من الباحثين المختصين ليكونوا إلى جانب مفتي الجمهورية وتحت إشرافه من يعدون برصانة وتمعن وتثبت وروية كل ما يصدر عن دار الإفتاء إجابة عن الاستفتاءات والتساؤلات الملقاة من طرف الأفراد والهيئات والمؤسسات *ولإعطاء المجلس الاسلامي أبعادا علمية لا بد من إعادة هيكلته وتعزيزه بكفاءات مختصة متنوعة التكوين (ديني وعلمي اجتماعي وثقافي) وجعله مجلسا علميا له فروع في الجهات والمحليات تكون سندا للأئمة والوعاظ والمرشدين في عملهم اليومي *ولا بد أن تواكب هذا البرنامج مادة إعلامية سمعية بصرية ومكتوبة بما في ذلك (الانترنات والمواقع الاجتماعية) تكون مبلغة لمضامين هذا البرنامج ليتحقق التكامل والتفاعل الاجتماعي.

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.