في رياض السنة : سعة مجالات وميادين الصدقة

في رياض السنة : سعة مجالات وميادين الصدقة


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل سُلاَمَى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل فيه بين الاثنين صدقة وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة ويكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة). متفق عليه في هذا الحديث النبوي الشريف الذي أورده الإمام النووي في كتابه الجليل (رياض الصالحين) بيان لجوانب من هدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الهدي الذي اتسم بالشمول والعموم والإحاطة بكل أبواب الخير والصلاح والفلاح العاجل والآجل. هذا الهدي الذي تتحقق به عند العمل بما جاء فيه الحياة الحقيقية والحياة السعيدة والحياة التي تحصل بها مرضاة الله سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم). والصدقة محور هذا الحديث هي العطاء التلقائي التطوعي وقد وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مجالاتها وميادينها وجعلها تتجاوز المتعارف عليه وهو العطاء لشيء من المال أو غيره لمحتاج فقير. فذلك جزء من الصدقة وقد وردت في فضيلة هذا النوع من العطاء أحاديث كثيرة ترغب في الصدقة وتعد بعظيم الأجر وجزيل الثواب على من يبذل ماله ابتغاء لمرضاة الله لا يريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. والصدقة مثلما تكون بالكثير تكون بالقليل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا النار ولو بشق تمرة) وفي هذا الحديث وغيره يبدو جليا حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يجعل العطاء والبذل سجية في المسلم مهما كانت حالته المادية. فالعطاء والجود والكرم ليس حكرا في الإسلام على الأغنياء بل هو مندوب ومستحب من الجميع، كل يجود على قدر طاقته وما في مستطاعه والله تبارك وتعالى يتقبل من الجميع طالما وان نواياهم ببذلهم وعطائهم خالصة لله لا يبتغون إلا من الله الجزاء والثواب عليها (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكن جزاء ولا شكورا). إن الصدقة، وهذا الحديث يوسع مجالاتها وميادينها مظهر من مظاهر الشكر لله على نعمه التي لا تحصى ولا تعد. وبالصدقة يستبقى ويديم العبد المؤمن المتصدق نعم الله عليه بل يجعل هذه النعم تزيد يقول جل من قائل (ولئن شكرتم لأزيدنكم). والشكر يكون باللسان المعبر عما في الجنان ويكون بالأفعال بما يمكن أن تقدمه اليدان من عطاء بشتى أنواعه ومنها المال. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل سلامي من الناس عليه صدقة) أي على كل عضو من أعضاء جسم الإنسان مهما صغر (الإصبع وراس الإصبع والأنملة كل أجزاء جسم الإنسان) مهما صغرت الأعضاء تجب عليها الصدقة شكرا لله عليها، وتوجه هذه الصدقة إلى المحتاجين من عباد الله ولا يتصور أن يحتاج الله لما تحتاج إليه المخلوقات فهو سبحانه وتعالى غني عن عباده. والصدقة على كل عضو، (على كل سُلامى) في جسم الإنسان تكون بتسخيرها لما يرضي الله فيطاع بها ولا يعصى بواسطتها، ومن الصدقة على كل عضو في الإنسان أن يعود صاحبها بها بخير على من حوله من المحتاجين من عباد الله ويفصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر فيجعل من الصدقة عملا متواصلا ما دام الإنسان على قيد الحياة وهي متجددة كل يوم تطلع فيه الشمس، الصدقة جهد متواصل لا يعرف التوقف مادام الإنسان على قيد الحياة، ويفتح الإسلام الباب للمسلم كي يظل الثواب والأجر يلحقه حتى بعد وفاته وانقطاع عمله (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) فهناك الصدقة الجارية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له) يفصل رسول الله صلى الله عليه وسلم القول في بيان أبواب الصدقة فيجعل منها العدل بين الاثنين وهو هنا بمعنى الإصلاح بين متهاجرين متخالفين بأن يعيد بينهما الوصال والحب بعد أن كانا متنافرين متنازعين انه إصلاح ذات البين والذي يقابله إفساد ذات البين وقد اعتبر الإسلام ذلك من اشد الذنوب وأنكرها واعتبر القائم بها من أبغض عباد الله إلى الله. فالعدل بين الناس بإصلاح ما فسد بينهم صدقة ويضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثلة أخرى للصدقة فيجعل منها إعانة الرجل على ركوب دابته ويشمل ذلك كل مركوب وما أكثر أولئك الذين يحتاجون إلى من يساعدهم على الركوب من العجزة لتقدم سن وشيخوخة أو مرض أو إعاقة أو زحام أو غير ذلك مما يرى ويشاهد ويمكن للمسلم أن يحصل بواسطة القيام به على الأجر والثواب. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه). ويبين رسول الله صلى اله عليه وسلم أن الكلمة، مجرد كلمة، إذا كانت طيبة صدقة وأفضل كلمة يقولها المسلم (لا اله إلا الله) وكذلك بقية الأذكار والتسابيح والصلوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالا لقوله جل من قائل (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وكذلك الدعاء الذي هو مخ العبادة فكل ذلك صدقة ومن الكلمة الطيبة التي هي صدقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس الخير وغير ذلك كثير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة) فبكل خطوة يخطوها الساعي إلى الصلاة تمحى سيئة وتكتب حسنة وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم المشائين إلى المساجد لآداء الصلاة بالأجر والثواب العظيم. ويختم رسول الله صلى اله عليه وسلم بقوله (وتميط الأذى عن الطريق صدقة) وهي في حديث آخر شعبة من شعب الإيمان ودرجة من درجاته وهذا بعد بيئي فيه عناية بالمحيط وحماية له من كل أنواع التلوث فقد عد الإسلام ذلك من أبواب الصدقة.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.